هذا المقال بقلم سمير أمين، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
يتوقف مغزى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حديثاً (ومنها بالأساس إلغاء دعم المحروقات الذي أركز عليه تعليقي) وما يترتب عليه في مجال إنماء الانتاج وظروف معيشة الجماهير، على إطار السياسة الاقتصادية العامة التي تتم فيها هذه الإجراءات فيمكن أن تكون الإجراءات أداة في خدمة مواصلة تحكم الليبرالية الفجة الموروثة من النظم السابقة (وهو ما يسعي إليه البنك الدولي) كما يمكنها أن تصبح خطوة في سبيل إصلاح حقيقي يسعى إلى دفع فعالية المنظومة الإنتاجية مع مراعاة العدالة الإجتماعية وتدعيم الإستقلال الوطني. بيد أن هذا الخيار الأخير يقتضي إجراءات مكملة سأتناول تحديدها.
١-قام السادات بتفكيك المشروع الناصري الوطني التنموي. وفي هذا الإطار تم بيع ممتلكات الدولة لصالح "رجال أعمال" قريبين من السلطة (كبار الضباط والموظفين، تجار أغنياء منحازون للإخوان بعد عودتهم من المنفي الخليجي). والصفقات تمت بأسعار تافهة لا علاقة لها بالقيمة الحقيقية للأصول المعنية. هكذا تكونت طبقة جديدة من الأغنياء الذين تشكلت ثرواتهم دون إضافة تذكر لقدرة الاقتصاد الإنتاجية.
ثم تم تدعيم المواقع الاحتكارية لرأسمالية المحاسيب هذه، من خلال دعم موازنة الدولة بأشكال مختلفة، ومنها دعم المحروقات، علما بأن حرية الأسواق طبقا لمبدأ الليبرالية أتاحت لشركات رأسمالية المحاسيب أن ترفع أسعارها حتى تكون قريبة من أسعار البديل المستورد. وبالتالي صار الدعم مصدراً لتضخيم أرباحها وتدعيم موقعها الاحتكاري.
ويلاحظ أن منطق هذا الدعم لا علاقة له بما كانت عليه وظيفة الدعم في الإطار الناصري والذي استفاد منه القطاع العام في مقابل قبوله أسعار منخفضة لصالح المستهلك.
٢-لكي يصبح إلغاء دعم المحروقات خطوة في سبيل إنعاش الإنتاج وإنجاز العدالة الاجتماعية وتدعيم الاستقلال الوطني، لابد أن يصاحب هذا الإجراء بإجراءات مكملة تسعى الى التخلي عن تحكم رأسمالية المحاسيب ومنها:
أولا: إعادة النظر في صفقات بيع موجودات الدولة وتحويل ملكيتها إلى كيان عام جديد يحدد رأسماله بقيمة الموجودات المعنية الصحيحة، وأن تكون حصة المشتري السابق تعادل ما دفعه فيكون الباقي ملكا للدولة.
ثانيا: إصلاح سياسة الائتمان والتخلص من المغالاة في تقديم قروض سهلة للاحتكارات، وإعادة توجيه القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة النشطة.
ثالثا: إصلاح النظام الضريبي وإدخال ضريبة تصاعدية على الأرباح حتى تمتص فائض أرباح القطاع الاحتكاري، وذلك لأن مبدأ حرية الأسواق (ولا أتصور التخلي عنه في الأجل المنظور) يسمح للاحتكارات تعويض الخسارة التي يسببها إلغاء الدعم المذكور من خلال رفع الأسعار. علما أيضاً بأن الضريبة على معاملات البورصة لا تمس جوهر الموضوع.
رابعا: اتخاذ مجموعة من الإجراءات تسعى الى تحسين وضع الطبقات الشعبية العاملة، فإلغاء دعم المحروقات -ولو أنه يخص بالأساس الاحتكارات-إلا أنه سيسبب أيضاً (في ظل حرية الأسواق) رفع الأسعار المترتب على ارتفاع تكاليف النقل وغيره، أي تدهور ظروف المعيشة بالنسبة للجماهير الشعبية. فلابد من رفع الحد الأدنى للأجور الى المستوى المطلوب حتى يعوض بالفعل النفقات الإضافية المتوقعة. بل يجب إدخال مبدأ السلم المتحرك حتى يضبط الحد الأدنى للأجور في المستقبل لما قد يحدث من ارتفاع في الأسعار.
سيجد القارئ مزيدا من التفسير في مغزى وإمكانية تنفيذ هذا البرنامج في كتابي (ثورة مصر بعد ٣٠ يونيو. الفصل الاول).