رأي: بشار جرار يكتب عن "شخصنة" الأزمة الأوكرانية.. مع زيلينسكي وبوتين وضدهما!

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
رأي بشار جرار

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

منذ ظهور الهواتف الذكية، تلقفت بعض الجهات الإعلامية والترفيهية الربحية تقنية التصويت عن بعد عبر رقم يخصص للتراسل النصي الخليوي. بدأ الأمر مع نجوم الفن، ليطال فيما بعد مقامات وقامات عليها. أتاحوا – بخباثة، ببراءة أو سذاجة – التصويت على زعماء الدول من خارج البلاد لا داخلها فحسب.

عانى ما سموه العالم الثالث وبخاصة العالم العربي كثيرا -ولعقود- من ظاهرة تقييم القادة بناء على خطاباتهم أو حتى وسامتهم عوضا عن مواقفهم وسياساتهم. وتلك ظاهرة كارثية ما زالت الشعوب تتجرع مرارة خيباتها بعد كل تصعيد ينتهي بحرب غير محسوبة العواقب.

في الأزمة الراهنة، ثمة صورة صارخة على جانبي الأزمة، تصر على شخصنة الحرب واختزالها بشخص الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي. رأى البعض بوتين، هتلر أو صدام استنادا إلى اتهامات بالتوسع والدكتاتورية. في المقابل يراه مؤيدوه بيتر العظيم (بطرس الأكبر) أو القيصر. فيما يرى مؤيدو "خادم الشعب" زيلينسكي رئيسا حقيقيا لا مجرد ممثل حصد النجومية بدوره كمدرس تاريخ في ذلك العمل التلفزيوني "خادم الشعب". الصحافة الأوروبية بالذات قارنت بينه وبين رئيس وزراء بريطانيا الأكثر شهرة والأرفع مكانة في صفوف سياسيي العالم – العالم الغربي على الأقل – ونستون تشرشل. قارنوا بين صموده بوجه النازية وبين رفض زيلينسكي عرضا أمريكيا بتأمين مغادرته البلاد مع اشتداد القصف الروسي وملاحقته من قبل 400 مسلح روسي شيشاني (قوات خاصة) مهمتهم اعتقال أو اغتيال الرئيس الأوكراني بحسب "نيويورك تايمز".

المقارنات اتخذت منحى حديثا نسبيا خاصة في الصحافة الأمريكية بين ما فعله الرئيس الأفغاني أشرف غاني فور الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وما يقوم به الرئيس زيلينسكي. مقارنات من هذا القبيل، وحده التاريخ الذي يحكم عليها ويظهر تلك الشعرة الفاصلة بين الحكمة والجبن، الشجاعة والتهور، والقائمة تطول لتشمل مثلا مغادرة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، وتنحي الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ومن قبل قبول آخر ملوك مصر الراحل فاروق مغادرة مصر بعد انقلاب ٢٣ يوليو / تموز ١٩٥٢. اختار رؤساء كل من ليبيا والعراق وسوريا مثلا القتال حتى "الطلقة الأخيرة" فيما رأوه دفاعا عن وطن لا مجرد دفاع عن نظام أو كرسي حكم. مرة أخرى، التاريخ هو الحكم. فكم من العراقيين والليبيين واليمنيين والإيرانيين والأفغان مثلا يحنون إلى ملكية حفظت بلادهم من الصراع والضياع.

المقارنة إذن ليست بين الصورة التي يريدها الرئيس مقابل انطباع الآخر، بقدر ما هي الآثار المترتبة على فعله. وهل هذا الفعل بالأصل قرار فردي أم حزبي أم شعبي تدعمه الأمة بمؤسساتها الشرعية. من أراد الخير لأوكرانيا وروسيا، يكف عن شخصنة الأزمة. ثمة شيطنة غير مسبوقة لبوتين في صحافة الغرب مقابل هالة من البطولة – أخشى أن تكون "كربلائية" أو كبش فداء للرئيس زيلينسكي. صورة رجل مخابرات مخضرم (كي جي بي) في الاتحاد السوفييتي السابق وبطل جودو، مقابل صورة نجم كوميدي أهم أعماله "خادم الشعب". فمن يحدد صورة الزعيم؟ الصحافة الحرة، الدعاية السياسية (بروباغندا) أم التاريخ؟

في العالم العربي حاز ممثل واحد على لقب "الزعيم" بعد مسرحيته التي حملت الاسم نفسه. ثمة مفارقة عجيبة، فالنجم المصري الكبير عادل إمام، وصل إلى منصب الرئاسة بمحض صدفة قامت على استغلال الطغمة الحاكمة لشبهه بالزعيم الفاسد الراحل.

مخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة (نووية لا قدر الله) ولو بالخطأ ليست مشهدا مسرحيا، و"الحبكة" تتطلب تبريد الرؤوس الحامية والنأي بالنفس، نعم نأي الصحافة الحرة المحترمة المهنية بالنفس عن الدخول في لعبة صناعة الأبطال والشيطنة. رأينا عواقب ذلك في حروب الخليج الثلاث. إن كان من نعمة فيما نحن فيه، فهي الخلاص من عامين كارثيين من كورونا! أوكرانيا تستحق الحياة وروسيا أيضا، في عالم آمن، أراه متعدد الأقطاب حتما..