أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- يعد رفض الإدارة الأمريكية السريع لخطة بولندا لنقل مقاتلات ميغ -29 إلى أوكرانيا أوضح مثال حتى الآن على التعقيدات التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال محاولة مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد هجوم روسيا الوحشي دون الانجرار إلى حرب أوسع مع موسكو.
وأثار إعلان بولندا، الثلاثاء، عن استعدادها لتزويد أوكرانيا بمقاتلات الميغ غضب الولايات المتحدة، وقال مسؤول في الإدارة الأمريكية، لشبكة CNN، إن المسؤولين الأمريكيين والبولنديين تناقشوا حتى صباح يوم الأربعاء بشأن إمكانية تقديم مقاتلات لأوكرانيا لكن بعد ظهر يوم الأربعاء، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) معارضة الفكرة، وذلك خلال اتصال بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره البولندي حيث شدد أوستن على عدم تأييد نقل طائرات مقاتلة إضافية إلى القوات الجوية الأوكرانية في الوقت الحالي، بحسب المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي.
ويسلط هذا الضوء على الكيفية التي قد تصل بها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حدود ما يمكنهم فعله لمساعدة أوكرانيا مع البقاء بعيدا عن الصراع وتشير إلى تصدعات محتملة في تحالف ظل موحدا بقوة في الجزء الأول من الحرب حيث فرض الأعضاء عقوبات صارمة وقدموا المساعدة الأمنية.
وجاء رفض البنتاغون لخطة بولندا بعد أن أيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الفكرة، في وقت سابق من الأسبوع، وقال أحد كبار المشرعين في الحزب الجمهوري إن هناك انقسامات داخل الإدارة حول ما يجب القيام به بشأن هذه القضية.
وقال المسؤولون الأمريكيون لشبكة CNN إن كل المناقشات حول تلك الخطة تجعلها أقل احتمالية للحدوث، لأنها تزيد فقط من قدرة موسكو على وصف أي تحركات بأنها "تصعيدية" وتزيد من توتر دول مثل بولندا المتوترة من كونها في مرمى نيران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
وشعر المسؤولون الأمريكيون بالإحباط الشديد من إعلان بولندا عن خطتها، قائلين إنه يبدو أنه مسرحية موجهة للجمهور البولندي في محاولة من الحكومة البولندية لإظهار أنها تفعل كل ما في وسعها لمساعدة أوكرانيا، رغم إدراكها جيدًا أن الخدمات اللوجستية لتك الخطة لم يتم وضعها بعد.
وأوضحت تصريحات كيربي أن هناك مخاوف من أن المزيد من الإجراءات المباشرة يمكن أن تصعد التوترات مع روسيا أكثر وتخاطر بجر الناتو مباشرة إلى الحرب.
وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة قلقة من أن تفسر روسيا الطائرات التي تتوجه إلى أوكرانيا من قاعدة تابعة لحلف شمال الأطلسي على أنها هجوم.
وذكر كيربي: "تقديرات مجتمع الاستخبارات قالت إن نقل الطائرات ميغ -29 إلى أوكرانيا قد ينظر إليه عن طريق الخطأ على أنه تصعيد وقد يؤدي إلى رد فعل روسي كبير، قد يزيد احتمالات حدوث تصعيد عسكري مع الناتو لذلك، فإننا نقدر أيضًا أن نقل طائرات إلى أوكرانيا محفوف بالمخاطر."
وكانت الولايات المتحدة اتخذت مع حلفاؤها عددًا من الخطوات لمساعدة أوكرانيا، بما في ذلك توفير الأسلحة وفرض عقوبات مثل الحظر الأمريكي على استيراد النفط الروسي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الأسبوع، وهي خطوة ضغط الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي من أجل تطبيقها.
وصرح مسؤول دفاعي أمريكي كبير للصحفيين بأن مبلغ الـ350 مليون دولار الذي تمت الموافقة عليه كمساعدات أمنية لأوكرانيا الشهر الماضي قد تم إرسال أغلبه بالفعل.
ووفقا لمسؤول أمريكي كبير، زودت الولايات المتحدة وأعضاء آخرون في الناتو أوكرانيا حتى الآن بـ 17 ألف صاروخ مضاد للدبابات و 2000 صاروخ ستينغر مضاد للطائرات، ومع ذلك، فقد توقفوا عن فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا وتزويدها بالمقاتلات الميغ على الرغم من الطلبات العديدة من الرئيس الأوكراني بسبب المخاوف بشأن جر الناتو إلى صراع مباشر مع روسيا.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، الأربعاء، إن بلادها ستزود أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي ولكن لن تسعى إلى إقامة منطقة حظر طيران.
وكذلك قال كيربي إن البنتاغون يعتقد أن أفضل طريقة لدعم أوكرانيا هي تزويدها بأنظمة مضادة للدروع والدفاع الجوي، مثل صواريخ أرض جو وأنظمة الدفاع الجوي الأرضية.
