عمر الشنيطي يبحث في الاقتصاد المصري .. "عن المخرج من الدائرة المفرغة"

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عمر الشنيطي
عمر الشنيطي يبحث في الاقتصاد المصري .. "عن المخرج من الدائرة المفرغة"
Credit: MOHAMED HOSSAM/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم  عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

بعيداً عن البروباغندا الإعلامية، قد تكون الفترة الأخيرة من أصعب الفترات التي مرت على مصر في تاريخها المعاصر من حيث تعقيد الوضع العام على مستوياته المختلفة. في خضم هذا المشهد، يتساءل البعض ما فائدة الحديث عن الاقتصاد؟ وما فائدة النهوض به؟ وهل بالإمكان حدوث نهوض اقتصادي في ظل هذه الأجواء؟

إن إدارة الدولة لها ثلاث محاور أساسية: محور سياسي ومحور اقتصادي ومحور اجتماعي، والنهوض بالبلد يتطلب تطوير المحاور الثلاثة. ويهدف المحور السياسي لإيجاد نظام يتيح للمواطنين اختيار من يحكمهم ويتيح للأحزاب المختلفة تبادل السلطة بشكل سلمي ويؤسس لتوازن بين مختلف السلطات. أما المحور الاقتصادي فيهدف لتحقيق معدلات نمو مرتفعة تعمل على خلق فرص عمل في ظل الحفاظ على مستويات الأسعار. بينما يهدف المحور الاجتماعي لتوزيع الدخل بشكل عادل مع وجود شبكة ضمان اجتماعي توفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطنين. وهذه المحاور الثلاثة تثير العديد من الأسئلة:

أولا: ما هي العلاقة بين هذه المحاور؟

هذه المحاور شديدة الترابط والتشابك، والتغيير في أحدها يؤثر على المحورين الآخرين. فالتوجه الاقتصادي الهادف لخفض الدعم من أجل السيطرة على عجز الموازنة والدين الحكومي له أثر اجتماعي كبير حيث أن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر بشكل كبير. ومع موجات رفع أسعار الطاقة المستقبلية سيزداد الوضع الاجتماعي سوءاً وهو ما قد يتحول لاضطرابات سياسية يصعب التكهن بنتائجها. بينما يحدث العكس إذا رفعت الحكومة الدعم والإنفاق الاجتماعي في الموازنة، فيتحسن الوضع الاجتماعي ويتم إحراز مكاسب سياسية كبيرة، لكن قد يؤدي ذلك إلى وضع اقتصادي غير مستدام مع ارتفاع عجز الموازنة والدين الحكومي مما يؤدي لاحقاً لتقشف أكثر قسوة ووضع اجتماعي حرج.

الثاني: ما هو الوضع الحالي للمحاور الثلاثة؟

النظر بشكل استراتيجي يوضح وضعاً حرجاً. فالاقتصاد يمر بفترة من الركود التضخمي يصعب التعامل معه مما قد يتطلب عدة سنوات من السياسة التقشفية وما يتبعها من عبء على الفئات الأكثر فقراً. أما الوضع السياسي فقد يكون في تراجع أكبر. ومن الجدير بالذكر، أن المستثمرين لا يأبهون للوضع السياسي كثيراً بينما محط اهتمامهم هو الوضع الأمني. ويمكن الاستدلال بالعقد الذي سبق الثورة حيث تدفقت الاستثمار الأجنبية وكانت مصر محل اهتمام المستثمرين في المنطقة على الرغم من عدم وجود رؤية سياسية واضحة وطغيان مشروع التوريث على المشهد إضافة إلى تصاعد الاحتجاجات العمالية.

لذلك فالمشكلة الحقيقية للمستثمرين هي الاضطراب الأمني، بينما يظل الوضع الاجتماعي هو الأكثر تضرراً كالمعتاد من تدهور الوضع السياسي والاقتصادي. أما الأكثر حرجاً هو التأثير السلبي لهذا العوامل على بعضها البعض. فتدهور الاقتصاد يؤدي إلى سوء الوضع الاجتماعي ويولد مخاطر سياسية وأمنية وهو ما يؤدي إلى إحجام المستثمرين وبالتالي تراجع الاقتصاد وهو ما بدوره يؤدي إلى تدهور الوضع الاجتماعي وما يستتبعه من انخفاض القوة الشرائية وبالتالي مزيد من التدهور الاقتصادي وهكذا.

