هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يا لها من قصة كبيرة، متسارعة، لا بل ولّادة لمزيد من القصص. تلك إحدى التسميات التي تعنون الأخبار في عالم أرسى قواعده القطب الإعلامي الأمريكي تيد تيرنر مؤسس شبكة الأخبار بالكوابل المعروفة اختصارا بـ "CNN". كل ما نراه من فضائيات وأخبار متسارعة وتغطية على مدار الساعة تعود إلى فكرة بسيطة لكنها عبقرية خرج بها عن المألوف تيرنر قبل 4 عقود. كان يرى الأخبار صناعة وحرفة وحاجة تستوجب تقديم الخدمة بلا انقطاع في بلاد تعمل بأربعة توقيتات غير التوقيت المعتمد عالميا. جعل تيرنر من أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا بمثابة غرينيتش الولايات المتحدة. ونافس ماكدونالدز بتقديم وجبات أخبار سريعة ساخنة أيضا على مدار الساعة حتى يكون في خدمة من يعمل بمناوبات ليلية ناهيك عن فارق التوقيت العالمي عند تغطية الأخبار العالمية وهي ما أبدعت به الشركة وعلى نحو ريادي في حربي البلقان والخليج.
جاء زمن إيلون ماسك، وهو من خارج عالم الصحافة والأخبار، جاء ليشكل علامة فارقة هي الأقوى منذ مزاحمة ومنافسة منصات التواصل الاجتماعي، الإعلام الجديد الذي يخشى ومنذ سنوات أن يلحق به التلفزيون ما لحق بالصحافة الورقية من خسائر أدت إلى إغلاق الكثير منها وخسائر فادحة لمعظمها.
لا مصداقية لتباكي البعض على مصير امتلاك رجل أعمال ثري، وهو الأغنى في العالم وعبر التاريخ لإحدى أخطر منصات التواصل الاجتماعي -على الأقل سياسيا- كما اتضح في الانتخابات الأمريكية الأخيرة. فالملياردير جيف بيزوس امتلك أهم الصحف الأمريكية والعالمية وهي واشنطن بوست، فيما اعتبر رعاية لخطها التحريري الليبرالي والمعادي قبل انتخابات 2016 وحتى الآن للرئيس السابق دونالد ترامب، على الأقل كما يرى هو ومؤيدوه.
الكابوس الذي يطارد الجميع هو ماذا لو لم تفلح ما وصفت "حبة السم" في إبعاد يد ماسك بعرض بلغ 43 مليار دولار عدا ونقدا؟ تجرعت تويتر عبر مجلس إدارتها هذا "السم" لكن ماسك استخف بالجميع متحديا بأن لديه "الخطة باء" وربما "جيم" أيضا، وسط تكهنات -قد يكون بعضها رغائبيا- بأن يكون المستثمر القادر على رفع نسبة أسهم ماسك من 9% إلى ما هو أعلى من 14.9% المسموح له بها من قبل الشركة، ما هو إلا ترامب نفسه الذي طالب مؤيدوه بأن يكون أول قرار يتخذه ماسك هو رفع الحظر عن ترامب. ماسك "زهد" بالإدارة معلنا أن كل ما يريده هو الإفصاح عن "لوغرتمات" ما يسمح به في العالم التويتري، وهو كتحرري "ليبريتيريان" (لا جمهوري ولا ديمقراطي) يؤمن بالمطلق بحق الجميع بالتعبير كيفما شاءوا عن آرائهم. لكن لكل شيء ثمن، حتى حرية التعبير.
تويتر لم تعد مجرد منصة تغريد بما يشعر به الناس أو ما يؤمنون به. تويتر صارت أخطر مما قام به موقع ويكيليكس الذي تسبب بصداع قوي لإدارة أوباما الثانية وكثير من حكومات العالم. ليس صدفة أن يعارض الأمير الوليد بن طلال الذي يملك 5% من أسهم تويتر صفقة ماسك. أشار البعض إلا أنها أول حالة توافقية بين السعودية وأمريكا بايدن!
لتبيان خطورة الصفقة، قد يكفي بعض الأمثلة. أمريكيا: وبالاستناد إلى تعامل تويتر مع قصة لابتوب هنتر بايدن ابن الرئيس الأمريكي في ذروة الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة والتي بلغت حد حظر صحيفة نيويورك بوست لتبنيها القصة. وكذلك فعلت "لوغرتمات" تويتر وسائر منصات التواصل الاجتماعي وما يعرف بـ"بيغ تيك" مع مزاعم تزوير الانتخابات وتخليق فيروس ووهان وربما تسريبه عمدا كما يصر بعض المؤمنين بنظرية المؤامرة ومنهم "كيو- ان" وهي من بين الحركات الأمريكية المتهمة بالتحريض على اقتحام الكونغرس في السادس من يناير الماضي.
ماسك، وبصرف النظر عن نجاح مساعيه في الصفقة، صار موضع انتقاد روسي وصل حد تحميل أقماره الصناعية مسؤولية إغراق المدمرة الأيقونية في الأسطول البحري الروسي "موسكافا" واعتبار الأمر بمثابة شرارة إطلاق الحرب العالمية الثالثة، وفقا لمسؤول روسي وللتلفزيون الروسي الرسمي.
فأيهما يكسب الحرب: تويتر أم ماسك؟ بكل الأحوال، ماسك أطلق رصاصته ولا سبيل لردها إلى بيت النار. ليست "طلقة فضية- سيلفر بوليت" كما هو التعبير الإنجليزي عن الحلول السحرية، لكنه بالتأكيد ألقى حجرا كبيرا في بحيرة لم تكن هادئة!
إن نجح ماسك وعاد ترمب وانتصر بوتين، ثمة تسونامي قادم.