داخل العالم الغريب و"القذر" لمعارض الأسلحة العالمية

نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تشمل معارض الأسلحة جميع الأشياء المتعلقة بالحروب، لكنها لا تُشبه ساحة معركة على الإطلاق.

وفي بيان صحفي عن كتاب جديد له بعنوان "ليس أمرًا شخصيًا: المكتب الخلفي للحرب" (Nothing Personal: The Back Office of War)، قال المصور الروسي نيكيتا تيريوشين، إنّها عبارة عن "ملعب كبير للبالغين يتوفّر فيه النبيذ، والمقبلات التي تؤكل باليد، والأسلحة البراقة".

وأشار تيريوشين إلى أنّ الجثث عبارة عن مجرّد تماثيل عرض أو صور على الشاشة، بينما توَصَّل الأسلحة الرشاشة وقاذفات الصواريخ بشاشات مسطحة لإطلاق النار على الأهداف في محاكاة تشبه ألعاب الحاسوب، وتُنظَّم معارك وهمية في بيئات صناعية للضيوف رفيعي المستوى، ورؤساء الدول، والوزراء، والجنرالات، وتجّار الأسلحة.

محتوى إعلاني
صورة التُقِطت بعد عرض المركبة المدرعة الفنلندية "Patria 6x6" في معرض "EUROSATORY" بعام 2018 في العاصمة الفرنسية، باريس. Credit: Nikita Teryoshin

وفي مكالمة عبر الفيديو مع CNN، قال تيريوشين مستذكرًا المرة الأولى التي حضر فيها معرضًا لتجارة الأسلحة، حيث يتم عرض وبيع المعدات العسكرية، والأمنية، وتلك المتعلقة بالمراقبة: "أذهلني الأمر".

وأفاد المصور الروسي أنّه اعتاد على رؤية مشاهد الحرب عبر وسائل الإعلام، والتي شملت صورًا لبلدات مدمرة، ووجوه ملطخة بالدماء لأشخاص عالقين وسط الصراع، لكنه فوجِئ بالفجوة بين تلك المشاهد والمعاملات التجارية التي تقف وراءها.

وأوضح تيريوشين الذي يبلغ من العمر 37 عامًا، والذي قضى ما يقرب من عقد من الزمن في توثيق ما يجري خلف كواليس هذه الصناعة أنه "في غالبية الأوقات، كنت أرى الأشخاص.. وهم يشربون الجعة، والنبيذ، والفودكا بجوار المدافع الرشاشة، وينخرطون بالفعل في حفلة شرب الكحول بإفراط".

وشَهِد تيريوشين بيع الأسلحة واختبارها في معارض حول العالم في بلدان منها بولندا، وبيلاروسيا، وفرنسا، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، والصين، وبيرو، وروسيا، وفيتنام، والولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب إفريقيا. 

نموذج لمدفع بحري سويدي من طراز "Bofors" خلف مائدة "بوفيه" في معرض "MSPO" ببولندا في عام 2016.Credit: Nikita Teryoshin

ويرسم كتابه، الذي صدر في وقتٍ سابق من هذا العام، صورة لقطاعٍ عبثي يديره على ما يبدو تجار  أسلحة مهملين.

وقال المصور الروسي: "أعتقد أنّ هذا يخبرنا أشياءً عن تفاهة الشر، وكيف أنّنا نبيع الأسلحة وكأنها مكانس كهربائية"، مضيفًا: "من ناحية، حاولوا جعله يبدو مثاليًا من خلال هذه (المساحة الشبيهة بمعرض) من أجل الحدث، ومن ناحية أخرى، عندما تنظر.. وترى كل التفاصيل.. إنّه قذر نوعًا ما".

والتقط تيريوشين هذه المشاهد بأسلوب مميز باستخدام الوميض لإنشاء صور عالية التباين، كما انّه التقط بعضًا منها من زوايا غريبة لجعل المشاهدين يشعرون بعدم الارتياح.

