تحليل من نك روبرتسون، محرر الشؤون الدبلوماسية الدولية في شبكة CNN.
لندن، المملكة المتحدة (CNN)-- مدينة جدة القديمة المطلة على البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، التي تغرق في الحرارة الشديدة خلال الصيف الأكثر حرارة في تاريخ العالم الحديث، قد لا تكون الخيار الأوضح لتهدئة أعنف صراع في العالم، والذي يحتدم حاليا في أوكرانيا.
ومع ذلك، يعتقد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الملك المنتظر للمملكة الصحراوية، أنه يمكن أن يساعد.
في الخريف الماضي، كان له دور في إطلاق سراح المرتزقة الغربيين الذين أسرتهم القوات الروسية أثناء القتال في أوكرانيا. ومن المقرر أن يستضيف قمة في المملكة بشان أوكرانيا لمناقشة السلام السبت الموافق 5 أغسطس/آب.
ويقول مسؤولون أوكرانيون إن المكان ميزة لهم إذ أنه "يدمر تماما رواية روسيا"، بأن أوكرانيا مدعومة فقط من "دول الغرب الجماعي"، ويتوقعون مشاركة ما يصل إلى 40 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند.
وفي الأيام التي سبقت القمة، حدد الأوكرانيون نيتهم. وقالوا: "هدفنا في السعودية هو تطوير رؤية موحدة لصيغة السلام ووضع إمكانيات عقد قمة السلام العالمية المستقبلية"، في إشارة إلى خطة السلام الأوكرانية.
ومع قيام موسكو بـ"المراقبة" فقط وعدم حضورها، يخاطر بأن تصبح القمة قطعة ثلج في الصحراء، رائعة وملهمة للحظات، ولكنها تختفي في غمضة عين.
ومع ذلك، يعلق المسؤولون الأوكرانيون آمالهم عليها "لتوحيد العالم حول أوكرانيا".
وسيرسل البيت الأبيض مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان. ووصفها مسؤولون بوزارة الخارجية الأمريكية بأنها فرصة لإيجاد "حل دبلوماسي محتمل للحرب"، وللدول التي قد لا تسمع مباشرة من كييف للتحدث وجها لوجه مع المسؤولين الأوكرانيين.
استضاف الدنماركيون اجتماعات سابقة في يونيو/حزيران، وجمعت 15 دولة، العديد منها من جنوب العالم الذين يتعاطفون بدرجات متفاوتة مع حجة بوتين بأن الحرب كانت "ضرورية"، وأن حلف "الناتو" أجبره على غزو أوكرانيا.
ولم تسفر تلك القمة عن عناوين رئيسية، أو انحراف ملحوظ عن شرط أوكرانيا المسبق للسلام، بخروج القوات الروسية من أوكرانيا.
إذن ما هو الاختلاف هذه المرة؟
السعودية، على عكس الدنمارك، لم تتخذ جانبا صريحا في الحرب. والأهم من ذلك أن محمد بن سلمان لديه نفوذ. مثل الطرق التي أدت إلى روما في أيام مجدها، أصبحت السعودية على نحو متزايد في ملتقى المصالح العالمية المتنافسة.
زارها الرئيس الأمريكي بايدن في يوليو/تموز من العام الماضي، كما زارها الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد بضعة أشهر. كان كلاهما يعمل مع محمد بن سلمان.
وتمكن بايدن من البناء على إنجازهما الدبلوماسي المشترك، وهو اتفاق سلام في اليمن قبل بضعة أشهر. وتحدث شي عن الأنشطة التجارية، ووقع مذكرات تفاهم بمليارات الدولارات، لكن دون علم معظمهم، كانوا على بعد بضعة أشهر فقط من اختراق دبلوماسي مزلزل.
ففي ربيع هذا العام، أعلنت السعودية والصين عن خطة سلام لبناء الثقة مع إيران لإصلاح علاقتهما العدائية، وحتى الآن نجحت الخطة، فتوقف الحوثيون وكلاء إيران في اليمن، عن مهاجمة السعودية بصواريخ باليستية إيرانية الصنع.
أعادت الدولتان فتح بعثات دبلوماسية في عاصمتيهما، ومن المرجح أن يأتي الخريف ليشهد توسيع تعاونهما في التجارة.
إن أكثر ما يريده محمد بن سلمان هو سوق نفط مستقر وعلاقات تجارية أقوى في جميع أنحاء الخليج. الخلافات في المنطقة وحدها خطيرة. قد تكون الحرب بين روسيا الغنية بالنفط والمسلحة نوويا وأوكرانيا كارثية.
وإذا كان بإمكانه ترويض هذا النمر، فيمكنه التخطيط بشكل أفضل لكيفية تقديم رؤيته الأخرى الباهظة الثمن لمستقبل السعودية بتنوع اقتصادي لا يعتمد على النفط فقط، وتوظيف عدد كبير من الشباب في البلاد.
طموحه هو ما يدفعه كل يوم. وفي عالمه المثالي، ستكون السعودية لاعبا جيوسياسيا مهيمنا.
جزء من عرض بايدن لمحمد بن سلمان عندما التقيا العام الماضي كان: لا تقلل إنتاج النفط، فهذا يضر بمواطنينا داخل أمريكا، كما يساعد روسيا في تمويل حربها في أوكرانيا من خلال زيادة أسعار النفط.
إذن ماذا فعل محمد بن سلمان بعد بضعة أشهر؟ خفض إنتاج النفط. يقول المسؤولون السعوديون إنهم يقرأون أسواق النفط بشكل صحيح ويغيرون الإنتاج فقط ليناسب "مصالحهم الوطنية".
هذه النقطة لم تسر بشكل جيد في واشنطن. ومع ذلك، فإن القانون الأساسي للدبلوماسية اليوم يقول إن محمد بن سلمان لديه نفوذ محتمل على روسيا. إذا تمكن القائد السعودي من رفع أسعار النفط، فيمكنه أيضا خفضها. لا أقول إنه سيفعل، لكنه يستطيع، وسيعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك أيضا.
إن نوع الدبلوماسية التي يشارك فيها محمد بن سلمان هو إعادة تصور دور عرب الخليج. أصحاب المصلحة ذوو النفوذ الحقيقي، وليس المنافسين لبعضهم البعض في الماضي.
إنه عمل مستمر، لكنه يرى إلى أين يريد أن يذهب، وجزء من ذلك ينطوي على واحدة من أكثر القضايا الشائكة في الشرق الأوسط: التقارب السعودي مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد، فإن المفاوضات السعودية مع الولايات المتحدة جارية، وورد أنها تشمل محطات طاقة نووية محلية، وطائرات مقاتلة من طراز F-35، وضمانات أمنية للمملكة الصحراوية.
تريد الولايات المتحدة تنازلات من السعوديين، والعكس صحيح.
كل ذلك بالطبع خارج عن نطاق قمة جدة للسلام والحرب العدوانية الروسية غير المبررة في أوكرانيا. ومع ذلك، فإنه يُظهر وجود الكثير من القطع في حالة تغير مستمر، وإمكانيات متزايدة لما يمكن تحقيقه. وليس أقلها تقدير الولايات المتحدة، بصفتها أكبر داعم لأوكرانيا، أن السعودية ابتعدت عن الخطوط الدبلوماسية لمساعدة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.
وهناك مناطق أخرى خارج إيران حيث تتماشى المصالح الصينية والسعودية، كمخاوفهما المتبادلة بشأن المخاطر التي تتعرض لها اقتصاداتهما نتيجة حرب جامحة تتصاعد خارج نطاق السيطرة على حافة أحد أكبر أسواقهما في أوروبا.