رأي.. طارق عثمان يكتب لـCNN: انتخابات CDU في نهاية الأسبوع تمثل الخطوة الأولى نحو ألمانيا وأوروبا ما بعد ميركل

العالم
نشر
8 دقائق قراءة
أنجيلا ميركل
Credit: Andreas Gora - Pool/Getty Images

هذا المقال بقلم طارق عثمان، كاتب ومعلق سياسي. والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

انتخابات قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الالماني (الـCDU) في نهاية هذا الأسبوع، تستحق المتابعة. الحزب حكم المانيا لخمسين من السبعين عاماً الماضية، ومنهم الستة عشر سنة الأخيرة التي قادت فيها انجلا ميركل المانيا. وهذا يجعله الحزب الأهم في البلد الأهم اقتصادياً و سياسياً في أوروبا.  

الأهمية الاقتصادية لالمانيا بالنسبة لاوروبا لا تحتاج لتوضيح. لكن أهميتها السياسية تستحق التوقف امامها.. حتى السنوات الأولى من الألفية الجديدة فرنسا كانت مايسترو السياسة في أوروبا. بمعنى انها كانت صاحبة الصوت الأعلى في دوائر القرار في الاتحاد الأوروبي. كانت ذات الوزن الأكبر في وضع أجندات الحوارات لمجالس رؤساء وقادة الدول الأوروبية. كانت أهم المؤثرين في عمل – ومن يعمل – في المفوضية الأوروبية. وكانت سياستها الداخلية الأكثر متابعةً من الدول الأوروبية الأخرى. وكان بعض ذلك قوة دفع بقت من أمجاد السياسة الفرنسية في القرن الماضي. وكان البعض الأخر تأثير الثقافة الفرنسية على فِكْر وأسلوب حياة الطبقات العليا في أوروبا، وهو تأثير كان و لا يزال عالي وقائم على روعة وجمال وإغراء تلك الثقافة. 

لكن تطور مشروع الوحدة الأوروبية – وتوسيع الاتحاد بشكل كبير في بداية الألفية الجديدة – فرض ضرورات و أعباء اقتصادية على الاتحاد الأوروبي، كانت المانيا الوحيدة القادرة على تحمل الجزء الأكبر منها. وبعد ذلك جاءت الأزمة المالية في ٢٠٠٨ باحتياجات مالية مهولة، خاصة لدول جنوب أوروبا، ومرة أخرى كانت المانيا الوحيدة القادرة على تحمل الجزء الأكبر من الأعباء والتكاليف .. وبغض النظر عن لماذا تحملت المانيا تلك التكاليف (وهناك أراء مختلفة في ذلك)، المهم، أن المانيا ظهرت في العقدين الماضيين، بكل وضوح، كالعملاق القادر على الدعم والتحمل وحماية الاستقرار (المجتمعي و ليس فقط الاقتصادي) في تقريباً كل القارة.  

بالإضافة الى ذلك، بدا هيكل الاقتصاد الألماني وأسلوب العمل هناك، أقوى كثيراً مما ظن كثيرون. و ظهرت المانيا ليس فقط  كاقتصاد عظيم النجاح، شديد القوة، ولكن ايضاً كمجتمع ذي قدرات كبرى – وتلك نقطة هامة في مشروع (الاتحاد الأوروبي) قائم بالأساس على فكرة وحدة بين مجتمعات. 

ومع كل ذلك، كان هناك عامل انجلا ميركل: السيدة التي وُوجِهت بمشاكل شديدة الصعوبة، فواجهتها بعزيمة حديدية مقترنة بهدوء أعصاب وأسلوب عمل بلا أي صخب ونفس تبدو وكأنها غير قابلة على الإطلاق للوقوع في براثن الانا (الـego). فكانت تلك السيدة أحد أهم عوامل سطوع القوة الألمانية في السياسية الأوروبية في العقدين الماضيين، وبلا شك وجه تلك السياسة في أوروبا و العالم.  

لكن المانيا ستشهد في خريف هذا العام الانتخابات الأهم هناك منذ خمسة عشر سنة على الأقل..  حزب الـCDU غالباً سيأتي في المركز الأول في الانتخابات، وعليه فانه (أغلب الظن) سيقود التحالف الحاكم القادم في المانيا. لكن هذه المرة سيكون هناك قيادة جديدة غير انجلا ميركل – قيادة ستتحدد في انتخابات نهاية هذا الأسبوع.  والمهم هنا ليس فقط شخصية الفائز في انتخابات الحزب (ومن ثم أحد أهم المرشحين ليصبح مستشار المانيا القادم)، ولكن أيضا البرنامج وقوى الدعم التي ستوصله الى النجاح في انتخابات الحزب. 

