هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
المتابع لجلسات الاستماع التي عقدها مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي للمدير التنفيذي لتيك توك، والعام الماضي لمديري ما يعرف بـ "بيغ تيك" وهم ميتا (فيسبوك وإنستغرام)، تويتر، غوغل وآبل، يدرك أن مشكلة أمريكا ليست مع تيك توك، بل أن قضيتها وقضية العالم كله هي في حقيقة الأمر مع المنصات والتطبيقات التي نصفها بالذكية ونغفل عن موجبات الذكاء، وأكثرها وجوبا الحرص على الحياة قبل الحياة الخاصة، وسلامة الروح والعقل والنفس والبدن قبل الممتلكات الخاصة. بمعنى ضرورة الإقرار بأن الأمن كضرورة وكواجب، يعلو على الحريات والرغبات والأهواء بكل أشكالها ومسمياتها.
أسارع فأشدد مستدركًا، على أن فارقًا دقيقًا أحيانًا، وكثيرًا ما يكون جدليًا، كونه غير قطعي الثبوت، أو سهل التمييز، بين ما هو رعاية أمنية في أقل الحدود، وما هو تدخل أمني سافر فيه من التوغل والخشونة ما يفرق بين النظم الدكتاتورية الشمولية القمعية، وبين العالم الحر الذي ما زال قبلة المبدعين والحالمين والمنكوبين في العالم. ما زالت الحرية والكرامة هي أكثر القوى الجاذبة للهجرة غربًا وشمالًا، بشقيها القانوني وغير القانوني.
ومن الإنصاف الإقرار بأن ما جمع بين جميع جلسات الاستماع، على اختلاف إدارتها من قبل الجمهوريين الآن والديمقراطيين العالم الماضي، الإقرار بأن ما يحذر منه النواب هو إساءة استخدام تلك المنصات والتطبيقات في المجمل، وليس فقط تيك توك. فالحملة على حظر التطبيق أو امتلاكه على نحو كاف أمريكيا، يحركها الخوف المرضي "البرانويا" كما يسميه الديمقراطيون. حملة ممنهجة تأتي ضمن ما يعتبره صقور الديمقراطيين محاولات الجمهوريين المتكررة لاستعداء الصين، والقضية بدأت حتى قبل كوفيد-19 الذي وقّع الرئيس جو بايدن مؤخرا قرارا برفع السرية عن التحقيقات الخاصة بمنشئه. وكلاهما يصب في إطار ما تراه بكين حملة ممنهجة عدائية كانت من ضمن فصولها الشهر الماضي "بالون التجسس" الذي تصر على أنه لأغراض تتعلق بدراسة المناخ والبيئة!
إن كانت القضية في الأساس تُثار من باب اتهام بكين بالتجسس على قاعدة المنصة المعلوماتية فيما يخص بيانات المشتركين، فإنها تنطبق أيضا على سائر المنصات والتطبيقات الأمريكية.
وإن كانت القضية أيضا تثار على اعتبار خطورة تلاعب بكين بقناعات وآراء وبالتالي سلوك الأمريكيين وجميع مستخدمي تيك توك، فإن القضية ذاتها موضع "صرخة" عالمية -منذ سنين- من جميع التربويين وخبراء علمي النفس والاجتماع. إنستغرام على سبيل المثال، من الأكثر اتهاما في تشكيل السلوكيات الإدمانية، فيما اتهمت تويتر ما قبل إيلون ماسك، بالسكوت على حسابات إرهابيين وكبار مسؤولي نظم قمعية، في الوقت الذي حظرت فيه حساب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق.
التحدي الحقيقي فردي لا مؤسسيا وشخصي لا حكوميا. في نهاية المطاف نعيش في عالم مزدحم بالخيارات، منها الصحي ومنها الضار وعلى نحو مميت.. العبرة في التربية الأسرية التي هي خط الدفاع الأول والأخير، لحماية الفرد والأسرة والمجتمع مما هو متاح "سداح مداح"!!