تيم ليستر لـCNN: النمر لم يكن ضمن "نخبة" رجال الدين الشيعة بالسعودية والطائفة منقسمة حوله.. لكن نفوذه بعد إعدامه بات أكبر
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- لم يكن الشيخ نمر باقر النمر ضمن قائمة "النخبة" من رجال الدين الشيعة في السعودية، ولكن إعدامه أشعل أزمة إقليمية، وأثار انتقادات وإدانات من العراق وإيران وحتى من مسؤولين في الأمم المتحدة، وتسبب أيضا في اندلاع العنف ضد المنشآت الدبلوماسية السعودية في إيران، والانقطاع المفاجئ في العلاقات بين المملكة والجمهورية الإسلامية.
ويُعتبر إعدام النمر أيضا رمزا للنهج السعودي "المتشدد" الجديد نسبيا في التعامل مع المعارضة داخل المملكة، ونفوذ إيران في المنطقة، ويعتقد عدة محللين أنه سيُعمق الانقسام الخطير بين السنة والشيعة في المنطقة.
وقضى رجل الدين المتشدد، الذي كان يبلغ من العمر 56 عاما، عقدا من الزمان يدرس الدين في إيران واعتقله السلطات السعودية عدة مرات. وكان يدعو غالبا إلى انفصال المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، حيث يعيش غالبية الشيعة في المملكة، واصفا السنة الذين يعيشون هناك بالأجانب.
وقال في خطبة له عام 2009: "كرامتنا أغلى من وحدة هذه الأرض." وقال دبلوماسي أمريكي التقى به العام الماضي إن النمر أصر على أن الشيعة السعودية "يستحقون المساعدة من قوة أجنبية في حال تورطهم في صراع،" ومن الواضح أنه كان يقصد بالقوة الخارجية دولة إيران. ويشكل الشيعة مليونين من أصل 18 مليون سعودي، ولطالما اشتكوا من التمييز على عدة مستويات.
ودعا النمر أيضا إلى سقوط العائلة المالكة في السعودية، رغم أنه حث أتباعه على عدم "الرد على الرصاص بالرصاص" واستخدام المظاهرات والعصيان المدني عوضا عن ذلك.
وتوقع المسؤولون في برقية دبلوماسية للولايات المتحدة بعام 2008 أنه "سيواصل الدعوة بقوة من أجل إجراء تغييرات وخلق الاضطرابات.. التي تتماشى مع رؤيته من عدم الاستقرار باعتباره المحفز الوحيد للتغيير الحقيقي" في المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، وصفت العديد من البرقيات الأمريكية بين عامي 2008 و2012 الصادرة عن موقع "ويكيليكس" الذي نشر آلاف الوثائق الأمريكية المسربة، تأثير النمر بين شيعة السعودية بأنه محدود المدى.
قد يهمك.. ويكيليكس ينشر أسرار الخارجية السعودية 70000 الدفعة الأولى من أصل 500000 وثيقة وبرقية مسربة
وقال أيمن دين، المحلل السعودي الذي يدير الآن شركة استشارية سياسية مقرها في دبي، إن النمر لم يكن أبدا من "صفوة" رجال الدين الشيعة. وكان يخطب بالعامية بدلا من اللغة العربية الفصحى وكانت أغلبية قاعدة دعمه من الشباب الذي يعاني حالة عزلة في العوامية، وهي قرية في المنطقة الشرقية تحيط بها مزارع النخيل ومعرفة بوجود نشاط عنيف فيها. وقد وصفتها برقية دبلوماسية أمريكية في 2008 بأنها "أكثر القرى ميلا للعنف في منطقة القطيف."
وأبقت عدة شخصيات شيعية كبيرة في السعودية - مثل الشيخ حسن الصفار - نفسها على مسافة من المنشق النمر، لكنه حصل على تأييد من الفصائل الشيعية المسلحة في العراق وبعض رجال الدين في إيران، والذي كان بالتأكيد مصدر قلق للسلطات السعودية.
وبعد عدة اعتقالات سابقة، اعتقل النمر للمرة الأخيرة في يوليو/ تموز 2012 في ظروف اختلفت الآراء حولها. إذ قالت السلطات السعودية إنه قاوم الاعتقال مع المجموعة المرافقة له و"بدأوا إطلاق النار على واحدة من الدوريات الأمنية أثناء محاولتهم الفرار." وردت الشرطة بإطلاق النار وأصابت النمر في فخذه. في حين شككت عائلته في الرواية الرسمية للأحداث، وتوفي شخصان في الاحتجاجات اللاحقة.
وفي ذلك الوقت، كان مطلوبا على خلفية تهم إثارة الفتنة، وكان قد اتُهم في وقت لاحق بالتحريض على الفتنة الطائفية والجرائم الإرهابية و"إهانة قادة دول الخليج". وبعد المحاكمة التي انتقدتها جماعات حقوق الإنسان، طالب المدعي العام بعقوبة الإعدام وأقرت بذلك المحكمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
ورغم ذلك، قال توبي ماتثينسن، وهو باحث بارز في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد البريطانية، إنه فوجئ بتنفيذ السعوديين الحكم. وأخبر شبكة CNN: "افترضت أنهم سيُبقونه في الحجز مع غيره من السجناء السياسيين الشيعة ليستخدموه كورقة مساومة" في ضوء "الضغوطات من عدة جهات ودول إقليمية ودولية لإطلاق سراحه أو العفو عنه."
