لماذا تنهار بعض البلدات والمدن البريطانية اقتصادياً؟

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
لماذا تنهار البلدات والمدن البريطانية اقتصادياً؟
Credit: Christopher Furlong/Getty Images)

(CNN) -- في عام 1890، سافر صحفي أمريكي يدعى جوليان رالف من نيويورك إلى برمنغهام، وهي قوة صناعية تقع مباشرة في وسط إنجلترا، ووجدها "المدينة الأفضل حوكمة في العالم".

أشاد رالف بمجلس المدينة في أكثر من 12 صفحة مثيرة في مجلة هاربر، نظرا للسماح للمواطنين بالدخول إلى المتاحف والمعارض الفنية والمكتبات مجانا، مع حمامات السباحة والحمامات التركية، ونظرا لوجود شوارع تبقى "نظيفة بشكل غير عادي"، ولإدارة إمدادات المياه الخاصة بها، كذلك لاستخدام مصابيح الغاز، التي تم اختراعها في المدينة قبل بضعة عقود، لإبقاء شوارعها مضاءة.

ولكن في عام 2024، تفاجأ زائر برمنغهام بوضع عام مختلف تماماً، حيث يفكر مجلس المدينة في بيع معارضه الفنية، وهناك تخطيط لإغلاق 25 مكتبة، واختفت حمامات السباحة المجانية منذ فترة طويلة، وعن النفايات فيتم جمعها كل أسبوعين، وفي محاولة يائسة لخفض التكاليف، قامت المدينة بإطفاء أضواء شوارعها.

تعرضت برمنغهام، ثاني أكبر مدينة في المملكة المتحدة، وأكبر سلطة محلية في أوروبا، للإفلاس في سبتمبر الماضي، وفي صدد عجزها في موازنة ميزانيتها السنوية، أصدرت إشعاراً بموجب " المادة 114 ": وهو نسخة إفلاس الحكومة المحلية، ولملء الثغرة المالية السوداء، سيقوم المجلس بخفض الخدمات، والتخلص من الأصول، وزيادة الضرائب مما يجعل أكثر من مليون شخص يدفعون أكثر، مقابل خدمات أقل.

وكانت بعض جروح المجلس ناجمة عن أخطائه: فقد فشل المجلس، الذي يسيطر عليه حزب العمال المعارض الرئيسي، في دفع أجور النساء والرجال في نفس النوع من الوظائف على قدم المساواة، والآن يتعين عليه دفع التعويضات. إلى جانب التنفيذ الفاشل لنظام تكنولوجيا المعلومات، تراكمت على المدينة ديون تبلغ حوالي مليار جنيه إسترليني ما يعادل ال 1.25 مليار دولار.

لكن الجروح الأخرى جاءت من الخارج، فقد تم تخفيض تمويل برمنغهام من حكومة المحافظين المركزية بمقدار مليار جنيه إسترليني إضافية كجزء من برنامج التقشف في العقد منذ عام 2010، في حين ارتفع الطلب على خدماتها وتكلفة توفيرها. وجد المجلس نفسه عالقًا بين "فكي الهلاك" ، مع ارتفاع ضغوط الميزانية، انخفضت المنح المقدمة من وستمنستر، مما تسبب في تباعد خطين على الرسم البياني، ما يشبه فم التمساح.

حيث قالت كيت تايلور لشبكة CNN: "لن تكون هذه التخفيضات صعبة فحسب، بل ستدمر المدينة".

تايلور وهي مدرسة، قامت ليلاً بعد الانتهاء من عملها بحشد الأشخاص الذين سيتأثرون بالتخفيضات مثل، الشباب والأخصائيين الاجتماعيين والموسيقيين والنقابيين وغيرهم، في حملة "بروم، انهض!"

وأثر موضوع التخفيضات على تايلور، حيث إن ابنها يعاني من التوحد، قالت تايلور: "بالنسبة لشاب مصاب بالتوحد ويحتاج إلى الانسجام، كان الأمر صعب حقاً".

وذلك نظراً لأن الشباب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة سابقاً كانوا يتلقون الدعم منذ فترة طويلة من المجلس، مثل النقل من المنزل إلى المدرسة في حافلة صغيرة مخصصة، ولكن تم قطع هذا الآن، وبدلاً من ذلك، تم تزويد الشباب ببطاقة مرور بالحافلة.

وقالت نينا باربوسا، العاملة في مجال الصحة العقلية للشباب، إن التخفيضات المقررة في خدمات الشباب كانت مزعجة بشكل خاص، وعلى الرغم من تلقي 80 إحالة يومياً، إلا أنها قالت إن اثنين أو ثلاثة فقط من الشباب سيستمرون في تلقي علاج الصحة العقلية، إنهم ببساطة لا يملكون الموارد، ومن الممكن أن يتفاقم الوضع أكثر.

وأضافت قائلة لشبكة CNN: "هؤلاء هم بالفعل الشباب الأكثر ضعفا لدينا، كل ما نفعله هو دفعهم إلى الإجرام، ومن ثم كل ما نفعله هو تدمير حياتهم، لا يوجد مستقبل محتمل لهم، ولا يمكن أن يكونوا أعضاء منتجين في المجتمع، كل هذا الإبداع وكل هذا الذكاء يضيع هدرًا".

الجدير بالذكر أن البريطانيين سيتوجهون في مناطق متعددة إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات المحلية الخميس، أو بالأحرى سيفعل البعض ذلك. 

وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة في عام 2021 ضعيفة، إذ صوت 35% فقط، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أولئك الذين يدلون بأصواتهم سوف يلحقون هزيمة ساحقة بحزب المحافظين الحاكم، الذي سيتلقى بعد ذلك هزيمة أكثر حدة في الانتخابات العامة المقبلة، والتي يجب أن تعقد بحلول يناير/كانون الثاني من عام 2025.

 وبالنظر إلى وستمنستر، فإن الحكومة المقبلة ستواجه هزيمة قاسية، ففي الواقع، تواجه البلدات والمدن البريطانية خطر الإفلاس واحدة تلو الأخرى، مع تحول الأزمات المحلية إلى كارثة على مستوى الوطني.