الثالث: هل يمكن تطوير أحد المحاور دون الآخرين؟

قد يبدو وكأننا دخلنا "مغارة علي بابا" وأن الخروج منها مستحيلاً لكن هناك مخرج بالتأكيد. حتى يتسنى الوصول لنهضة شاملة، من الضروري وصول كل محور إلى حد مقبول من التطور لضمان الاستدامة والتفاعل الإيجابي بين المحاور المختلفة. قد لا يكون المخرج مثالياً بالعمل على تطوير المحاور الثلاثة في آن واحد، لكن العمل على تطوير أحد المحاور قد يكون له أثرا على المحاور الأخرى والصورة الكلية. ولعل العقد الأخير الذي سبق الثورة خير دليل على ذلك. فالاقتصاد استطاع تحقيق معدلات نمو مرتفعة، كان يتباهى بها الوزراء آنذاك، بينما شهد الوضع السياسي والاجتماعي تدهوراً ملحوظاً حيث ارتفعت معدلات الفقر وزاد عدم استقرار الوضع السياسي مما أدى إلى خروج الناس في ٢٥ يناير مطالبين بإسقاط النظام. ولذلك فمهما عظم حجم الإنجاز في أحد الأبعاد دون تطور الأبعاد الأخرى، فإن النظام مهما كانت قوته لن يكون مستداماً. لكن من ناحية أخرى، يستطيع أحد المحاور أن يسبق الآخرين.

الرابع: ما أثر إصلاح المحور الاقتصادي على المحاور الأخرى؟

في وقت يظهر فيه أن المجال السياسي مغلق تحت دعاوى محاربة الإرهاب، قد يكون المحور الأوقع للخروج من الدائرة المفرغة هو المحور الاقتصادي حيث أن تحسن الاقتصاد وما يلحق به من خلق فرص عمل وانخفاض في معدلات الفقر من المواضيع الأقل خلافاً في المجتمع، وإن اختلف الناس على كيفية تطبيق ذلك. هذا التحسن الاقتصادي والاجتماعي، حتى وإن كان طفيفاً وتدريجياً، قد يمثل خطوة فعالة للخروج من الدائرة المفرغة. لكن تحسن الاقتصاد وما يتطلبه من خفض في عجز الموازنة لن يأتي بدون تكلفة اجتماعية على المدى الكثير وهو ما على الحكومة أن تنتبه له بتبني إصلاحات اقتصادية تدريجية مصحوبة بتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي من تحويلات نقدية مباشرة وبرامج اجتماعية حتى يتم تقليل الأثر السلبي للإصلاحات الاقتصادية، لكن يظل الحد الأدنى من الاستقرار الأمني مطلوب لإتاحة المجال لتلك الإصلاحات والتي تستطيع إحداث تحسن اقتصادي يعقبه تحسن اجتماعي يمكن أن يخفف من تدهور الوضع العام.

الخلاصة أن مناقشة الملف الاقتصادي في حالتنا المعقدة لا تعتبر من باب الرفاهية حيث يمكن للاقتصاد أن يمثل تذكرة الخروج من غياهب التدهور المتسارع. ففي وضع كالذي تمر به مصر يبدو وكأننا دخلنا "مغارة علي بابا"، لكن بلا شكل هناك أمل في الخروج منها بالتركيز على المحور الاقتصادي، الأكثر إتاحة والأقل جدلاً، بتنبي إصلاحات اقتصادية تدريجية مصحوبة بتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي. وهذا التوجه يستطيع تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي وهو ما سينعكس بدوره على الجانب السياسي إذا توفر الحد الأدنى من الاستقرار الأمني، لكن سيظل استدامة هذا التحسن مرهونة بوجود تنمية حقيقية عبر المحاور الثلاثة.