سياسة بوتين الخارجية ركّعت الاقتصاد المحلي.. لكن التدخل الروسي في سوريا مازال في بدايته

الشرق الأوسط
نشر
4 دقائق قراءة
جثة رجل يزعم أنه قتل في السجون السورية تظهر عليها آثار جراح في اليدين والقدمين.
syrian national movement/ carter-ruck
11/11جثة رجل يزعم أنه قتل في السجون السورية تظهر عليها آثار جراح في اليدين والقدمين.

جثة رجل يزعم أنه قتل في السجون السورية تظهر عليها آثار جراح في اليدين والقدمين.

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) ــ واحد من أشهر الشخصيات الروسية الساخرة في القرن التاسع عشر، هو كوزما بروتكوف، والذي قال العديد من الأمثال، أصبح الكثير منها حكما تردد. وحكمتي المفضلة هي "إذ رأيت اسم جاموسة على كهف فيل، فلا تصدق عينيك". وعندما أعلن فلاديمير بوتين نهاية العمليات العسكرية التي قال إنها أثبتت نجاحها على المستوى الجيوسياسي والمحلي بكلفة متدنية أصبح يمكننا أن نطبق مقولة كوزما.

لا يهم ما قاله بوتين لنظرائه الغربيين، لم يكن لديه في الحقيقة أي نية لمحاربة داعش عندما أرسل مقاتلات وقاذفات سوـ٣٥ المتطورة، وصواريخ الدفاعات الجوية وأكثر من ٤٠٠٠ عنصر إلى سوريا. وكما قال بوتين لعدد من الجمهور الروسي المحلي، إن الهدف كان "المحافظة على السلطة الشرعية"، وهو نظام بشار الأسد القاتل.

وبذلك تكون موسكو قد استعادت إرثها الثمين من الجيوستراتيجية السوفيتية، بوضع قواعد عسكرية في سوريا. كما أنها ستظهر نفسها، اللاعبة رقم واحد في الشرق الأوسط بعد الفراغ الذي تركته إدارة إوباما التي انشغلت بسياسة "الخطوط الحمراء" وانسحبت من سوريا، كما وضعت نفسها إلى جانب إيران لتتحول إلى لاعب دائم في مستقبل سوريا، ولتضع الغرب أمام خيار سيء للغاية، فإما داعش أو الأسد.

بالرغم من إنجاز روسيا لخطوات هامة في سبيل تحقيق هدفها في الأشهر الخمس ونصف الماضية، إلا أنها لم تصل إليه بعد، فبالرغم من أن آمال نظام الأسد بالصمود أفضل اليوم مما كانت عليه قبل ستة أشهر، إلا أن بقاءه ليس مضمونا، لذلك، الانسحاب في هذه المرحلة هو أمر ليس منطقيا.

وإذا فصلنا العملية الروسية في سوريا سنجد أنها كلفت من 5 إلى 7.5 مليون دولار في اليوم الواحد ونتجت عنها ثلاث إصابات كما أشارت التقارير الرسمية، وهذا الأمر بالتأكيد غير منطقي من وجهة نظر السياسة المحلية. عداك عن إسقاط الطائرة الروسية في مصر والتي غالبا أسقطت بسبب دعم روسيا لنظام الأسد. وقد قال لي متخصص بعلم الاجتماع السياسي إن "نظام بوتين يفكر فقط في السياسة الخارجية"، وذلك في موسكو، قبل شهرين من اجتياح أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم، أي في يناير/كانون ثاني عام 2014، حين كان الناتج المحلي الإجمالي إيجابيا وسعر النفط 106 دولارات للبرميل.

يونيسيف: 1 من كل 3 أطفال سوريين وُلدوا خلال الحرب السورية الدامية

بعد ذلك بعامين، أثرت السياسة الروسية الخارجية على السياسة المحلية. فخسرت خزينة الدولة أكثر من 200 مليار دولار في عامي 2014 و2015، وتقلص الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 3.7 في المائة، ووصل التضخم إلى 17 في المائة، وخسر الروبل أكثر من نصف قيمته، ما يشكل ضربة قوية للدولة التي تستورد كل الأساسيات، من دواء وغذاء وتكنولوجيا أساسية لصناعاتها.

وبما أنه لا نهاية تلوح في الأفق لهذا الركود الاقتصادي، فإن الناتج الإجمالي المحلي مهدد بالسقوط بنسبة 1 في المائة إلى 3 في المائة في العام الجاري. ويبقى التضخم فوق نسبة 8 في المائة، واحتياطيات المال الموجودة للأوقات الصعبة قد تنفد بنهاية عام 2016.

أعاد بوتين للشعب الروسي الحنين إلى ماضي الإمبراطورية، وذلك من خلال حملات تضليله الإعلامي، والتي صورته كالقائد الذي سيقود نهضة روسيا وسيعيد أمجاد الاتحاد السوفييتي، كدولة لها احترامها حول العالم، ولها دورها والذي يكمن في أنها النظير الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية الشريرة.

بوتين لن يترك سوريا، والتدخل الروسي في سوريا لم ينته بعد، ولم يدخل حتى في مرحلة بداية النهاية، بل إنها نهاية البداية وحسب.