هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
أسعار الطاقة لها أهمية كبيرة على حياة الناس اليومية حيث يؤثر التغيير في أسعار الطاقة على أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية وبالتالي القوة الشرائية للناس ومستوى معيشتهم.
وظلت الحكومة المصرية لعقود تدعم الطاقة بالإضافة للعديد من السلع الغذائية ضمن برنامج اجتماعي يهدف لمساعدة المواطنين على مواجهة الفقر وارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من العديد من الدراسات التي تنتقد سياسة الدعم وطريقة تطبيقها وتسرب جزء كبير من الدعم لغير مستحقيه، إلا أن الحديث عن رفع الدعم ظل من المحرمات طوال الثلاثة عقود التي سبقت الثورة؛ ولعل السبب في ذلك الاضطرابات الواسعة التي شهدتها البلاد في 1977 حينما شرع الرئيس السادات في رفع الدعم عن العيش.
واستمر الحديث عن هيكلة الدعم بعد الثورة من قبل الحكومات المتعاقبة، حيث تخطى دعم الطاقة 100 مليار جنيه سنوياً مع ذهاب أغلبه لدعم السولار والبوتاجاز والبنزين. لكن لم يتم اتخاذ قرارات بشأن ذلك، نتيجة ارتفاع التكلفة السياسية والاجتماعية لمثل هذه الإجراءات خاصة في ظل الوضع المضطرب الذي شهدته البلاد بعد الثورة. لكن هذا الوضع تغير في مطلع الصيف الماضي حيث أقدمت الحكومة في خطوة جريئة على رفع أسعار الطاقة.
لكن لماذا أقدمت هذه الحكومة على ذلك ولم تتردد مثل الحكومات السابقة؟
ببساطة لأن الوضع الاقتصادي أصبح لا يفسح مجالاً للتردد. فعلى الرغم من المساعدات الخليجية السخية لمصر بعد 30 يونيو والتي بلغت 117 مليار جنيه، إلا أن عجز الموازنة وصل إلى 253 مليار جنيه في 2013/2014 وأصبح على الحكومة خفض عجز الموازنة لتجنب الدخول في دائرة مفرغة من ارتفاع العجز والدين الحكومي. ولذلك شرعت الحكومة بتبني برنامج لخفض دعم الطاقة تدريجياً خلال أربع سنوات.
واستهدفت الحكومة إجمالي عجز 10٪ من الناتج المحلي في موازنة 2014/2015 وهو ما تطلب تخفيض دعم الطاقة من 130 إلى 100 مليار جنيه حيث تم رفع أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي بنسب كبيرة لكن متفاوتة بين منتج وآخر. وكان لذلك أثر كبير على ارتفاع معدل التضخم الشهري والذي سجل 3.3٪ في يوليو الماضي بسبب ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية. وعلى الرغم من مرور الموجة الأولى من رفع الأسعار بسلام، حتى مع حدة ارتفاع الأسعار، إلا أن الحديث كان دائماً عما سيحدث في الموجات التالية.
ومع الانخفاض الكبير لأسعار البترول يتبادر السؤال: ما أثر ذلك على دعم الطاقة؟
الانخفاض في أسعار البترول من 110 دولاراً للبرميل في مطلع 2014 لما دون 50 دولاراً الآن له أثر إيجابي على تقليل الفجوة بين سعر المنتجات البترولية في السوق وأسعارها العالمية وهو ما يخفض من بند الدعم. ويرجح بعض الخبراء أن أسعار الطاقة المنخفضة حالياً تجعل بعض المنتجات البترولية في السوق غير مدعمة من الأساس، وأن التخفيض في بند دعم الطاقة قد يصل إلى 50-70 مليار جنيه سنوياً.
لكن هل هذا هو الأثر الصافي لانخفاض أسعار الطاقة؟
النظر إلى الموازنة يوضح أن قطاع البترول يساهم بحوالي 90 مليار جنيه سواءً من الضرائب المستحقة على القطاع أو أرباح شركات القطاع. ومع انخفاض أسعار البترول، من المتوقع أن ينخفض إسهام القطاع بحوالي 30 مليار جنيه وهو ما يجعل الوفر النهائي في بند الدعم حوالي 20-40 مليار جنيه، وبالتالي هو أثر إيجابي لكن أقل مما توقعه البعض. وسيساعد انخفاض بند الدعم على تحقيق خطة الحكومة الطموحة بتخفيض عجز الموازنة والذي من المتوقع أن يسجل 11٪ في 2014/2015.
إذا كان الأثر النهائي لانخفاض أسعار البترول إيجابياً على تخفيض الدعم وعجز الموازنة فهل ستلتزم الحكومة بخطتها برفع أسعار الطاقة مرة أخرى؟
هذا الأمر شديد الجدل فانخفاض أسعار البترول، وهو ما لم يكن للحكومة تدخل فيه، قد خفض من فاتورة الدعم وجعل بعض المنتجات غير مدعمة مما يوحي بعدم الحاجة لرفع أسعار الطاقة مرة أخرى، لكن هذا التصور مرتبط ببقاء أسعار البترول على مستوياتها المنخفضة مستقبلاً وهو أمر يصعب افتراضه. فعلى الرغم من حدة وسرعة موجة الانخفاض في أسعار البترول التي حدثت مؤخراً وما زالت مستمرة إلا أن العديد من المحللين يتوقعون ارتفاع أسعار البترول لمستوى 80-90 دولاراً للبرميل على المدى المتوسط وهو ما يجعل الأثر الإيجابي لانخفاض أسعار البترول غير مستدام.
بطبيعة الحال، انخفاض أسعار البترول كان بمثابة طوق النجاة للحكومة حيث يتيح لها التدرج في رفع أسعار الطاقة كما يتيح لها علاج المشكلة في أكثر نقطة انخفاضاً لفاتورة الدعم. لكن عدم المضي قدُماً بمزيد من رفع أسعار الطاقة سيؤدي إلى تفاقم دعم الطاقة وتصاعد عجز الموازنة مرة أخرى بعد عدة سنوات حينما تعاود أسعار البترول الارتفاع. ولذلك يتوقع أن تستكمل الحكومة برنامجها الهادف لخفض دعم الطاقة بالمزيد من رفع الأسعار في الصيف القادم إلا أنه من المتوقع أن تكون الموجة الثانية أقل حدة من حيث ارتفاعات الأسعار وأن تشمل المنتجات التي مازالت مدعمة فقط وعلى رأسها السولار.
الخلاصة أن رفع أسعار الطاقة كان ضرورياً لخفض عجز الموازنة المتصاعد، وعلى الرغم من انخفاض أسعار البترول إلا أنه من المتوقع وجود موجة أخرى من رفع الأسعار في العام الحالي، لكن بدرجة أقل من الموجة الأولى. لكن تبرز العديد من الأسئلة الحرجة التي تحتاج لإجابة: ما هي الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة لرفع أسعار الطاقة على محدودي الدخل؟ هل يستطيعون تحمل الموجة الثانية؟ وما هي خطة الدولة لتوجيه الوفر لتحسين الخدمات العامة وتعويض الفقراء ومحدودي الدخل عن رفع الدعم؟ هذه الأسئلة لا تقل أهمية عن رفع الدعم ذاته وتحتاج لمناقشة جادة. فهدف الاقتصاد في النهاية ليس تحسين أرقام العجز والدين الحكومي، بل هذه المؤشرات مجرد وسائل لقياس سلامة واستدامة النظام الاقتصادي حتى يؤدي دوره الرئيسي وهو تحسين الظروف المعيشية للناس.