تحليل لنيك باتون والش من شبكة CNN
(CNN)-- في كل أزمة تكمن الفرصة، وفي كل فرصة تكمن الأزمة، و التقدم المذهل الذي أحرزته المعارضة السورية في غضون أسبوع هو النتيجة غير المقصودة لصراعين آخرين، أحدهما قريب والآخر بعيد، ويترك العديد من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين مع قوة جديدة وغير معروفة إلى حد كبير يقودها الإسلاميون، تحكم مساحات شاسعة من جارتهم الاستراتيجية- إن لم يكن معظمها، بالنظر إلى وتيرة الأحداث.
لقد امتصت سوريا الكثير من الأكسجين الدبلوماسي في السنوات العشرين الماضية، ومن المناسب أن يظهر هذا الأسبوع من التغيير الشامل وكأنه من فراغ.
فمنذ غزو العراق، ناضلت الولايات المتحدة من أجل إيجاد سياسة لسوريا يمكنها استيعاب الاحتياجات المختلفة للغاية لحلفائها إسرائيل والأردن وتركيا وشركائها في بعض الأحيان العراق ولبنان.
وسوريا بحكم موقعها تربط نفط العراق بالبحر الأبيض المتوسط، والشيعة في العراق وإيران بلبنان، والجزء الجنوبي من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في تركيا بصحاري الأردن.
ووضعها جورج دبليو بوش في محور الشر الخاص به؛ ولم يرغب باراك أوباما في المساس بها كثيرا في حالة كسرها أكثر؛ وقصفها دونالد ترامب مرة واحدة، وبسرعة كبيرة.
ولقد كانت في قبضة دكتاتورية وحشية مروعة لعقود من الزمن.
حماة، وحمص، ودمشق – كلها عادت إلى عناوين الأخبار بين عشية وضحاها بسبب سقوط النظام السريع، ولكنها كانت موطنا لأفظع أجزاء من تاريخه – مذبحة عام 1982 التي راح ضحيتها 20 ألف شخص في حماة، أو حصار حمص ثم تجويعها عام 2012، أو استخدام غاز السارين في الغوطة بالقرب من دمشق ضد الأطفال في الأقبية عام 2013، ثم كان هناك تنظيم داعش من عام 2014 إلى عام 2017.
وبدا الأمر وكأن سوريا لم تعد تحت رحمة هذا القدر من الأسلحة، إلى أن جاء هذا الأسبوع بتحريرها، حتى الآن بتكلفة غير معروفة، مع تحذيرات واسعة النطاق.
إن المصير المتغير بسرعة لبشار الأسد لم يكن مصنوعا حقا في سوريا، بل في جنوب بيروت ودونيتسك.
وبدون العكازات التي توفرها القوات الجوية الروسية وحزب الله، وكيل لإيران، سقط الأسد عندما تم الدفع به في النهاية.
ربما لم تهتم الحرب الوحشية والفعالة التي شنتها إسرائيل لمدة شهرين على حزب الله كثيرا بمصير الأسد ولكنها ربما تكون قد قررته.
وعلى نحو مماثل، ربما لم يأخذ الغزو الروسي لأوكرانيا، قبل 34 شهراً، في الحسبان عدد الطائرات أو القوات القليلة التي قد تتركها موسكو لدعم حلفائها في الشرق الأوسط ولكن حرب الاستنزاف جعلت روسيا "غير قادرة" على مساعدة الأسد، حتى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أشار إلى ذلك السبت.
والواقع أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بدا ضعيفاً هذا الأسبوع، حين قال: "ما هي التوقعات؟ لا أستطيع التخمين. نحن لسنا في مجال التخمين".
وهذه ليست كلمات ضامن ثابت، بل هي كلمات قوة إقليمية ترى حليفها يسقط.
لقد أصبحت إيران مقيدة بشدة في الأشهر الستة الماضية، حيث تطورت حربها مع إسرائيل، التي عادة ما تكون في الظل أو يمكن إنكارها، إلى هجمات صاروخية بعيدة المدى وغير فعالة إلى حد كبير، كما أصيب وكيلها الرئيسي، حزب الله، بالشلل بسبب هجوم على قياداته العليا، ثم أسابيع من الضربات الجوية الشرسة.
إن تعهدات طهران بالدعم لم تحقق الكثير حتى الآن، ولكنها أسفرت عن بيان مشترك مع سوريا والعراق حول "الحاجة إلى عمل جماعي لمواجهة" المتمردين.
إن الشرق الأوسط يترنح لأن الأفكار التي كانت تعتبر أمراً مسلماً به ــ مثل القوة الإيرانية الشاملة، والصلابة الروسية كحليف ــ تنهار مع مواجهتها للحقائق الجديدة.
