دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—نشرت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، الخميس، تقريرا ترد فيه على ما وصفتهم بـ"المتباكين" على عزلة العرب عن أوروبا تحت حكم الدولة العثمانية.
وقالت الوكالة في تقريرها: "ابتداءً نلقي الضوء على البيئة التاريخية التي تولى فيها العثمانيون زمام الأمور بدءًا من دخول العثمانيين الشام ومصر بقيادة سليم الأول عامي 1516، 1517م، فقبل أن تصبح الدولة العثمانية من دول البحر الأحمر بوقوع مصر والشام واليمن والحجاز تحت نفوذها، بدأ الغزو البرتغالي للبحار الشرقية ومنطقة الخليج العربي والتي استهلت غزوها بطلائع دخلت تحت ستار الكشوف الجغرافية، وتوالت حملات الغزو العسكري بدوافع دينية استعمارية اقتصادية، وكانت تهدف إلى احتلال مناطق في الهند والجزيرة العربية وإنشاء مراكز تجارية مسلحة في هذه الأقاليم".
وتابعت: "كما وضع البرتغاليون مخططا للاستيلاء على جدة ثم الزحف إلى مكة لهدم الكعبة، ثم التوجه إلى المدينة المنورة ونبش الجسد النبوي الشريف، ثم الزحف إلى تبوك، ثم إلى بيت المقدس، كما يقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي في كتابه "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها.. وقد ذكر المؤرخون أن شريف مكة قد ارتاب في ثلاثة أشخاص تسللوا إلى مكة بزي عثماني، وباستجوابهم تبين أنهم جواسيس برتغاليون ليعملوا أدلاء للجيش البرتغالي عند دخول مكة، فتم اعتقالهم وإرسالهم إلى السلطان الغوري في مصر وذلك عام 1510، أي قبل ستة أعوام من دخول العثمانيين الشام ثم مصر".
وأضافت: "تأسيسا على وجود هذه الأخطار الاستعمارية في المنطقة، كانت هناك دوافع عثمانية لعزل تلك الولايات العربية الواقعة تحت نفوذها عن الاحتكاك بأوروبا، إلا أن هذا لم يحدث بشكل تام، بل كانت هناك سياسة وسطية متوازنة للعثمانيين بهذا الشأن.. فالدولة العثمانية لم تعزل العالم العربي عن أوروبا كما يشاع، والدليل على ذلك أن السلطان العثماني سليم الأول أثناء إقامته في مصر حوالي ثمانية أشهر بعد السيطرة عليها، قام في الرابع عشر من شهر فبراير 1517م، بإبرام معاهدة مع البندقية لتشجيع رعاياها على القدوم بسفنهم وبضائعهم إلى الإسكندرية وغيرها من الموانئ المصرية".
واردفت: "ثم جاء عهد سليمان القانوني، والذي قطع خطوات أوسع في سياسة الانفتاح التجاري للأقاليم العثمانية على دول أوروبا، فعقد مع الفرنسيين معاهدة عام 1528م، والتي تكفل لهم حرية التجارة في الولايات التابعة للدولة العثمانية في جو من الأمان وقيام الدولة بتنظيم أماكن لإقامتهم ومنع السفن العثمانية التي تسير بين إسطنبول وموانئ مصر والشام من مضايقة هذه السفن الفرنسية، وترتب على هذه المعاهدة معاهدة أخرى عام 1535م عرفت باسم "معاهدة صداقة وتجارة بين الإمبراطورية العثمانية وفرنسا.. وفي عام 1580م، أصدر السلطان مراد الثالث قرارات تضمن للتجار الإنجليز امتيازات واسعة النطاق، والقدوم إلى الولايات العثمانية بالبضائع برًا وبحرًا، وتوالت المعاهدات التجارية في عهد سلاطين الدولة، إبراهيم الأول، ومحمد الرابع، وغيرهما، ما يدل على الانفتاح على أوروبا الذي شهدته الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية".
واستطردت الوكالة التركية قائلة: "في مقابل هذا الانفتاح النسبي على الغرب، حرصت الدولة العثمانية على وجود عزلة نسبية أيضا مرهونة بمعطيات الواقع، حيث فرضت حظرا كاملا على السفن الأوروبية من دخول البحر الأحمر، بسبب دوافعها الدينية المعادية للمسلمين والمقدسات الإسلامية، ما أحدث ركودا اقتصاديا في موانئ البحر الأحمر، ولم تفتح الباب لتنافس شركات غربية في إقامة وكالات تجارية في موانئ البحر الأحمر إلا بعد استقرار أوضاع الدولة في المنطقة.. واتسمت سياسات الدولة العثمانية تجاه التحركات الغربية بالحذر وأخذ الحيطة، ما وفر عامل الأمان لدول المشرق العربي، ومن ثم أدى ذلك إلى ضعف التبادل الثقافي مع أوروبا".
وخلصت: "من الخطأ أن ننظر إلى هذه العزلة النسبية بمعزل عن مسلك العرب أنفسهم وموقفهم من الانفتاح على الغرب لأنه يعد أساسا في هذا الجانب، ومحاولة تصوير ابتعاد الولايات العربية عن الانفتاح على الغرب على أنه يعود بالكلية لسياسات الدولة العثمانية هو خطأ فادح، وإسقاط لدور العرب أنفسهم في هذه العزلة.. يقول د. زكريا سليمان بيومي في كتابه "قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين": "مع أن سياسة الحذر كان لها تأثيرها غير المباشر على عدم السماح بالتبادل الثقافي بين الشرق والغرب، إلا أن العرب أنفسهم لم يبد لديهم قبول للأخذ عن الثقافة الغربية لاستقرار حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. لقد كان العرب متوجسين من الانفتاح على أوروبا، وذلك لعدة أسباب، أبرزها الحملات الصليبية الشرسة السابقة على العالم الإسلامي العربي، والتي تركت انطباعا في الذهنية العربية بأن أوروبا عدو أبدي متربص ببلاد العرب".
ولفتت الوكالة إلى سبب ثان هو "توافر المحاضن التعليمية في العالم العربي، بما أغنى رعايا الولايات التابعة للدولة العثمانية عن إيفاد أبنائهم للتعليم في أوروبا والالتحاق بمدارسها وجامعاتها، فكان على سبيل المثال: هناك الأزهر في مصر، والقيروان في الشمال الإفريقي، ومراكز في الشام ومكة والمدينة وغيرها، والتي أُطلق عليها الكليات الملتحقة بالمساجد، وكان يفد إليها راغبو العلم من شتى بقاع العالم الإسلامي والعربي.. وسبب آخر، أن الولايات العربية كانت تنعم باكتفاء ذاتي، تتبادل التجارة في نطاق هذه الولايات، ولا تلجأ إلى الاستيراد من أوروبا إلا في نطاق الكماليات فحسب، وهذه كانت محل اهتمام الأثرياء فقط، ومن ثم لم تكن هناك حاجة عربية ماسّة للانفتاح على الغرب، خاصة وأن السفر إلى أوروبا كان محفوفا بالمخاطر.. الذين يتباكون على ما أسموه عزلة العرب التي فرضها العثمانيون، يتجاهلون ويتغافلون عما فعله الغرب بدول إفريقيا التي لم تنعزل أو لم تجد من يعزلها عن الغرب.. وتعرضت قارة إفريقيا في ضوء هذا على مدى أربعة قرون لأبشع صور الاستغلال والقهر والنهب على يد الأوروبيين، في حين أن العزلة النسبية عن أوروبا كانت سياسة رابحة اتبعتها بعض الدول مثل الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية".