هذا المقال بقلم هند أحمد زكي، باحثة بالعلوم السياسية، وطالبة دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة واشنطن في سياتل بالولايات المتحدة الأمريكيةوهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
صورتان انتشرتا على مواقع التواصل الاجتماعية في أسبوع واحد وفجرتا جدلاً من نوع خاص. الصورة الأولى تظهر موظفة محجبة في منتصف العمر تعمل بإحدى الهيئات الحكومية وهي تقوم بتقشير الخضروات أثناء تأدية عملها وسط تعليقات عديدة تستهجن هذا السلوك وتنعت صاحبته بالتكاسل والاهمال باعتبارها تمثيل مجسد لكافة شرور المؤسسات البيروقراطية المصرية ودليل على انعدام المهنية والكفاءة التي تميز النساء عموماً. الصورة الثانية تظهر فيها صحفية شابة أثناء قيامها باستقصاء للرأي في إحدى شوارع العاصمة وهي تحمل طفلها على يديها. أثارت الصورة الأخيرة ردود أفعال متباينة تراوحت ما بين استنكار .البهدلة" التي تعرض لها الطفل بسبب طبيعة عمل أمه، إلى تمجيد الأم الوحيدة المكافحة التي تتحمل عبء تربية طفلها بمفردها.إن تأمل ما فجرته الصورتان من نقاش حول أدوار النساء داخل وخارج المنزل، يقودنا لعدد من المسائل المسكوت عنها والتي تكمن وراء معظم الجدل السائد حول عمل النساء بعد مرور أكثر من قرن كامل على بدء دخول النساء لسوق العمل في مصر بأعداد مطردة. إن الدور الإنجابي للنساء، أي مجموع كافة الأعمال المنزلية الرتيبة واليومية وكافة الأنشطة الخاصة برعاية للأطفال وأحياناً كبار السن أيضاً، يمثل حزمة من الأنشطة الاقتصادية الغير مرئية أو محسوسة، والغير محسوبة اقتصادياً سواء في حسابات الناتج المحلي الإجمالي للدولة، أو في حسابات المواطن العادي للدخل والمصاريف. إن تلك المعاناة الغير مرئية تمثل عبء مزدوج على النساء جميعاً نظراً لقيام النساء بتلك الأدوار ”الإنجابية”، بالإضافة إلي أدوارهن “الإنتاجية“ أي عملهن خارج المنزل بدون مساعدة من الرجال، على الأقل في الأغلبية الساحقة من الأسر المصرية. ولا يكتفي المجتمع هنا بمطالبة النساء بأداء الدورين معاً على أكمل وجه، بل يحاسب النساء حساباً عسيراً لدي حدوث أي تقاعس باعتبارها موظفة كسولة أو أم فاشلة، بدون الأخذ في الاعتبار صعوبة التوفيق بين تلك الأدوار في ظل تعقد المجتمع وغياب شبكات الأمان والمساعدة التقليدية التي كانت توفرها الأسر الممتدة للنساء. وتزداد خطورة المسألة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ثلت الأسر المصرية وفقاُ لآخر الإحصائيات، تعولها نساء يقمن بكافة تلك الأدوار بلا أي مساعدة تقريباً.
إن الحديث عن عمل النساء داخل البيت يتطلب الحديث عن عدة مسائل مسكوت عنها تتعلق بدور الدولة وعلاقات العمل والإنتاج في مصر في المجمل، وأيضاً مساهمة الرجال في تحمل قسطاً من العبء الذي تقوم به النساء بشكل يومي بلا كلل. المسألة الأولى هي مسؤولية الدولة المصرية والتي تنص المادة الحادية عشر من دستورها الحالي على ضرورة التزام الدولة بتمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وبتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد
احتياجاً. فالدولة وفقاً للدستور مسؤولة عن إلزام أصحاب العمل بتوفير دور رعاية للأطفال في أماكن العمل وكذلك توفير نظام عمل مرن يتيح للنساء أن يقمن بأدوارهن الإنجابية بدون أن يكن مطالبات بدفع ثمن ذلك سواء عن طريق الحرمان من التوظيف أو الترقي بحجة عدم تفرغهن للعمل، أو عن طريق دفع مبالغ باهظة ليست في متناول أغلب الأسر المصرية سواء لدور حضانة خاصة، أو لتوظيف عاملات منازل يقمن بدلاُ منهن بتلك المهام، أي أنهن يقمن بتوظيف نساء أخريات أفقر للقيام بتلك الأدوار بدون توفير الحد الأدنى من شروط السلامة الشخصية والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لهن.
إن الحديث عن عاملات المنازل يأخذنا للمسألة الثانية، وهي كيف يتم تقنين العبء المزدوج للنساء عبر جعل العمل المنزلي سواء كان عملاً بغير أجر أو عمل بأجر نشاط اقتصادي غير مرئي، أي جزء من الاقتصاد غير الرسمي القائم على علاقات عمل وإنتاج غير عادلة وغير إنسانية في أغلب الأحوال. المسألة الثالثة والأخيرة تتعلق بدور الرجال وضرورة مساهمتهم في تربية الأطفال وأعمال المنزل بشكل أكبر إذا ما أردنا تخفيف العبء على النساء. فالمجتمع قلما يطالب الرجال بالقيام بتلك الأدوار، بل يتعرض من يقومون بها للاستهجان باعتبارها أموراً تخص النساء فقط.
إن فتح نقاش موسع حول العبء المزدوج للنساء أمراً ضروريا تخفيف هذ العبء يتطلب بالأساس أن تنهض الدولة بمسؤوليتها في هذا المجال عبر إجبار أرباب العمل على توفير حضانات للأطفال في أماكن العمل، وتقنين العمل المنزلي بأجر بشكل يمنع استغلال النساء الأكثر فقراً، وتشجيع الرجال على مساعدة النساء في القيام بتلك الأدوار وخاصة فيما يتعلق برعاية الأطفال، ليس فقط لتخفيف العبء الكبير الذي ترزح النساء تحت كاهله بشكل يومي، ولكن من أجل خلق علاقات عمل وإنتاج أكثر عدالة ومساواة في مجتمعنا ككل.