لماذا تصلي الصين واليابان ألا تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها؟.. المخاطر والمكاسب

العالم
نشر
10 دقائق قراءة
لماذا تصلي الصين واليابان ألا تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها؟ المخاطر والمكاسب
محافظ بنك اليابان المركزي، كازو أويداCredit: RICHARD A. BROOKS/AFP via Getty Images

هونغ كونغ (CNN)— مع اقتراب عقارب الساعة من عجز غير مسبوق عن سداد ديون الولايات المتحدة، يراقب ثاني وثالث أكبر اقتصادات العالم في خوف.

وتعد الصين واليابان من أكبر المستثمرين الأجانب في ديون الحكومة الأمريكية، وتمتلكان معا 2 تريليون دولار- أكثر من ربع- إجمالي سندات الخزانة الأمريكية التي تحتفظ بها دول أجنبية والبالغة 7.6 تريليون دولار.

وبدأت بكين تكثيف مشترياتها من سندات الخزانة الأمريكية في عام 2000، عندما أيدت الولايات المتحدة فعليا انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، مما أدى إلى طفرة في الصادرات. وأدى ذلك إلى توليد كميات هائلة من الدولارات للصين وكانت بحاجة إلى مكان آمن لتخزينها.

وتعتبر سندات الخزانة الأمريكية، على نطاق واسع، واحدة من أكثر الاستثمارات أمانا على وجه الأرض، وقد تضخمت حيازة الصين من ديون الحكومة الأمريكية من 101 مليار دولار، حتى بلغت ذروتها عند 1.3 تريليون دولار في عام 2013.

وكانت الصين أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمان. لكن تصاعد التوترات مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في عام 2019، جعل بكين تقلص حيازاتها، وتجاوزت اليابان الصين باعتبارها أكبر دائن في ذلك العام.

وتمتلك طوكيو الآن 1.1 تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية، مقابل 870 مليار دولار للصين، ويعني هذا الانكشاف الشديد أن كلا الدولتين معرضتان لانهيار محتمل في قيمة سندات الخزانة الأمريكية، إذا انكشف سيناريو يوم القيامة لواشنطن.

وقال جوش ليبسكي وفيليب مينغ، المحللان من مركز GeoEconomics التابع للمجلس الأطلسي: "حيازة اليابان والصين الكبيرة من سندات الخزانة يمكن أن تلحق الضرر بهما إذا انخفضت قيمة سندات الخزانة".

وسيؤدي انخفاض قيمة سندات الخزانة إلى انخفاض الاحتياطيات الأجنبية لليابان والصين. وهذا يعني أنه سيكون لديهما أموال متاحة أقل لدفع ثمن الواردات الأساسية، أو خدمة ديونهما الخارجية، أو دعم عملتيهما الوطنية.

ومع ذلك، فإن "الخطر الحقيقي" يأتي من التداعيات الاقتصادية العالمية والركود الأمريكي المحتمل الذي يمكن أن يتبع التخلف عن السداد، على حد قول المحللين.

وقال ليبسكي ومينغ: "هذا مصدر قلق خطير لجميع البلدان لكنه يشكل خطرا خاصا على الانتعاش الاقتصادي الهش للصين".

وبعد انفجار أولي في النشاط في أعقاب الرفع المفاجئ للقيود الوبائية في أواخر العام الماضي، بدأ الاقتصاد الصيني الآن يتعثر، حيث أظهر الاستهلاك والاستثمارات والإنتاج الصناعي إشارات على التباطؤ.

وتفاقمت الضغوط الانكماشية حيث تحركت أسعار المستهلكين بالكاد خلال الأشهر القليلة الماضية. وهناك مصدر قلق كبير آخر هو معدل البطالة المرتفع بين الشباب، والذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 20.4٪ في أبريل/ نيسان.

وفي غضون ذلك، يظهر الاقتصاد الياباني فقط علامات الخروج من الركود والانكماش، اللذين يطاردان البلاد منذ عقود.

أثر مدمر

وحتى لو نفدت أموال الحكومة الأمريكية، مع إجراءات غير عادية لدفع كل فواتيرها، وهو السيناريو الذي قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إنه قد يحدث في وقت مبكر من الأول من يونيو/حزيران المقبل، فإن احتمالية التخلف عن السداد في الولايات المتحدة قد تظل منخفضة.

واقترح بعض المشرعين الأمريكيين إعطاء الأولوية لدفع الفوائد على السندات لأكبر حاملي السندات.

وقال أليكس كابري، كبير المحاضرين في NUS Business School، إن هذا سيتم على حساب الالتزامات الأخرى، مثل دفع معاشات التقاعد الحكومية والرواتب لموظفي الحكومة، ولكنه سيحول دون التخلف عن سداد الديون الكبيرة لدول مثل اليابان والصين.

وبدون وجود بديل واضح، استجابة لتقلبات السوق المتزايدة، يمكن للمستثمرين مقايضة السندات قصيرة الأجل بديون طويلة الأجل. وقد يفيد ذلك الصين واليابان، لأن ممتلكاتهما تتركز في سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل، وفقا لكل من يبسكي ومينغ من المجلس الأطلسي.

