أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- كما لو لم يكن يكفي الشرق الأوسط توتراته، تفجر العداء بين القوتين الإقليميتين، المملكة العربية السعودية وإيران، ليصبح أزمة دبلوماسية من الدرجة الأولى، حيث طردت السعودية البعثة الدبلوماسية الإيرانية وقطعت العلاقات بعد مهاجمة سفارتها في طهران.
هذا ما تحتاج معرفته من تفاصيل قصة الدولتين، التي من المتوقع أن تتصدر عناوين الأخبار لبعض الوقت.
ماذا حدث؟
أعلنت السعودية، السبت، إعدامها الشيخ نمر النمر، أحد أشد منتقدي العائلة المالكة السعودية، وكان مدافعا عن الشيعة في المنطقة الشرقية في المملكة، حيث اشتكى الشيعة منذ فترة طويلة من التمييز على يد الحكم الملكي السني في البلاد.
تعرف.. من هو نمر النمر صاحب الانتقادات اللاذعة لحكام السعودية؟
ولطالما وجهت السعودية أصابع الاتهام إلى إيران بإثارة الفتنة بين أولئك الشيعة. ولعب اعتقال واحتجاز ومحاكمة النمر دورا مهما في تصعيد العداء قديم الأزل بين هاتين القوتين الإقليميتين.
ما هي علاقة هاتين الدولتين؟
الصراع بين السعودية وإيران متجذر في الانقسامات العميقة بين الفروع الشيعية والسنية في الإسلام، ولكن النزاع على النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة له فضل كبير في ذلك أيضا.
وبدأ الخلاف منذ حوالي 14 قرنا، ويتعلق بالنزاعات حول أحقية خلافة النبي محمد كقائد للأمة الإسلامية. في حين هيمن المذهب السني من ناحية الانتشار، إذ أن ما يقرب من 90 في المائة من المسلمين في العالم من السنة، والذي يشمل المذهب الوهابي في السعودية.
ورغم ذلك، بدأ المذهب الشيعي باستعراض عضلاته في عام 1979، إذ استبدل الثوريون في إيران الحكومة العلمانية في البلاد بالدينية وبدأ إرسال الدعم للشيعة في لبنان والعراق وأماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وكتب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في مراجعة شاملة للنزاع الطائفي أن "تحول إيران إلى قوة شيعية علنا بعد الثورة الإسلامية تسبب في تسريع السعودية لنشر الوهابية، كما أحيا التنافس الطائفي بين الدولتين حول التفسير الصحيح للإسلام."
ما هي بعض الأمثلة؟
في البداية، دعمت المملكة الحكومة العراقية التي كان يقودها السنة آنذاك في حربها الدامية التي استمرت ثمان سنوات ضد إيران. ومع استمرار تلك الحرب إلى عام 1987، اشتبكت شرطة مكافحة الشغب السعودية مع الحجاج الإيرانيين في مكة المكرمة، وقتل نحو 400 شخص، معظمهم من الشيعة الإيرانيين، وفقا لمعهد الولايات المتحدة للسلام.
وأدى ذلك إلى مهاجمة المتظاهرين الإيرانيين السفارات السعودية والكويتية، ومقتل دبلوماسي سعودي. ووصف المرشد الإيراني الأعلى، آية الله الخميني، آنذاك، السعودية بأنها "عصابة من المهرطقين". وبعد ذلك، أسدلت الستائر على العلاقات الدبلوماسية لمدة أربع سنوات، إلى أن أسفرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 1997 عن علاقات أكثر دفئا، وبلغت ذروتها في الاتفاق الأمني بين البلدين عام 2001.
ولكن الأمور انهارت من جديد في عام 2003، عندما أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق بصدام حسين، مما أطلق السلطة السياسية الشيعية المقموعة في العراق، وأدى إلى توثيق العلاقات مع طهران وزيادة النفوذ الإيراني على جارتها.
وبلغ القلق من تصاعد نفوذ إيران ذروته عندما تفجرت أحداث "الربيع العربي" التي بدأت في تونس في أواخر 2010. ووصلت الاضطرابات حتى إلى السعودية وحليفتها البحرين، حيث يحكم عاهل سنّي أمة ذات أغلبية شيعية.
قد يعجبك.. رأي: لماذا نجح الربيع العربي بتونس وتعثر بباقي الدول؟
وبطبيعة الحال، اعتبر السعوديون وحلفائهم أن إيران هي اليد الخفية وراء الاضطرابات وساعدت المملكة السلطات البحرينية في السيطرة على الاحتجاجات.