لا دماء ولا جثث

زوّار معرض "SITDEF" في بيرو أمام نموذج لدبابة قتالية في عام 2019. Credit: Nikita Teryoshin

يعتقد المصور أنّ مندوبي المبيعات في معارض الأسلحة ينأون بأنفسهم عن الضرر الذي تسببه هذه الأسلحة، إذ قال: "ليست هناك صلة بالموت والحرب. لا ترى الدماء ولا الجثث أبدًا".

وأوضح أنّ الشيء الوحيد الذي رأى أنّه يُظهر التأثير على البشر هو دمية عرض مبتورة الأطراف (تُدعى ماجد)، استُخدِمت لمحاكاة سيناريوهات الرعاية الطبية في ظل أحداث كارثية.

وبدا أنّ شركات الأسلحة روّجت نفسها لتبدو كالأبطال، وفقًا لما ذكره تيروشين، الذي وثق الشعارات التي صادفها في مواقع المعارض.

استقبال الحضور في معرض "MSPO" لعام 2016، وهو أكبر معرض للأسلحة في أوروبا الشرقية. Credit: Nikita Teryoshin

واستخدمت "مجموعة كلاشينكوف" (Kalashnikov Group) شعار "70 عامًا من الدفاع عن السلام".

وتُعد بنادقها من طراز "AK-47" من بين أرخص البنادق في السوق، ويُعتقد أنّها قتلت أكبر عدد من الأشخاص على مستوى العالم، مقارنةً بأي سلاح ناري آخر.

وذكرت المواد التسويقية لشركة "لوكهيد مارتن"، إحدى أكبر الشركات المصنعة للأسلحة في العالم في شعاراتها: "نحن نعمل على هندسة غدٍ أفضل".

وفي البداية، التقط المصور الروسي صورًا تُظهر وجوه المشترين والبائعين، ولكنه اختار لاحقًا إخفاء الوجوه. 

وشرح تيريوشين قائلًا: "كنت أفكر فحسب أنّ الأمر لا يتعلق بأشخاص معينين، بل يتعلق أكثر بالنظام الذي يقف خلفه، وهذه هي المشكلة"، ومن ثم أضاف: "غالبية الأشخاص سيقولون لك: نعم، علينا أن نعمل هنا لأنّنا نحتاج لإطعام عائلاتنا".

كما ذكر أنّ إخفاء هوية الاشخاص شكّل أيضًا كناية عن صناعة "مريبة نوعًا ما" و"لا تهدف إلى الكثير من الدعاية".

يجلس أحد زوار معرض "آيدكس" لعام 2019 في إمارة أبوظبي على متن عبارة أثناء مشاهدة المقاتلات النفاثة، والطائرات المروحية، وطائرات الشحن وهي تحلق على ارتفاع منخفض. Credit: Nikita Teryoshin

وفي إحدى الصفحات الأخيرة من الكتاب، كتبت رئيسة قسم السياسات والمناصرة في جمعية السلام والتحكيم السويدية، ليندا أكرستروم، خاتمة شرحت فيها وبالتفصيل تجربتها في معرض "آيدكس" (IDEX)، وهو أكبر معرض للأسلحة في الشرق الأوسط، والنمو الذي حققته هذه الصناعة.

وبلغ الإنفاق العسكري العالمي رقمًا قياسيًا وصل إلى 2.2 تريليون دولار، مع تجاوز الإنفاق في أوروبا الوسطى والغربية مستويات "نهاية الحرب الباردة"، بحسب ما كتبته.

وأشارت أكرستروم إلى أنّ الولايات المتحدة وروسيا لديهما مسؤولية عن "أكثر من نصف صادرات العالم من الأسلحة التقليدية الرئيسية في الفترة بين 2018 و2022"، موضحة أن الدول التي استوردت الأسلحة بشكلٍ أكبر شملت الهند، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وأستراليا، والصين.

وذكرت أكرستروم أنّه رُغم دخول معاهدة تجارة الأسلحة حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، إلا أنّ العديد من كبار المصدرين والمستوردين في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا، والهند، والمملكة العربية السعودية، لم تُصادق عليها بعد.

كما أكّدت أنّ "التجارة الدولية للأسلحة لا تزال أقل تنظيماً من تجارة الموز".

نشر
محتوى إعلاني