كيف تحمي صحتك النفسية في خضم متابعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع استمرار تطور الوضع في إسرائيل وغزة، يتعرض العديد من الأشخاص البعيدين عن الصراع لعدد لا يحصى من المشاهد، والصور، والقصص عبر التقارير الإخبارية التلفزيونية، وبالطبع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وهذا يؤثر سلبًا علينا جميعًا، بما في ذلك أطفالنا.
لذاك، أصدرت جمعية علم النفس الأمريكية بيانًا هذا الأسبوع تحذّر فيه من أن متابعة الأخبار العنيفة والمؤلمة قد يؤثر في حد ذاته سلبًا على صحتنا النفسية.
وجاء في البيان: "يخبرنا علم النفس أن مشاعر الخوف، والقلق، والإجهاد، الناتجة عن الصدمات لها آثار طويلة المدى على الصحة والرفاهية. وهذه التأثيرات يشعر بها الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين لديهم عائلات وأصدقاء في المنطقة، وكذلك أولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء آثار الحرب في كل مكان".
إذا، كيف نبقى على اطلاع مع حماية صحتنا النفسية وصحة أطفالنا؟
هذه قضية ظهرت مرارًا وتكرارًا في سياق قائمة طويلة من الأحداث مثل حوادث إطلاق النار، وأزمة تغير المناخ، والكوارث الطبيعية مثل الأعاصير، وحرائق الغابات، وجائحة "كوفيد-19".
وتواصل كبير المراسلين الطبيين لشبكة CNN، الدكتور سانجاي غوبتا، مع الدكتورة جيل سالتز، وهي أستاذة مشاركة في الطب النفسي لدى مستشفى "نيويورك-بريسبيتيريان" الجامعي وكلية طب "وايل كورنيل" للحصول على المشورة بشأن كيفية التعامل مع هذه القضية.
وأوضحت سالتز أن الصور على وجه الخصوص تمثل مشكلة، إذ أنها تعطي الانطباع بأن الخطر قريب.
وقالت إن "الصور المرئية تميل إلى الثبات في ذهنك مثل الفيلم".
وتابعت: "هنا تكمن المشكلة التي يواجهها الناس الآن، يرون صور مروّعة تتجاوز التجربة الإنسانية المعتادة، فتسيطر على أذهانهم لدرجة أنهم لا يستطيعون التركيز في العمل، ولا حتى النوم في الليل".
وأضافت: "هذا يسبب إثارة عامة في الدماغ، ومن ثم في الجسم".
وشرحت سالتز أنه كاستجابة فسيولوجية لتلك الصور والقصص، يبدأ الجهاز العصبي الودي في العمل، ما يؤدي إلى حالة من التوتر والقلق.
وأكدّت أنه إذا بقيت قلقًا لفترة طويلة، فإنك تبدأ في الشعور بالحزن، ما قد يؤدي إلى حالة من الاكتئاب في نهاية المطاف.
ومن السهل جدًا أن تبقى قلقًا لفترة طويلة وسط مشهد التقنيات الحديثة التي تجعل هذه الصور المروعة متاحة باستمرار.
وتابعت: "أعتقد أنه أمر مضر حقًا، خاصة على الأطفال".
وأشارت سالتز إلى أن بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم لتطوير رد فعل إجهاد حاد أو حتى اضطراب ما بعد الصدمة مع التدفق المستمر للصور والقصص.
وأوضحت أن "الأشخاص على مقربة من الأحداث الفعلية، الذين لديهم عائلة أو أصدقاء هناك يتعرضون للإجهاد بطريقة مباشرة، خاصة إذا كان لديهم مشكلة سابقة تتعلق بالصحة النفسية، مثل اضطراب القلق أو اضطراب المزاج، وكذلك الأشخاص الذين عانوا من [أي نوع] من الصدمات في ماضيهم".
فيما يلي بعض النصائح للعناية بصحتك النفسية وصحة عائلتك:
قنن تعرّض عائلتك للأخبار
قالت سالتز: "يجب الحد من تناولك للأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي"، موضحة أنها تحث على عدم تصفح منصات التواصل الاجتماعي، حيث لا يوجد تحذير فيما يتعلق بالمحتوى الحساس.
وتوصي سالتز باقتصار مصادر الأخبار على مصدر أو اثنين من وسائل الإعلام الموثوقة، إضافة إلى تحديد الوقت الذي تقضيه في متابعة الأخبار لما يصل إلى 30 دقيقة يوميًا، وألا تكون هذه المدة المحددة قريبة من موعد النوم، إذ يمكن أن تؤثر على جودة النوم، ما يؤدي إلى حالة من القلق في اليوم التالي.
قم بشرح ما يحدث لطفلك
أكدت سالتز أنه من المهم أيضًا أن تشرح لأطفالك ما يحدث بطريقة مناسبة لأعمارهم.
