لندن، بريطانيا (CNN) -- ذهبت خلال الأيام الماضية في جولة داخل جامعة أكسفورد العريقة، لمشاهدة المكان الذي سيحتضن في المستقبل مركز الدراسات الإسلامية الذي يتم بناؤه حالياً.
ورافقني في الجولة الدكتور حسن عابدين، الذي شرح لي كيف أن عملية البناء تتم باستخدام أفضل المكونات التي استقدمت من البلدان الإسلامية، فالخشب المنحوت جاء من ماليزيا، بينما أتت الحجارة الملونة من اليمن، لترتفع دعائم هذا الصرح المميز.
وسيكون أمير ويلز هو الراعي الرسمي للمعهد الذي يهدف إلى "تشجيع فهم أفضل للثقافة والحضارة الإسلامية،" وبهذه الروحية، جرى دعوتي لتقديم محاضرة عن المسلمين في الإعلام، كان الهدف منها إطلاع الطلاب والأكاديميين والخبراء على التطورات الجارية على الأرض في الدول الإسلامية حالياً.
ورسمت خلال محاضرتي صورة للتحديات التي سيواجهها المسلمون على المدى المنظور، وأشرت إلى أن الأزمة المالية التي هزت العالم خلال الأشهر الماضية كان لها تأثير محدود في الشرق الأوسط، مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، وذكرت بأن أوضاع إمارة دبي عادت للاستقرار بعد أزمة الديون، وخلصت إلى أن أسواق المنطقة التي تضم أكثر من 300 مليون شخص ما تزال توفر فرصاً جاذبة للمستثمرين.
وتحدثت عن دور الشرق الأوسط كصلة وصل بين الشرق والغرب، وكيف تطورت دول المنطقة لتصبح المركز التجاري الرابع في العالم، بعد آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، ولفتت إلى أن عشرة في المائة من مكونات دول مجموعة العشرين باتت إسلامية، مع وجود السعودية وتركيا.
كما نوهت إلى ما ذكره الباحث الاقتصادي، جيم أونيل، الذي يعمل في مصرف "غولدمان ساكس" الذي عدد ثلاثة دول شرق أوسطية، هي تونس ومصر وتركيا، ضمن الاقتصاديات التي ستقود النمو العالمي مستقبلاً.
وخلال النقاش الذي أعقب المحاضرة، جرى التطرق إلى القضية التي اعتبرت أنها التحدي الأبرز أمام المنطقة، والمتمثلة في نسبة البطالة المرتفعة فيها، والتي تصل إلى 25 في المائة، إلى جانب مسألة "فجوة الثروة" التي تضرب دولاً مثل اليمن.
وفي وقت كنت أتوقع فيه أن أتلقى ثلاثة أو أربعة أسئلة سريعة، فوجئت بنقاش طويل ومعمّق امتد لأكثر من نصف ساعة، ذلك لأن عدم متابعة البعض للتطورات اليومية في أحداث المنطقة جعلهم يندهشون لبعض ما قلته، والذي تجاوزت عبره ما يعرفه الجميع عن الشرق الأوسط في الإعلام لجهة ثروات النفط والغاز وطفرة البناء واستثمارات الصناديق السيادية.
ودفعني البعض إلى إجراء مقارنة بين اتفاقية التجارة الحرة واتفاقية تحرير التجارة العربية، ووجدت أن معظم من كان في القاعة لم يقتنع بما قلته حول وجود عراقيل تاريخية وتنافسية صعّبت تحوّل الدول العربية الـ17 الموقعة على الاتفاقية إلى سوق واحدة، وإن كانت الأمور تسير الآن باتجاه تخفيف الحدود الجمركية وتسهيل التجارة البينية.
كما تناولت قضية تأسيس مصرف مركزي خليجي موحد، وإصدار عملة موحدة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وقد تلقيت الكثير من الأسئلة التي كان أصحابها يرغبون بمعرفة ما إذا كان هذا الأمر يجري حقيقة على أرض الواقع.
ولم تتراجع وتيرة التشكيك في إجاباتي عندما وصل الأمر إلى قضية نشاطات الصناديق السيادية، فقد قلت لجمهور المحاضرة إن تلك الصناديق بدأت تختار العمل في مناطق مجاورة لمراكزها، مثل شمال أفريقيا، وأنها ما تزال ترغب في دخول القطاع الصناعي العالمي، عبر استثمارات في جنرال إلكتريك وديملر، ولكنها ترغب بالحصول على التكنولوجيا، غير أن قلة ثقة بعض الحضور في ردودي كانت واضحة.
وبعد المحاضرة توجهت إلى طاولة العشاء، حيث ناقشت مع بعض الأصدقاء أسباب تشكيك الجمهور في المعلومات التي أدليت بها.
وقد استنتجت أنهم ينظرون إلى المنطقة فيرون مجموعة من الدول التي تتنافس في القطاعات عينها، وصناديق سيادية تختار الأوقات (غير المناسبة) التي تصل فيها الأسواق إلى مرحلة الذروة لشراء حصص وأسهم في أسماء تجارية عالمية بأسعار عالية، وبالتالي، فإن تصرفات دول المنطقة خلال الفترة التي سبقت الأزمة تركت انطباعات يصعب إزالتها لدى الجمهور الذي مازال تواقاً لرؤية ما إذا كانت المنطقة قادرة على جلب التغيير للجيل القادم.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.