وهذه نقطة أخرى لأهمية انتخابات نهاية هذا الأسبوع: وهي ان المرشحين مختلفون تماماً في ما يمثلونه من اتجاهات.  

وبدون الدخول في تفاصيل تجارب المرشحين الأهم، الحاصل ان هناك احتمالين. الأول هو فوز مرشح قريب من فِكْر انجلا ميركل والتيارات التي تدعمها، وتلك تريد استمرارية في سياسات ميركل، وترى نتائجها نجاحات كبرى لكل المشروع الأوروبي. كما ان تلك التيارات راضية عن أسلوب ميركل وحكومتها في التعامل من أزمة فيروس الكورونا، وعليه لا تريد تجارب مع طرق مختلفة.  

لكن هناك احتمال ثاني. وهو فوز مرشح اكثر ميلاً للتيارات المحافظة في الحزب، وهو من قبل و من بعد الحزب المحافظ الرئيسي، سواءاً اجتماعياً او اقتصادياً في البلد.. هذه نقطة مهمة، ذلك أن الحزب، بالرغم من قوته، قد خسر أصوات ليست قليلة في السنوات العشر الماضية. أولاً بسبب ما تراه بعض التيارات من أن ميركل قدمت ما هو أكثر من اللازم لدعم اقتصاديات دول جنوب أوروبا، وبأكثر مما أخذت لألمانيا. و وراء تلك الرؤية إختلاف عميق حول مدى العطاء الذي يقبل المجتمع الألماني أن يقدمه (ويستمر في تقديمه) من أجل دعم المشروع الأوروبي .. وثانيا، الحزب خسر أصوات بسبب موقف انجلا ميركل من أزمة اللاجئين السوريين في منتصف العقد الماضي، والتي أتخذت فيها قرارها الشهير بفتح أبواب المانيا أمام أكثر من مليون مهاجر.  وقد كان هذا القرار، على انسانيته، ذي تكلفة سياسية كبيرة، يتذكرها حزبها و يخشى أن يدفع ثمنها في انتخابات هذا الخريف القادم، خاصة وإن هناك صعود واضح في المانيا لحزب من أقصى اليمين.  

وعلي ذلك، فإن نتائج هذه الانتخابات داخل حزب الـCDU ستؤثر على الاقتصاد السياسي لاوروبا في المستقبل المنظور. 

هذه النقطة واضحة بحكم أهمية الحزب داخل المانيا وأهمية المانيا داخل أوروبا.. لكن هناك عامل أخر يستحق الانتباه: و هو أن هناك مفوضية أوروبية جديدة، أُنتخبت في نهايات ٢٠١٩ ولكنها، بالطبع، انشغلت تماماً بأزمة فيروس الكورونا طيلة ٢٠٢٠، وهي الآن فقط على وشك أن تبدأ وضع سياساتها في مختلف المجالات. وهذه السياسات قائمة على ومتأثرة بالميزانية الأوروبية، وهذه أيضاً وجدت طريقها للنور في ٢٠٢٠ وسط كل مشاكل فيروس الكورونا. وعليه فهناك، لا شك، تغيرات و تعديلات في التوزيعات و الحصص. وتلك دائماً داعية لحوارات طويلة و مشاكل داخل الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة لكل ذلك، فهناك أزمة كبيرة داخل الاتحاد بين دول مؤثرة تقليدياً (وأهمها فرنسا) ودول في الوسط والشرق الاوروبي تحكمها أحزاب يمينية (واحيانا قريبة من أقصى اليمين) ذات توجهات وسياسات يراها كثيرون في أوروبا، ليس فقط متعارضة مع روح ومبادئ الاتحاد الأوروبي، ولكن ايضاً خطرة على مشروع الوحدة الأوروبية كله.. وفي وسط كل ذلك سيكون الموقف الألماني في غاية الأهمية وربما حاسم في الكثير من تلك الملفات. وغالباً أهم صُناع هذا الموقف الألماني سيكون الفائز في انتخابات نهاية هذا الأسبوع.