ويرى ماتثينسن أن التوقيت غريب، إذ "توقفت حركة احتجاج (الشيعة) في المنطقة الشرقية،" ولم يكن هناك داع لجعل النمر عبرة لمن يعتبر.
ومع ذلك، قال أيمن دين، إن إعدام النمر كان "أقل خيارات الحكومة السعودية سوءً، وإذا حكمت عليه بالسجن، لأصبح بطلا لأتباعه الشيعة لأن السعوديين كانوا سيظهرون كأنهم خائفون من إيران والشيعة، والذي كان من شأنه أن يثير غضب السعوديين السنة."
وأضاف المحلل أن حكم الإعدام وضع الحكومة السعودية في مأزق.
ويوافق ماتثينسن بأن إعدام النمر يُحتمل كونه "وسيلة لحشد الدعم بين السنة، وخاصة بين شريحة واسعة من السعوديين المتعاطفين مع داعش أو مع سياسة معادية للشيعة والمعادية لإيران."
ولذلك أضافت السلطات "بعض الشيعة ضمن المتشددين السنة ممن نُفذ بحقهم حكم الإعدام، كأنها ترسل رسالة ضمنية توحي بالعدل في إعدام السنة والشيعة،" حسبما قال ماتثينسن.
والسؤال الآن يدور حول ما إذا كان إعدام النمر سيُشعل التوترات الطائفية القائمة. وفي مساء الأحد، قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ويعتقد ماتثينسن أن نفوذ الشيخ بعد وفاته قد يكون أكبر بكثير مما كان عليه عندما كان على قيد الحياة.
وتابع ماتثينسن: "لقد أصبح النمر اسما مألوفا في أوساط المسلمين الشيعة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في العراق، حيث ستستخدمه الجهات الفاعلة الشيعة كوسيلة لحشد التأييد لها والتنديد بالمملكة العربية السعودية"، مضيفا أن إعدامه "سوف يُعّقد نطاقا واسعا من القضايا، من الأزمة السورية إلى اليمن."
إذ حذر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بالفعل أن " الانتقام الإلهي سيطال حكام السعودية."
ويُذكر أن المملكة وإيران تدعمان أحزاب وجماعات متعارضة في سوريا والعراق، وتقفان على طرفي نقيض في الصراع المدمر باليمن، حيث شنت القوات السعودية الحملة العسكرية في اليمن مارس/ آذار ضد الحوثيين، الأقلية الشيعية التي تسيطر على جزء كبير من البلاد. إذ قال السعوديون ودول سنية أخرى إن إيران تمد الحوثيين بالسلاح والتمويل المادي، في حين نفت طهران ذلك.
وفي نفس اليوم الذي أعدم فيه النمر، أعلنت المملكة وقفا لإطلاق النار الذي كان ساري المفعول (رغم انتهاكه) في اليمن منذ الـ15 من ديسمبر/ كانون الأول. وزعم البيان السعودي أن قوات الحوثيين وحلفائهم أطلقوا صواريخ "باليستية" على السعودية، استهدفت الحدود خلال الهدنة.
ويرى دين أن هناك أيضا آثارا إقليمية قاتمة، لأسباب ليس أقلها عزم الملك سلمان، وابنه محمد وزير الدفاع ووزير الداخلية محمد بن نايف، على قلب ما يعتبرونه عقداً من المكاسب التي حازت عليها إيران في المنطقة. وفي يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، عندما أصبح سلمان ملك السعودية، توقع دين أن "المملكة من المرجح أن تتخذ موقفا أكثر حزما وأكثر عدوانية نحو إيران وأتباعها في المنطقة."
ويترقب المحللون رد الفعل الشيعي في المنطقة الشرقية. وحاليا، زادت الدعوات لضبط النفس عوضا عن الاحتجاج، بما في ذلك من شقيق النمر. وبالإضافة إلى ذلك، يقول ماتثينسن، إن هناك "شيعة أصغر سنا من النمر بـ20 عاما ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في السعودية، وأفترض أن قادة الشيعة يفضلون الافراج عنهم على خيار بدء حملة احتجاج واسعة النطاق الآن،" وضمن هؤلاء ابن شقيق النمر.
انفوجرافيك: جدل بين إيران والسعودية بعد إعدام النمر.. لكن من تفوق بعمليات الإعدام خلال 2015؟
ويقول دين إن مصادره الشيعية داخل المملكة أعربت عن قلق أغلبية المجتمع من الاحتجاج، تخوفا من تفاعل السلطات بسرعة وبقوة، والذي من شأنه إراقة الدماء.
ولكن أتباع النمر من المتشددين الشباب، لا يرون أي سبب لضبط النفس، حسبما يرى ماتثينسن. إذ قال: "عموما، فوجئت بما حدث، وأعتقد أن هذا الأمر سيكون سيئا جدا بالنسبة للعلاقات الطائفية في السعودية."
- أمريكا
- إيران
- السعودية
- العراق
- اليمن
- أحكام الإعدام بالسعودية
- الأمير محمد بن سلمان
- الأمير محمد بن نايف
- الحكومة السعودية
- الحوثيون
- السنة
- الشرطة السعودية
- الشيعة
- الطائف
- العنف الطائفي
- القضاء السعودي
- الملك سلمان بن عبدالعزيز
- دبي
- علي خامنئي
- نمر النمر
- ويكيليكس