هل تنعكس الأزمة اليونانية على الإقتصاد المصري؟

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
هل تنعكس الأزمة اليونانية على الإقتصاد المصري؟
Credit: ralph orlownski/reuters/landov

هذا المقال بقلم  عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

اتجهت أنظار العالم الأسبوع الماضي لليونان التي شهدت استفتاءً على خطة التقشف الذي يطالب بها الدائنون بعد أن غرقت اليونان في بحر من الديون وتعثرت المفاوضات بين الحكومة ومجموعة الدائنين. وكالمعتاد انقسم العالم لفريقين: الأول يؤيد وجهة نظر الدائنين بأن اليونان قد تمادت في الإنفاق في العقود الأخيرة وعليها أن تستمر في التقشف الذي بدأته منذ سنوات، بينما ترى المجموعة المعارضة لطلبات الدائنين أن اليونان قد تقشفت بما يكفى وأن المزيد من التقشف سيزيد الوضع سوءاً.

هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة، ففي مطلع الثمانينيات كان الاقتصاد اليوناني في وضع جيد من حيث حجم الديون لكن متوسط دخل الفرد كان منخفضاً مقارنة بالعديد من الدول الاوروبية مما دفع الحكومات المتعاقبة في الثمانينيات والتسعينيات إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي وهو ما جاء على حساب ارتفاع عجز الموازنة وزيادة الديون إلى أن انضمت اليونان للاتحاد الأوروبي في مطلع الألفية. وعلى الرغم من عدم  صلابة الوضع الاقتصادي لليونان في تلك الفترة إلا أن الاعتقاد الذي ساد وقتها أن الانضمام لليورو سيساعد على تعافي الاقتصاد اليوناني.

كان للانضمام لليورو فوائد واضحه، حيث انخفض سعر الفائدة على الديون اليونانية وأقبل المستثمرون على إقراضها. ودفع ذلك حكومات اليونان للمزيد من الاقتراض الرخيص دون الشروع في إجراءات اقتصادية تصحيحية. ويرجع ذلك إلى النمو الكبير الذي حققته اليونان خلال الفترة من 2001-2008 والذي كان محط إعجاب العالم حيث استشهد به القادة الأوروبيون كدليل على عبقرية فكرة اليورو كمنطقة اقتصادية وعملة موحدة وبالتالي لم يكن هناك ضغط على اليونان لمعالجة مشاكلها الهيكلية.

ثم هبت عاصفة الأزمة المالية العالمية في 2008 لتضرب الاقتصاد العالمي وتجعل العديد من الدول ذات مستويات الديون المرتفعة مثل اليونان في مهب الريح. وبدأ المستثمرون الذين كانوا يقبلون بشراهة على شراء الديون السيادية في إعادة النظر في مخاطر تلك القروض، وهو ما أدى الى زيادة  الفائدة على الديون اليونانية ودفع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد للتدخل سريعاً لمساعدة اليونان للخروج من أزمتها منعاً لانهيار باقي منطقة اليورو خاصةً الاقتصاديات الأصغر فيها.

جاء تدخل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد مشروطًاً ببرنامج تقشفي قاسي لخفض النفقات والسيطرة على العجز. وانصاعت اليونان لتلك المطالب وحققت خفضاً كبيرا في نفقاتها وهو ما كان في حقيقة الأمر محط إشادة المؤسسات الدولية. لكن هذا التقشف الصارم كان له أثراً جانبياً لم يكن ملاحظاً في البداية، حيث أدى التقشف لانكماش كبير في حجم الاقتصاد اليوناني والذي فقد ثلث حجمه في بضع سنوات وارتفعت فيه معدلات البطالة لمستويات قياسية بالنسبة لبلد أوروبي.

لكن عضوية الاتحاد الأوروبي لم تساعد اليونان هذه المرة، بل كبلتها إذ أن العملة الموحدة وضعت السياسية النقدية في يد البنك المركزي الأوروبي. ففي الظروف العادية، كان البنك المركزي اليوناني سيخفض قيمة عملته لتشجيع الصادرات والسياحة. لكن مع وجود اليورو، أصبح ذلك غير ممكن مما أضاع  على اليونان تلك فرصة. ولذلك أضحت اليونان في مأزق، فعليها التقشف مالياً بينما لا يمكنها التحكم في سياستها النقدية لمعادلة ذلك.