وفي العام الماضي، زادت العلاقات برودة إثر الصراعات بسبب مزاعم تدعي اعتداء حراس سعوديين على الحجاج الإيرانيين في أبريل/ نيسان، ومقتل المئات، بينهم إيرانيون، في سبتمبر/ أيلول، خلال التدافع بمنى في أول أيام عيد الأضحى وسقوط الرافعة في الحرم المكي.
بالصور.. سقوط رافعة في الحرم المكي يسفر عن مقتل وإصابة 345 شخصاً
كيف للعداء أن يؤثر على الشرق الأوسط والعالم؟
باختصار، أصبح الوضع قالبا من الحروب بالوكالة، إذ دعمت إيران حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، ضد الأغلبية السنية المعارضة والمدعومة من السعودية.
وفي اليمن، لدى الحوثيون الذين يسعون لقلب نظام الحكم علاقات بإيران، في حين تقود السعودية تحالفا من الدول العربية لقصف أهداف للمتمردين على حكم الرئيس عبدربه منصور هادي.
كما للصراع الإقليمي أصداء في الأماكن التي بها أغلبية شيعية مثل لبنان، حيث ترغب السعودية في إخماد نفوذ "حزب الله" المدعوم من إيران، ومثل العراق، حيث تشعر الأقلية السنية بالحرمان بعد أن كانت في السابق مسيطرة سياسيا.
هل سيؤثر الوضع على أسعار النفط والاتفاق النووي الإيراني؟
في مكان متقلب مثل الشرق الأوسط، هناك بالتأكيد الكثير من الأسباب لتجنب حرب طاحنة أخرى في منطقة ينتشر فيها بالفعل سفك الدماء.
وليس من غير المتوقع أن تخرج الأوضاع عن نطاق السيطرة، حسبما يرى الفريق المتقاعد الأمريكي، مارك هرتلينغ، وهو محلل عسكري لشبكة CNN. إذ قال: "الوضع يتصاعد بسرعة كبيرة."
محللون لـCNN: السعودية خلعت القفازات مع إيران.. انسوا الحلول بسوريا واليمن ولتستعد المنطقة للأسوأ
ولكنه ليس بالأمر الحتمي. أولا، لأنه من غير المحتمل أن تريد طهران حقا بدء حرب مع السعودية المجهزة جيدا والمدعومة من الولايات المتحدة.
وقال علي رضا نادر، الباحث في معهد "راند كورب" للدراسات، أمام لجنة فرعية في الكونغرس الأمريكي، الشهر الماضي، إنه بعد أعوام من العقوبات الاقتصادية وحظر صفقات الأسلحة، أصبح الجيش الإيراني مشلولا.
وقال إنه حتى مع تخفيف العقوبات الناجمة عن الاتفاق النووي العام الماضي مع القوى الغربية، من غير المرجح أن ينمو اقتصاد إيران بما يكفي لإعطاء طهران دفعة قوة كبيرة في المنطقة. والصراع مع المملكة لن يساعد هذا الوضع.
قد يهمك.. جاء "يوم اعتماد" الاتفاق النووي الإيراني... هل تعلم ما يعنيه ذلك؟
ولدى السعودية قضاياها الداخلية التي قد تحد من تعطشها للأعمال العدوانية، إحداها هو التأثير المتزايد لانخفاض أسعار النفط. ويبدو أيضا أن هناك تساؤلات حول من سيخلف الملك سلمان.
ما هي ردة فعل باقي العالم؟
في كلمة واحدة، اهدأوا. إذ دعت الصين إلى "الحوار والمفاوضات"، واقترحت روسيا والأمم المتحدة "ضبط النفس". في حين طلبت فرنسا من سلطات السعودية وإيران أن "تبذل كل ما في وسعها لمنع تفاقم التوترات الطائفية والدينية."
اقرأ.. مجلس الأمن يدين الاعتداء على الأراضي السعودية في إيران.. وسفير المملكة: لا نريد اعتذارات
وأدانت باكستان ذات الأغلبية السنية، الهجوم على السفارة السعودية في طهران، وحثت على "حل الخلافات من خلال الوسائل السلمية من أجل الفائدة الأكبر وهي وحدة المسلمين."
وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى وزيري الخارجية في البلدين، الأحد، وأعرب عن قلقه الشديد من انهيار العلاقات، في حين قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي، الاثنين: "ما نريد أن نراه هو انخفاض التوتر، نريد أن نرى مواصلة الحوار، ونريد أن نرى استعادة سلمية للانخراط الدبلوماسي دون عنف."