وأضاف أن إرسال المزيد من الطائرات إلى أوكرانيا "ليس من المرجح أن يغير بشكل كبير فعالية القوات الجوية الأوكرانية مقارنة بالقدرات الروسية".
وقال المتحدث باسم البنتاغون "لذلك نعتقد أن المكاسب من نقل الطائرات ميغ 29 منخفضة."
وفي وقت سابق يوم الأربعاء، قال بلينكن إن الولايات المتحدة تواصل التشاور مع بولندا وحلفاء آخرين في الناتو بشأن كيفية توفير طائرات مقاتلة لأوكرانيا.
ويصف المسؤولون القضية بأنها ذات شقين: مشكلة لوجستية تتعلق بإيصال الطائرات إلى أوكرانيا، ومشكلة سياسية تتمثل في تجنب التصعيد مع روسيا، ووصف المسؤولون الأمريكيون الخطة البولندية بأنها فشلت في معالجة كليهما بشكل مناسب.
وقالت مصادر لشبكة CNN إن المسؤولين البولنديين قالوا إنهم يشعرون باللوم غير العادل في تأخير إرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا.
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط، أخبر المسؤولون البولنديون نظرائهم الأمريكيين أنهم سيكونون على استعداد لتزويد أوكرانيا بالطائرات ولكن بالنظر إلى احتمال تصعيد العدوان من روسيا ، أخبر البولنديون الولايات المتحدة أنهم سيحتاجون إلى طائرات بديلة.
وقالت الولايات المتحدة إنه لن يكون أي منها متاحًا حتى عام 2024 ، وبالنظر إلى أن عددًا من الدول، بما في ذلك تايوان، كانت متقدمة على بولندا في ترتيب الطائرات المقاتلة الأمريكية الصنع لذلك شعرت بولندا أنه يتعين عليها تأجيل الفكرة.
لكن الضغط العام على إدارة بايدن لإرسال الطائرات تصاعد بشكل كبير بعد أن ناشد الرئيس الأوكراني، خلال محادثة عبر زووم، المشرعين الأمريكيين لتسهيل تلك العملية.
وقبل مناشدة الرئيس الأوكراني، قلل المسؤولون الأمريكيون من احتمالات المساعدة في نقل طائرات الميغ، التي تم تدريب الطيارين الأوكرانيين عليها.
وقال مسؤولون إنهم ركزوا بشكل أساسي على مجالات أخرى للمساعدة الأمنية، بما في ذلك إرسال صواريخ مضادة للدبابات والطائرات.
وبدت التحديات اللوجيستية لنقل الطائرات إلى أوكرانيا بالنسبة لبعض المسؤولين تحديًا غير عملي وتساءلوا عن مدى فعالية الطائرات.
لكن طلب الرئيس الأوكراني والذي وصفه المشرعون بأنه حماسي، بدا أنه غير المعادلة، فمباشرة بعد انتهاء الجلسة، دعم كل من الجمهوريين والديمقراطيين، بما في ذلك زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الفكرة.
لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن الدعم الشعبي لم يترك لإدارة بايدن خيارًا سوى التمسك بالفكرة علنًا، حتى لو كان بعض المسؤولين متشككين فيها.
ثم بدأت الولايات المتحدة في إرسال رسائل علنية مفادها أن القرار يعود إلى بولندا وحدها وقال بلينكن لشبكة سي بي إس يوم الأحد إن الولايات المتحدة أعطت "الضوء الأخضر" لبولندا لإرسال الطائرات، على الرغم من تأكيد بولندا للولايات المتحدة أنها لن تكون قادرة على القيام بذلك دون بدائل مناسبة.
وأثارت التعليقات إحباط عميق للمسؤولين البولنديين، وبعد أيام من الشعور باللائمة بشكل غير عادل على التأخير، أصدرت وزارة الخارجية البولندية ليلة الثلاثاء إعلانًا مفاجئًا عن استعدادها لنقل الطائرات إلى الولايات المتحدة، عبر قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا ، لكي ترسل الولايات المتحدة بعد ذلك مباشرة إلى أوكرانيا وسرعان ما رفضت الولايات المتحدة الفكرة.
وقال النائب عن ولاية تكساس مايكل ماكول، أكبر الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، لشبكة CNN، الأربعاء، بعد إحاطة سرية بشأن أوكرانيا، يبدو أن هناك انقسامًا داخليا في إدارة بايدن بين المسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية حول كيفية التعامل مع اقتراح بولندا.
وقال مكول "وزير الدفاع لويد أوستن لديه تحفظات"، ولدى سؤال ماكول عما إذا كان بلينكن ووزير الدفاع منقسمين، قال مكول "نعم".
وذكر مسؤول في الإدارة الأمريكية إن العلاقة الثنائية بين البلدين لا تزال قوية وأن المساعدة الأمنية الأمريكية الإضافية استمرت في التدفق إلى أوكرانيا عبر بولندا.