وبعد عدة سنوات من التقشف، طالبت مجموعة الدائنين بالمزيد من التقشف، بينما رفضت الحكومة اليسارية المنتخبة مؤخراً مطالب الدائنين معللة ذلك بأن التقشف على مدار الخمس سنوات الماضية لم ينهي المشكلة، فكيف لمزيد من التقشف أن يفعل ذلك. ومع احتدام الخلاف وتخلف اليونان عن سداد دفعة مستحقة لصندوق النقد الشهر الماضي في سابقة لم يقابلها صندوق النقد مع أي من الدول المتقدمة من قبل، صوت اليونانيون برفض مطالب الدائنين بمزيد من التقشف.

نتيجة الاستفتاء كانت صادمة للدائنين ومؤيديهم بعد أن خوفوا الشعب اليوناني من رفض تلك المطالب وما قد ينتج عنه من ترك اليونان للاتحاد الأوروبي وانهيار الاقتصاد اليوناني. نتيجة الاستفتاء لن تغير المواقف كثيراً وعلى الأرجح لن تقرب من وجهات النظر المختلفة تماما تجاه تلك القضية. لكن بلا شك ما يحدث في اليونان ليس بالأمر الهين أو المحصور محلياً. فاليونان ستواجه فترة حرجة جداً اقتصادياً سيتعرض خلالها اقتصادها لضربات متعددة وأثر ذلك من المتوقع أن يمتد لمنطقة اليورو وهو ما يمكن أن يكون له آثاراً متعدية على الدول النامية كمصر والتي من المتوقع أن تتأثر على عدة أصعدة:

الأول: على الرغم من مزاعم بعض المحللين أن الاتحاد الأوروبي مستعد لأزمة اليونان ويستطيع منع إنتشارها إلا أن البعض الآخر يرى أن أزمة اليونان قد تمتد للعديد من الدول الأوروبية الأخرى وستزيد من عمق الركود الذي ضرب أوروبا منذ ٢٠٠٨. ويعتبر هؤلاء أن أزمة اليونان قد تفتح الباب لأزمة اقتصادية جديدة كما حدث بعد انهيار بنك الاستثمار الأمريكي ليمان برازرز.

الثاني: الركود المتوقع استمراره في أوروبا وتصاعد أزمة اليونان سيدفع البنك المركزي الأوروبي إلى التوسع في سياسة التيسير الكمي بطباعة كمية أكبر من اليورو لشراء ديون الدول والبنوك الأوروبية وهو ما سيؤدي إلى ضعف اليورو أمام العملات الأجنبية بما فيها الجنيه، حتى بعد التخفيض الذي يتبناه البنك المركزي المصري للجنيه. الركود في أوروبا وانخفاض قيمة اليورو بطبيعة الحال سيخفضان الطلب على الصادرات المصرية للسوق الأوروبي، الذي يعتبر الشريك التجاري الأكبر لمصر.

الثالث: تخلف اليونان عن سداد ديونها وتصاعد الأزمة فيها سيضع محاذير على الديون السيادية للدول النامية وهو ما سيزيد من صعوبة حصول مصر على تمويل خارجي سواء من المؤسسات الدولية أو من الأسواق المالية ويزيد كذلك من الشروط المفروضة، كما أن أسعار الفائدة على ديون تلك الدول ستشهد ارتفاعاً في الفترة القادمة.

إن أزمة اليونان بلا شك حدث جلل في الاقتصاد العالمي قد يصعب التنبؤ بآثارها المتعدية الآن لكن أثرها السلبي على الاقتصاد المصري قد يلوح في الأفق مع زيادة علامات الاستفهام حول الديون السيادية للدول النامية والهشة اقتصادياً في وقت تسعي فيه مصر للتوسع في الاقتراض الخارجي وزيادة صادراتها.