القاهرة، مصر (CNN)-- أطلقت الحكومة المصرية حوارا مجتمعيا حول وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتي تحدد القطاعات الاقتصادية التي قررت الإبقاء بها أو التخارج من الأصول المملوكة لها إضافة إلى تحديد دور صندوق مصر السيادي في الشراكة مع القطاع الخاص.
وأشاد خبراء بخطوة الدولة المصرية نحو التخارج من إدارة الأصول، وإتاحة فرص استثمارية أمام القطاع الخاص لزيادة نسبة مساهمته في النشاط الاقتصادي وفي الوقت نفسه تعظيم العائد من أصول الدولة، وتجنب مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص.
وجاء ذلك بعدما سبق أن اشتكى رجال أعمال من صعوبة المنافسة في السوق المصري في ظل مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ووعدت الحكومة، بتبني منظومة كاملة من السياسات الاقتصادية الكلية المحفزة لنشاط القطاع الخاص بجانب وثيقة سياسية ملكية الدولة، بهدف تمكين القطاع الخاص المصري وزيادة مساهمته في النشاط الاقتصادي، وحوكمة تواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية.
وقال محمد البهي عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، إن الحكومة ضخت استثمارات ضخمة خلال الفترة الماضية لإنشاء مشروعات حيوية يحجم القطاع الخاص عن تنفيذها؛ لأنها طويلة الأجل وليس ذات عائد مرتفع، وبعدما وضعت الدولة المشروعات على طريق الإنتاج، سوف تسمح للقطاع الخاص بالمشاركة سواء بشكل كلي أو جزئي، لتحقيق منفعة اقتصادية للطرفين.
وتعتزم الحكومة المصرية طرح عدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة من خلال برنامج الطروحات الحكومية سواء بشكل كلي أو جزئي للاستفادة من توسيع قاعدة الملكية والتحول إلى شركات مساهمة عامة، وبالتالي رفع مستوى الأداء الاقتصادي لهذه الشركات وتعزيز رؤوس أموالها، ومستويات التزامها بمعايير الحوكمة والإفصاح والشفافية.
وأكد البهي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، على أهمية تشجيع جذب الاستثمارات خاصة الأجنبية في ظل احتياج مصر لزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي لمواجهة التراجع بعد خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، مشيرًا إلى أبرز المشروعات التي ستطرحها الدولة، ومتوقع أن تشهد إقبالًا من المستثمرين مثل الفنادق، وشركات قطاع الأعمال، والموانئ والنقل.
وبحسب تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري، تعتزم الحكومة دمج 7 فنادق تحت مظلة شركة واحدة وطرحها في البورصة.
وحول ضمانات عدم تأثر المواطنين بسيطرة القطاع الخاص على الأنشطة الاقتصادية، قال محمد البهي، إن الحكومة لديها من الآليات والأجهزة الرقابية حتى في ظل تطبيق اقتصاد السوق، أن تراقب الأنشطة الاقتصادية وتنظم عملها وتمنع أي ممارسات احتكارية من خلال أجهزتها المختصة مثل جهاز حماية المنافسة ومكافحة الإغراق، وقد تم تعديل قوانين هذه الأجهزة خلال الفترة الماضية لضمان تطبيق هذا الدور.
وحددت وثيقة سياسة ملكية الدولة، تخارجها من عددًا من القطاعات خلال 3 سنوات، أبرزها قطاع الزراعة ومياه الشرب والصرف الصحي، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وأنشطة خدمات الإقامة وخدمات الغذاء والمشروبات، وكذلك تجارة التجزئة، وأنشطة التشييد والبناء مع استمرار الدولة في الإسكان الاجتماعي تحت المتوسط.
وقال الدكتور مدحت نافع الخبير في الاقتصاد والتمويل، إن الحكومة أطلقت وثيقة سياسة ملكية الدولة، من أجل التوضيح للقطاع الخاص اتجاهات وتصورات الدولة بشأن الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وعدم مزاحمته في المشروعات، مضيفًا أن الحكومة استفادت من التجارب الدولية ومنها أدلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في إعداد هذه الوثيقة.
وأوضح نافع، في تصريحات خاصة لـCNNبالعربية، أن الاقتصاد المصري مر بصور مختلفة خلال السنوات الماضية، بدايةً من العهد الملكي، حيث اكتفت الدولة وقتها بدور إنشاء وشق الترع والسدود والقناطر وتركت للقطاع الخاص والإقطاعيين إدارة النشاط الاقتصادي، ثم تحولت في العهد الناصري أن تتولى إدارة الخدمات والشركات، ثم بداية السبعينات بدأنا في تحرير الاقتصاد جزئيًا وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص دون أن نتحول لاقتصاد السوق بشكل كامل، مضيفًا أن هذه الوثيقة انطلاقة لتحقيق المواد الدستورية التي تنص على تمكين القطاع الخاص من ناحية، ومن ناحية أخرى تضمن الحياد التنافسي للدولة في أي قطاع، بمعنى توفير نفس معايير المنافسة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي في أي قطاع تستثمر به.
ونوه مدحت نافع، والذي حضر مؤتمر إعلان رئيس الوزراء طرح الوثيقة، إلى أن الحكومة بدأت إعداد هذه المسودة منذ العام الماضي، وشكلت لجان حكومية عديدة لإعدادها، وطرحها رئيس الوزراء للحوار المجتمعي، لتلقي مقترحات واستفسارات القطاع الخاص لمدة 3 شهور، وبعدها يتم الخروج بصورة نهائية.
ويرى نافع أن استمرار الحكومة في أنشطة الوساطة المالية والتأمين مزاحمة غير ضرورية، وقد عرض رأيه على الحكومة، غير أنه يرى أهمية استمرار الدولة في أنشطة الخدمات والبنية الأساسية، وقطاعات أخرى التي يخشى أن ينفرد بها القطاع الخاص أن يمارس ممارسات احتكارية يتضرر منها المواطن المصري.
وحول أبرز القطاعات التي يرى القطاع الخاص فرصًا استثمارية بها، قال الخبير الاقتصادي إن القطاعات المطروحة كافة بها فرص استثمارية عديدة أمام القطاع الخاص وعلى رأسها مشروعات تحلية المياه، والطاقة المتجددة وأنشطة أخرى عديدة كانت حكر على الدولة، وتخارجها منها يسمح للقطاع الخاص بالاستثمار بها وتحقيق عائد جيد سواء من خلال المشاركة مع الدولة أو المشاركة في الإدارة.
وأشار إلى ضرورة أن تحدد الدولة آلية واضحة للتخارج، موضحًا أن تحقيق ذلك يتطلب تنشيط البورصة لتوفير آلية للتخارج من الأصول، وتسعير جيد للأصول وزيادة رؤوس الأموال وبالتالي توفير مزيد من فرص العمل، ولذا يجب أن تعمل الدولة على الاهتمام بها في ظل أنها تعاني من ظروف صعبة في الوقت الحالية من ضعف في أحجام التداول، وقلة عدد الشركات المقيدة.