هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي شبكة CNN.
بالرغم من تعثر انجاز اي تسوية سياسية لازمات المنطقة، الا ان التوافق الدولي واستصدار مشروع قرار اممي متعلق بسوريا رسم المعالم الاساسية لشكل الحل السياسي في مرحلته الاولى. اللافت ان مناخ التأزيم الحالي في المنطقة دخل في مرحلة يمكن تشخيصها على أنها مرحلة تشابكت فيها خطوط الازمات بشكل واضح مع بقاء الازمة السورية عقدة الربط الاساسية. سياق الازمة هذا كان قد تكرر في نسخة مشابهة يمكن الاستدلال عليها عبر اعادة قراءة حيثيات الازمات الاقليمية السابقة منذ ثمانيات القرن الماضي وتحديداً من الازمة الناشئة عن رفض حافظ الاسد لمبادرة ولي العهد السعودي "الامير فهد" مبادرة السلام العربية.
لكن في إطار المقارنة مع السياقات التاريخية لمحاولات انجاز التسوية الاقليمية، يبدو ان المنطقة تصل اليوم ولأول مرة الى نقطة تضع الجميع على اعتاب الخضوع لاستحقاقات التسوية المؤجلة، خصوصاً ان اطالة امد الازمة السورية أدخل المنطقة في مخاض عسير زاد من تعمق الازمات ووفر كثير من عوامل التفجير الداخلي في مختلف الدول. في إطار التسوية تبدو الازمة الحالية وكأنها اداة تعبيد طريق التسوية، الاردن على سبيل المثال، بات اليوم على ارتباط وثيق بمعادلة الازمة السورية وتطوراتها. فالمملكة تتعرض لحالة غير مسبوقة من الضغوطات تجعلها مضطرة للتعاطي مع واقع اقتصادي صعب وبرود دولي تجاه حجم الازمة الداخلية مع عودة لافتة لتسويق نظرية "الخزان البشري" التي تعتبر ان الاردن يجب ان يعمل على احتواء الهجرات البشرية الناتجة عن الازمات المتعددة. لهذا فان أزمة بحجم أزمة اللاجئين في الاردن لا يمكن ان تحل اليوم عبر استجداء المساعدات، والتعويل على تنظيم المؤتمرات واللقاءات.
قد يهمك أيضاً: ملكة الأردن ترد على رسم "شارلي إيبدو" للطفل آيلان كردي
بالرغم من حجم التحديات وتعاظمها السريع الا أن التعاطي الاردني مع الوضع الداخلي يجب الا يشغل الاردن عن مراقبة حجم التطورات في الملفات ذات التأثير المباشر على الداخل الاردني خصوصاً الملف الفلسطيني و احتماليات تفجر الاوضاع في الضفة الغربية، عداك عن الرغبة الاسرائيلية في تصدير الازمة الى المحيط الاردني و بالتالي الهروب من الاستحقاقات من خلال ذريعة "الأزمة الجديدة" في المنطقة و التي قد تؤسس منطقياً لحلول مفروضة عبر البوابة الدولية.
الاردن معني بالتعاطي مع الازمة الاقليمية من خلال استراتيجية امن قومي قادرة على مواجهة الضغوطات الحالية والقادمة، وقادرة في نفس الوقت على التعامل مع تبعات التطورات في أزمة الاقليم. لهذا فان التغيير في الاردن يتطلب التخلي عن اي نهج بُني على سياسات الوهم و استراتيجيات الاحلام، و يستدعي بث الروح الوطنية الحقيقية في المجتمع و اعادة الهيبة للجهاز البيروقراطي و مؤسساته.
المزيد: إسرائيل تبدأ بناء جدار على حدودها مع الأردن.. ومسؤول أردني لـCNN: عقلية القلعة لن تجلب الأمن
الاستعداد لمرحلة المواجهة القادمة يتم عبر ضخ دماء جديدة في كافة اجهزة الدولة، و انهاء تغول الحالات و الشخوص الدخيلة على البيروقراط والطارئة على مفهوم الدولة، مع ضرورة العودة الى ترسيخ القواعد و الاعراف الاساسية في التعامل مع المسائل المختلفة من المسائل الاقتصادية الى السياسة الخارجية. المطلوب اعادة ضبط البوصلة الاردنية وايجاد حالة تعبيرية حقيقية عن الاردن والاردنيين وادراك ان مسار الامور في المنطقة يفرض ايقاعاً سريعاً يتطلب قدرات غير تقليدية للتكيف مع حجم التحديات.