ومع ذلك، فإن انتشار العدوى المالية والركود الاقتصادي يشكلان تهديدا أكبر بكثير.

وقال ماركوس نولاند، نائب الرئيس التنفيذي مدير الدراسات في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "إن التخلف عن سداد الديون في الولايات المتحدة يعني انخفاض أسعار الخزانة الأمريكية، وارتفاع أسعار الفائدة، وهبوط قيمة الدولار، وزيادة التقلبات".

وأضاف: "من المحتمل كذلك أن يكون مصحوبا بانخفاض في سوق الأسهم الأمريكية، وزيادة الضغط على القطاع المصرفي الأمريكي، وزيادة الضغط على قطاع العقارات".

وقد يؤدي ذلك بالاقتصاد العالمي المترابط والأسواق المالية إلى التعثر أيضا.

وتعتمد الصين واليابان على أكبر اقتصاد في العالم لدعم الشركات والوظائف في الداخل. ويُعد قطاع التصدير مهما بشكل خاص للصين، حيث تعثرت الركائز الأخرى للاقتصاد، مثل العقارات، وتولد الصادرات خمس الناتج المحلي الإجمالي للصين وتوفر فرص عمل لنحو 180 مليون شخص.

ورغم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، تظل الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري منفرد للصين. كما أنها ثاني أكبر شريكة لليابان.

وفي عام 2022، سجلت التجارة بين الولايات المتحدة والصين رقما قياسيا بلغ 691 مليار دولار، وزادت صادرات اليابان إلى أمريكا بنسبة 10٪ في عام 2022.

وأكد نولاند: "مع تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، سينتقل التأثير من خلال التجارة، مما يؤدي إلى انخفاض الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، والمساهمة في التباطؤ العالمي".

مخاوف عميقة

أعرب محافظ بنك اليابان المركزي، كازو أويدا، عن مخاوفه، الجمعة الماضية، محذرا من أن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة من شأنه أن يتسبب في اضطرابات في الأسواق المختلفة، وستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.

وقال للبرلمان، إن "بنك اليابان سيسعى للحفاظ على استقرار السوق بناءً على تعهده بالاستجابة بمرونة مع التركيز على التطورات الاقتصادية والسعرية والمالية"، بحسب (رويترز).

وحتى الآن، كانت بكين هادئة نسبيًا بشأن هذه المسألة. وعلقت وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء، بأنها تأمل في أن "تتبنى الولايات المتحدة سياسات مالية ونقدية مسؤولة"، و"تمتنع عن نقل المخاطر" إلى العالم.

ونشرت وكالة (شينخوا) الصينية الرسمية للأنباء، عموداً في وقت سابق من هذا الشهر، يسلط الضوء على "العلاقة التكافلية" بين البلدين في سوق السندات الأمريكية.

وقالت: "إذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فلن يؤدي ذلك إلى تشويه سمعة الولايات المتحدة فقط، بل سيؤدي إلى خسائر مالية حقيقية للصين".

ولا يوجد الكثير يمكن لطوكيو أو بكين القيام به، بخلاف الانتظار والأمل في الأفضل.

وقال كابري إن الإغراق السريع للديون الأمريكية سيكون بمثابة "هزيمة ذاتية"، حيث سيؤدي إلى ارتفاع كبير في قيمة الين الياباني أو اليوان الصيني مقابل الدولار، مما يتسبب في "تجاوز تكلفة صادراتهما السقف".

فوائد طويلة الأجل؟

على المدى الطويل، يقول بعض المحللين إن التخلف المحتمل عن السداد في الولايات المتحدة، قد يدفع الصين إلى تسريع سعيها لإنشاء نظام مالي عالمي أقل اعتمادا على الدولار.

وأبرمت الحكومة الصينية بالفعل سلسلة من الصفقات مع روسيا والمملكة العربية السعودية والبرازيل وفرنسا لزيادة استخدام اليوان في التجارة والاستثمار الدوليين.

وقال مشرع روسي، العام الماضي، إن دول مجموعة البريكس، وهي، الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تستكشف إنشاء عملة مشتركة للتجارة عبر الحدود.

وأوضح كابري: "سيكون هذا بالتأكيد بمثابة حافز للصين لمواصلة دفع تدويل اليوان، ولمضاعفة جهودها لجلب شركائها التجاريين إلى مبادرة "عملة بريكس" المعلنة حديثا.

ومع ذلك، تواجه الصين بعض العقبات الخطيرة، مثل الضوابط التي تطبقها على مقدار الأموال التي يمكن أن تتدفق داخل وخارج اقتصادها. ويقول محللون إن بكين أبدت استعدادا ضئيلا للاندماج الكامل مع الأسواق المالية العالمية.

وقال ديريك سيسورس، الزميل الأول في معهد أمريكان إنتربرايز إن "أي دفعة جادة من أجل إزالة الدولرة ستشهد المزيد من التقلبات في تداول اليوان".

وأظهرت البيانات الأخيرة من نظام المدفوعات الدولي SWIFT أن حصة اليوان من تمويل التجارة العالمية بلغت 4.5٪ في مارس /أذار، بينما استحوذ الدولار على 83.7٪.

وقال ليبسكي ومينغ: "لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن يظهر بديل موثوق للدولار الأمريكي".