وقالت: "تحدث إلى أطفالك، وأجب على أسئلتهم، لأن تركهم لمخيلتهم قد يكون أسوأ وأكثر رعبا"، مضيفة: "ليس عليك أن تشرح بدقة، ولكن يجب أن تكون صادقًا إلى حد معقول معهم".
وأوضحت سالتز أنه من المهم أن يبدأ والدي الأطفال مثل تلك المحادثات حتى يصبحوا "المصدر الموثوق به من قبل أبنائهم".
وأكدت سالتز أنه من الضروري مساعدة أطفالك على تعلم كيفية التعرف إلى المصادر الموثوقة، لافتة إلى أنه "يجب مساعدة الأطفال على فهم أن مجرد قول شخص ما لأمر ما لا يعني أنه صحيح"، مشيرة إلى أن هذا الاقتراح ينطبق على الأخبار، والنصائح الطبية، وغيرها من المعلومات.
تفقّد مشاعرك ومشاعر أطفالك
نصحت سالتز بتفقد الأعراض التي قد تكون لدينا حتى نتمكن من معالجتها.
وأشارت إلى أن جميع التشخيصات النفسية هي في الواقع امتداد لمشاعر طبيعية محتملة ارتفعت إلى مستوى التسبب في الخلل الوظيفي.
وقالت: "الجميع يشعر بالقلق في بعض الأحيان"، وأوضحت أنه "عندما تكون الأمور صعبة ومرهقة، كما هو الحال الآن، فإنهم يصبحون أكثر قلقا، وهذا أمر طبيعي".
وتابعت: "عندما تشعر بالقلق الشديد لدرجة أنك غير قادر على التركيز.. فإن أدائك في العمل يتأثر، ولا يمكنك النوم ليلاً، وستتأثر شهيتك".
وأضافت" عندما يؤثر مستوى القلق على أدائك في واحد أو أكثر من المجالات المهمة في حياتك – العمل، الدراسة، العلاقات – فإن ذلك يعني ارتفاع القلق إلى مستوى يحتاج الاهتمام، أو حتى إلى علاج"
ولفتت سالتز إلى أن الأعراض قد تكون مختلفة عند الأطفال، قائلة: "عند الأطفال، قد تبدو اضطرابات القلق والمزاج مختلفة تمامًا. يمكن أن يعاني الأطفال من الاكتئاب، ولا يبدو عليهم الاكتئاب طوال الوقت، قد يعانون من نوبات البكاء، والانزعاج، أو الانفعال الشديد، والتعبير عن الحزن، ولكن بعد ذلك قد يكون لديهم أوقات أخرى يشعرون بها في السعادة، ولهذا السبب غالبًا ما يتم تجاهل الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين".
وأشارت سالتز إلى أن الأطفال هم أكثر عرضة لـ "تجسيد" ضائقتهم النفسية. وعلى سبيل المثال، قد يظهر القلق على شكل ألم في المعدة أو صداع.
قم بإعداد وسائل للتغلب على التوتر
عندما يشعل التوتر والخوف اللوزة الدماغية لدينا، وهي الجزء من الدماغ الذي يتحكم في استجابتنا العاطفية، فإننا لسنا في حالة "العقل الحكيم".
وشرحت سالتز أنه يمكننا أن نتمتع بالحكمة "من خلال القيام أنشطة فسيولوجية لتهدئة نظامنا العصبي. مثل إضافة خمس دقائق من التنفس العميق والسريع في الصباح والمساء، أو استرخاء العضلات التدريجي".
وهناك نشاط آخر ثبت أنه يقلل من التوتر وهو المشي، ويفضل أن يكون ذلك في الطبيعة.
وأضافت أن "هناك العديد من الأنشطة التي يمكن أن تقلل من القلق الفسيولوجي، حتى تتمكن من اتخاذ خيارات أفضل لصحة نفسية أفضل لك ولعائلتك".
عش الجانب الإيجابي في الحياة
نصحت سالتز بخوض الأنشطة التي تجعلك تشعر بالتحسن.
وقالت: "قد يكون ذلك من خلال مشاهدة محتوى إيجابي لمواجهة بعض السلبيات، أو القيام بأنشطة تشعرك أنها تساعد الموقف بطريقة ما".
ثق بأنك لست وحدك
قالت سالتز: "اعلم أن لديك الكثير من الصحبة.. تواصل مع العائلة، أو الأصدقاء، أو المجتمع الذي يشاركك التفكير ذاته، أو إذا كنت تشعر أنك بحاجة إلى مساعدة إضافية، فتواصل مع مختصي الصحة النفسية".
وتابعت: "أعتقد أن الجميع يشعر بالتوتر الشديد في الوقت الحالي، حاول الابتعاد عن الأشخاص الذين يرون الجانب الأكثر سوادًا من الوضع، إذ من المحتمل أن يؤدي تضمينهم في هذه المحادثات إلى إثارة مشاعرك".