50% من الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحة عقلية لا تتم متابعتهم بعد مغادرة الطوارئ
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كل ليلة تعمل فيها الدكتورة جينيفر هوفمان كطبيبة مساعدة في قسم طب الأطفال، على حد قولها، يأتي طفل واحد على الأقل مصابًا بحالة طارئة تتعلق بالصحة العقلية أو السلوكية.
وخلال حياتها المهنية، لاحظت أن عدد الشباب الذين يحتاجون إلى المساعدة ينمو بشكل كبير.
ولفتت هوفمان، التي تعمل في مستشفى Ann & Robert H. Lurie للأطفال في شيكاغو، إلى أنّ "أكثر المشاكل شيوعًا التي أراها لدى الأطفال الذين تراودهم أفكارًا انتحارية أو الأطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية حادة، وبالتالي عرضة لخطر أذية أنفسهم أو الآخرين".
وتابعت: "نشهد أيضًا أطفالًا أصغر سناً، خصوصًا منذ بداية الجائحة. يأتي الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 8 أو 9 أو 10 سنوات إلى قسم الطوارئ بسبب مخاوف تتعلق بالصحة العقلية.
"إنه لأمر مذهل".
وأظهرت الدراسات أن زيادة عدد الأطفال الذين يحضرون إلى أقسام الطوارئ بسبب معاناتهم من مشاكل في الصحة العقلية كان يمثل تحديًا حتى قبل عام 2020، لكن المعدلات ارتفعت خلال جائحة "كوفيد-19".
وقد يكون موظفو الطوارئ قادرين على تثبيت حالة الطفل يعاني من أزمة رعاية في مجال الصحة العقلية، بيد أنّ الأبحاث أظهرت أن المتابعة في الوقت المناسب مع مقدم الرعاية، هي مفتاح نجاحهم على المدى الطويل. لسوء الحظ، يبدو أنه لا يوجد ما يكفي منها، وفقًا لدراسة جديدة شاركت بتأليفها هوفمان. من دون المتابعة المناسبة، غالبًا ما ينتهي الأمر بهؤلاء الأطفال مجددا في غرفة الطوارئ.
بالنسبة للدراسة المنشورة في مجلة طب الأطفال الإثنين، نظرت هوفمان والمؤلفون المشاركون في سجلات أكثر من 28 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عامًا، كانوا مسجلين في برنامج Medicaid، وكانوا قصدوا قسم الطوارئ مرة واحدة في الحد الأدنى بين يناير/ كانون الثاني 2018 ويونيو/ حزيران 2019. ووجدوا أنّ أقل من ثلث الأطفال استفادوا من زيارة الصحة العقلية للمرضى الخارجيين خلال سبعة أيام من خروجهم من غرفة الطوارئ. أكثر بقليل من 55٪ خضعوا للمتابعة خلال 30 يومًا.
وأظهرت الأبحاث أنّ المتابعة مع مقدم رعاية الصحة العقلية تقلل من خطر إقدام الشخص على الانتحار، وتزيد من فرص تناول الأدوية الموصوفة، وتقلل من فرص توجههم المتكرر إلى غرفة الطوارئ.
كما توصلت الدراسة الجديدة إلى أنه من دون متابعة، كان على أكثر من ربع الأطفال العودة إلى غرفة الطوارئ للحصول على رعاية صحية نفسية إضافية خلال ستة أشهر من زيارتهم الأولية.
ولفتت هوفمان إلى أن "قسم الطوارئ هو بمثابة شبكة أمان. إنه مفتوح دومًا، لكن هناك مدى محدود لأنواع خدمات الصحة العقلية التي يمكننا تقديمها في هذا المكان". وتابعت "هذا يشي بحقيقة عدم كفاية الوصول إلى الخدمات التي يحتاجها هؤلاء الأطفال". وأضافت إن هذه الديناميكية قد تكون "مدمرة" للأهل وموظفي قسم الطوارئ على حد سواء.
ويمثل النقص في المساعدة المهنية مشكلة لكثير من الأطفال. فقبل جائحة "كوفيد-19"، وجدت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، أنّ طفلًا واحدًا من كل خمسة أطفال يعاني من اضطراب في الصحة العقلية، لكن حوالي 20٪ فقط تلقوا الرعاية من مقدم خدمات الصحة العقلية.
وتشكّل الصحة العقلية للأطفال مصدر قلق في الولايات المتحدة، حدّ أنّ الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، والأكاديمية الأمريكية للطب النفسي للأطفال والمراهقين، ورابطة مستشفيات الأطفال، أعلنت حالة طوارئ وطنية عام 2021.
ووجدت دراسة هوفمان أن أداء الأطفال السود أسوأ من أقرانهم. كان احتمال حصولهم على متابعة في الوقت المناسب أقل بنسبة 10٪ من الأطفال البيض، "وهو أمر مقلق للغاية، نظرًا لوجود العديد من الفوارق للحصول على الرعاية ضمن نظام الصحة العقلية لدينا".
ولم تتمكن الدراسة من تحديد سبب وجود هذا التفاوت العرقي، لكن هوفمان تعتقد أنه قد يكون هناك بعض العوامل المؤثرة.
ويرجح أن يعيش الأطفال السود في الأحياء التي تعاني من نقص في العاملين في مجال الصحة العقلية. هناك أيضًا تنوع محدود بين القوى العاملة في مجال الصحة النفسية.
وتشير الدراسات إلى أنّ نحو 84٪ من علماء النفس هم من البيض، وكذلك قرابة 65٪ من المستشارين، وأكثر من 60٪ من الاختصاصيين الاجتماعيين. وتظهر الدراسات أن الأطفال السود يعتمدون في كثير من الأحيان على خدمات الصحة العقلية المدرسية.
ورغم أنّ عدد مستشاري المدارس قد تزايد على مرّ السنين، إلا أنّ عددًا قليلاً من المدارس تلبّي النسبة التي أوصت بها الرابطة الوطنيّة لعلماء النفس المدرسيين التي تضمّ اختصاصيًا نفسيًا واحدًا في المدرسة لكل 500 طالب.
وجدت الدراسة الجديدة أن الأطفال الذين لم يحصلوا على مساعدة في مجال الصحة العقلية قبل زياراتهم للطوارئ يواجهون صعوبة أكبر لتلقي الرعاية في الوقت المناسب بعد ذلك.
وقالت الدكتورة توني غروس، رئيسة قسم الطوارئ في مستشفى الأطفال في نيو أورلينز، غير المشاركة في الدراسة، إنها لم تتفاجأ بنتائج الدراسة، و"إنني أدرك جيدًا حقيقة أننا بحاجة إلى المزيد من مقدمي هذه الخدمات.
ورأت أن الافتقار إلى مقدمي الخدمة الذين يمكنهم إجراء المتابعة يمثل مصدر قلق حقيقي.
وإسوة بالعديد من مستشفيات الأطفال، لديها شراكة نشطة مع برامج الصحة المدرسية المحلية التي يمكن أن توفر بعض رعاية الصحة العقلية.
وقالت هوفمان إن مقدار الدعم يختلف باختلاف قسم الطوارئ.
وتأمل هوفمان بأن تحفز دراستها صانعي السياسات على زيادة الاستثمار حتى يتمكن الأطفال من الحصول على الرعاية بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه.
وأشار تعليق مرافق للدراسة كتبه المؤلفون إلى أنّ "هذا التحليل الجديد يضيف إلى الأدلة الدامغة على أن هناك حاجة ملحة لتغيير جذري في نظام رعاية الصحة العقلية للأطفال لدينا".