لقد ساد الأسد كزعيم لأقلية غارقة في الدماء، ليس من خلال المكر أو الشجاعة، بل لأن إيران قتلت من أجله، وموسكو قصفت من أجله.
والآن وقد أصبح هذان الحليفان منهكين إلى حد كبير في أماكن أخرى، فقد اختفى أيضا الخلل الذي أبقى الأسد وأقليته العلوية الحاكمة على رأس السلطة.
وعندما تبدو القوى الإقليمية الراسخة عاجزة فجأة عن التصرف، فإن هناك غالباً لحظة من المخاطرة الكبيرة.
ولكن هذه اللحظة هي اللحظة التي استغلتها تركيا، العضو في "الناتو" والتي تعاملت مع أكبر تداعيات الاضطرابات في سوريا.
لقد اضطرت أنقرة إلى ممارسة لعبة طويلة الأمد بشأن سوريا، وأقام فيها أكثر من 3 ملايين لاجئ منذ 2012.
وكان عليها أن ترى المسلحين الأكراد - قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي دربتها الولايات المتحدة وجهزتها وساعدتها في محاربة داعش - يطورون معقلًا على طول حدودها.
من وجهة نظر أنقرة، لم تختف مشكلة سوريا أبدا على الرغم من تلاشي الاهتمام بها؛ وستحتاج ذات يوم إلى تغيير الفوضى الدائمة لصالحها.
والهجوم الشامل الذي شنته هيئة تحرير الشام- بزخمها ومعداتها واستراتيجية الاتصالات الشاملة، وكذلك إخبارها الجماعات العرقية السورية المتباينة والمذعورة بأن سينظر إليهم جميعا في مجتمعها الجديد كواحد- يوضح أن هناك جهة وراء ذلك.
وقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقوى اقتراح له حتى الآن عندما قال، الجمعة، إنه حاول التفاوض على مستقبل سوريا مع الأسد، وفشل، وتمنى للهجوم التوفيق، على طول الطريق إلى العاصمة السورية دمشض، ولم تكن هذه رسالة خفية لكنها لا تحتاج إلى أن تكون واضحة.
الواقع أن تركيا لا تزال في مرحلة من التغيير المزلزل الذي انتظره أردوغان طويلا.
ولا يزال من غير الواضح من الذي فعلته تركيا بالضبط.
وباختصار، بدأت المستويات العليا من هيئة تحرير الشام بتنظيم القاعدة، ووجدت أن تنظيم داعش متطرف للغاية، وهي تحاول الآن الإيحاء بأنها نضجت.
ومن أيرلندا إلى أفغانستان، فإن تاريخ هذا النوع من التطور فوضوي، فليس من السهل دائما بالنسبة للمتطرفين أن يعادوا تشكيل أنفسهم، ولكن من الممكن أيضا في بعض الأحيان أن يتغيروا بما يكفي تقريبا.
وبشكل منفصل، في حين ربما أشعلت تركيا شرارة هجمات هيئة تحرير الشام، فإن سرعة انهيار الأسد ربما لم تكن متوقعة، فهناك شيء حدث مثل النجاح الكبير للغاية.
لقد ترك التأثير غير المعروف للتغيير السريع الهائل سوريا غارقة في سياسات غير مكتملة وكذلك تقاعس الولايات المتحدة من قبل.
ففي 2013، قال الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما إنه سيرد عسكريًا إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية، لكنه لم يفرض هذا "الخط الأحمر" عندما استخدم الأسد غاز السارين في الغوطة في عام 2013.
وبرر مسؤولو إدارة أوباما تراجعه بالإشارة إلى أن المزيد من الضرر لنظام الأسد الهش بالفعل قد يسمح للمتمردين الجهاديين بشكل متزايد بالتقدم بسرعة كبيرة، وقد يسيطرون على دمشق في غضون أشهر.
من الممكن أنهم كانوا على حق في ذلك الوقت؛ ولكن من المرجح أن فشل أوباما في التصرف شجع روسيا وإيران لسنوات.
ولا نعرف الكثير عن ما يحدث الآن في سوريا أو ما يعنيه ذلك، فقد تثبت هيئة تحرير الشام أنها حاكم أفضل للمزيج العرقي السوري من الأسد، وهو ما لن يكون صعبًا، وقد يختفي الأسد في المنفى مسكن فخم بموسكو، بعدما انهار استبداده الهش بسرعة.
وقد تلعق روسيا جراحها الجيوسياسية وتركز على النزيف الكارثي المتمثل في غزوها لأوكرانيا، فيما قد تتوقف إيران للتفكير، وتستعد بدلاً من ذلك للتسونامي المحتمل من العدوان الذي قد يأتي مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.