تحليل: محمد بن سلمان يتغلب على الغضب الأخلاقي للولايات المتحدة بمساعدة قليلة من ارتفاع أسعار البنزين

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة

تحليل بقلم ستيفن كولينسون، مراسل CNN في البيت الأبيض

(CNN)-- تغلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الولايات المتحدة، بعد ما يقرب من 4 سنوات على مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

ويعد الإعلان، يوم الثلاثاء، عن أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيزور المملكة العربية السعودية الشهر المقبل ليس مفاجئًا، فالبيت الأبيض يمهد لتلك الزيارة منذ أيام.

وقرار الرئيس الأمريكي بإجراء الزيارة، وكذلك ردود فعل النواب الأمريكيين على الرحلة، يتناسب مع النمط السائد للعلاقة الأمريكية السعودية: تتراجع واشنطن عن كراهية السلوك السعودي الذي يتعارض مع قيمها، ثم تنجذب مرة أخرى إلى زواج المصلحة بسبب الثروة النفطية للمملكة وموقعها الاستراتيجي الحاسم.

وعلى الرغم من أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر دافع، يوم الثلاثاء، عن اجتماعات بايدن المقبلة مع السعوديين، إلا أن الأغلبية في مجلس الشيوخ مثل السيناتور ديك دوربين وديمقراطيين بارزين آخرين يبدون قلقهم.

وقال دوربين لشبكة CNN إن لديه "مخاوف" بشأن رحلة بايدن ودعا الرئيس الأمريكي إلى تغيير خططه، لكن السيناتور ذكر أنه يتفهم سبب قرار بايدن بشأن الزيارة.

وقال دوربين: "لدي مخاوف بشأن ذلك، أعتقد أن السعوديين أظهروا أنهم لا يشاركوننا قيمنا، حادثة خاشقجي هي حادثة دولية ذات أبعاد تاريخية، لا يمكنني الالتفاف حولها".

وأضاف: "أنه أمر صعب الحفاظ على الطاقة لحلفائنا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والقيام بشيء ما لزيادة إمدادات النفط في العالم، وربما يؤدي ذلك إلى خفض أسعار البنزين، كل هذه الأشياء تأتي في الوقت المناسب وهي مهمة لكنني آسف عليه أن يفعل ذلك مع السعوديين ".

وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا، تيم كين، وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لشبكة CNN، إن الرحلة "فكرة سيئة حقا"، وأضاف: "دمائه لم تُطهر بعد"، في إشارة إلى خاشقجي.

وتابع تيم كين: "أنا أفهم أن الظروف تغيرت ولكن ما هي القضية الأساسية في العالم الآن؟ إنها السلطوية لا أعتقد أنك تذهب وتقول حسنًا ، تغيرت الظروف، نجلس مع قاتل قتل صحفي يعيش في فرجينيا، أعتقد أنه خطأ كبير، لقد التقيت بآخرين، كنت سألتقي بوزير الخارجية كنت سألتقي بالسفير السعودي، كنت سألتقي بالملك، لكنني لن أقابل محمد بن سلمان".

وذكر السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت، كريس مورفي، وهو عضو آخر في العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن لديه بعض "المخاوف الحقيقية"، مضيفًا: "أعتقد أنني بحاجة إلى سماع المزيد من الإدارة لفهم نوع الالتزامات التي حصلوا عليها من المملكة يغيرون طرقهم".

كما قال عضو مجلس الشيوخ الجمهوري، ويب جون ثون من ولاية ساوث داكوتا، إنه وجد مشاكل في تلك الرحلة، قائلاً: "أتمنى فقط أن يركز على الطاقة الأمريكية ولن يضطر إلى التعامل مع ولي العهد".

وأضاف: "لقد أعرب عن مخاوفه بشأن الذهاب إلى هناك في الماضي لجميع الأسباب الواضحة، ويبدو أن علينا أن نواصل العمل مع السعوديين لزيادة إنتاج الطاقة لأننا لن نفعل ذلك هنا، أعتقد أنه أمر مؤسف أن يوضع رئيس أمريكي في هذا الموقف".

ليس هناك شك في أن بايدن يقوم برحلته من أجل إقناع السعوديين بضخ المزيد من النفط الخام للمساعدة في تخفيف التأثير السياسي لأسعار البنزين القياسية في أمريكا، وتأتي زيارته أيضًا في الوقت الذي تلوح فيه أزمة جديدة في الأفق مع خصم السعودية اللدود إيران، والتي قد تتجاوز قريبًا عتبة تصنيع قنبلة نووية.

ولتهدئة الجدل، يقول البيت الأبيض إن زيارة بايدن إلى دولة وصفها بـ"المنبوذة" بسبب القتل الوحشي لخاشقجي، والتي حددت الاستخبارات الأمريكية ولي العهد بأنه مسؤول عن عملية القتل وهو ما نفاه ولي العهد شخصيا والسلطات السعودية مرارا، كجزء من مبادرة سلام إقليمية حيث سيشارك الرئيس الأمريكي في قمة مع دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق في جدة بعد زيارة إسرائيل لإبداء دعم العلاقات الدافئة للدولة اليهودية مع جيرانها العرب المناهضين لإيران.

وستكون هناك اجتماعات ثنائية مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وفريقه الذي يتوقع البيت الأبيض أن يضم ولي العهد.

وقال مسؤولو البيت الأبيض إن بايدن يخطط لطرح قضايا حقوق الإنسان مع محمد بن سلمان والسعوديين خلال مناقشاتهم، لكن المسؤولين في البيت الأبيض أكدوا مرارًا وتكرارًا أن بايدن يتطلع إلى إعادة ضبط علاقته مع المملكة.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، الثلاثاء، بخصوص مقتل خاشقجي: "نحن لا نتغاضى عن أي سلوك حدث قبل تولي الرئيس منصبه"، مشيرة إلى أن بايدن "أصدر تقريرا مستفيضا من مجتمع الاستخبارات بشأن مقتل الصحفي".

وتابعت: "لذلك، من المهم أيضًا التأكيد على أنه بينما نعيد ضبط العلاقات ، فإننا لا نتطلع إلى تمزيق العلاقات لكن قضايا حقوق الإنسان، أمر يطرحه الرئيس مع العديد من القادة ويخطط للقيام بذلك".

كما أشادت بيير بالسعودية لكونها "شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة لما يقرب من 80 عامًا"، مضيفة أنه "لا شك في أن المصالح المهمة متداخلة مع المملكة، ولا سيما التمديد الأخير للهدنة في اليمن، والتي أنقذت أرواحًا لا حصر لها".

يذكر أن منظمة "عائلات 11 سبتمبر المتحدة"، وهي منظمة تتكون من عائلات الأفراد الذين قُتلوا خلال الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، بعثت برسالة إلى الرئيس الأمريكي، في وقت سابق من هذا الشهر، تحثه على ضمان المساءلة عن هجمات 11 سبتمبر باعتبارها أولوية رئيسية محادثاته مع المسؤولين السعوديين.

وصرح منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، جون كيربي، لشبكة CNN، يوم الثلاثاء، أن بايدن من المتوقع أن يناقش "مجموعة من قضايا حقوق الإنسان" مع ولي العهد خلال الرحلة، لكنه لم يذكر ما إذا كانت مخاوف عائلات 11 سبتمبر ستثار خلال المحادثات القادمة.

وبينما يقول السعوديون إنهم سيجرون محادثات رسمية مع الولايات المتحدة، رفض كيربي أن يصف بشكل قاطع الاجتماعات التي تجري بين بايدن والحكومة السعودية، مضيفًا أن الرئيس الأمريكي سيجري "الكثير من المناقشات الثنائية" مع الرؤساء التسعة في الاجتماع، مضيفا: "نعم، سيشمل ذلك بالتأكيد الملك سلمان وفريق قيادته ونتوقع أن يكون ولي العهد جزءًا من تلك المناقشات".

في بعض الأحيان، يجب على الرؤساء أن يفعلوا أشياء يرونها مقيتة أو تبدو منافقة لدفع ما يرون أنه مصلحة وطنية وهذا ما يفعله بايدن هنا. لكن زيارته تبعث برسالة إلى دول مثل المملكة العربية السعودية، مفادها أنه بينما تشرع الولايات المتحدة في ما يشبه حربًا باردة جديدة مع الصين وروسيا، فإن السلوك القمعي لا يشكل عائقاً أمام العلاقات مع الرئيس الذي وضع إنقاذ الديمقراطية العالمية في صميم جهود السياسة الخارجية.

فعلى سبيل المثال، أشاد بايدن بـ"شجاعة" محمد بن سلمان في تمديد الهدنة في اليمن لكن ولي العهد السعودي هو من بدأ الحرب الشرسة التي قتلت آلاف المدنيين لذا، فإن تصريح جان بيير بأن "الخطوة السعودية أنقذت أرواح لا حصر لها" كانت بالأحرى غير ملائمة.

فذات مرة كانت منبوذة لكنها لم تعد كذلك.