هذا المقال بقلم عمرو حمزاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
بين صيف ٢٠١٣ وصيف ٢٠١٦، لم يسجل الوزن السياسي للقوى والأحزاب ذات اليافطات الليبرالية واليسارية سوى هزالا مستمراً.
خلال السنوات الثلاثة الماضية، واصل البعض الالتصاق بالسلطوية الجديدة وقبول فتات الحضور التشريعي والتنفيذي الذي تلقي به إليهم، بينما انسحب البعض الآخر من تأييدها بعد أن تورط في تمكينها من الحكم ومن إطلاق يدها القمعية على المجتمع والمواطن وتحلق تدريجيا حول مواضع "معارضة" و "بحث عن بديل" لم تستقر مرتكزاتها أو تتضح معالمها. غير أن الاختيارين لم يحولا بين الليبراليين واليساريين وبين تراجع الدور وغياب الفاعلية، كما أنهما لم يقللا على الإطلاق لا من السيطرة الشاملة للسلطوية الجديدة على أمور الحكم ولا من انفرادها بإدارة شؤون البلاد دون اعتبار لعدل أو حق أو حرية.
خلال السنوات الثلاثة الماضية تراكمت المظالم دون أن تحد منها مشاركة مهادني السلطوية من الليبراليين واليساريين في المناصب التشريعية والتنفيذية، أو تسبب الانتقادات العلنية للمعارضين ارتفاعا ولو طفيفا في منسوب حذر الأجهزة الأمنية والأجهزة الأخرى من التداعيات السلبية للعصف بسيادة القانون وانتهاك حقوق الناس وحرياتهم. فإذا كان فض اعتصام رابعة قد وقع وفي واجهة المشهد السياسي آنذاك حضور ليبرالي ويساري في مناصب تنفيذية متنوعة (من الرئاسة المؤقتة إلى مجلس الوزراء)، فإن الممارسات القمعية من سلب حرية الآلاف سجنا واختفاء قسريا إلى تعقب الأصوات الحرة في الفضاء العام لم تمنعها بيانات الإدانة والشجب التي أصدرتها القوى والأحزاب المنعوتة بالمدنية.
قد يهمك أيضا: بعد إعلان مصر سداد ديون قطر.. بالفيديو: وائل الأبراشي يبين سبب العجلة بالسداد: أدى لتطاول بعض الأقزام
كذلك، لم ترتب لا مهادنة ولا معارضة السلطوية الجديدة من قبل الليبراليين واليساريين تغيرا حقيقيا في سطوة المكون الأمني على مجمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية منذ صيف ٢٠١٣. كما أن استراتيجيتي المهادنة والمعارضة لم يحدثا تحولا يذكر في السياسات الرسمية باتجاه التزام فعال بقضايا التنمية المستدامة والعدل الاجتماعي والشفافية التي تحتفي بها برامج القوى والأحزاب "المدنية"، ولم يحميا النقابات المهنية (نقابة الأطباء ونقابة الصحفيين كمثالين) والعمالية (المستقلة) ومنظمات المجتمع المدني (غير المستتبعة حكوميا) إزاء اليد القمعية أو الهوامش الصغيرة لحرية التعبير عن الرأي في الفضاء العام من الإلغاء ومرتاديها من التعقب بخليط من الأدوات الأمنية وقرارات "الإسكات والاستبعاد" لرأس المال الخاص المستحوذ على كثير من وسائل الإعلام والمتحالف مع السلطوية الجديدة (حالة السيدة ليليان داوود وما سبقها من حالات مختلفة للإسكات في الصحف والقنوات التليفزيونية الخاصة.)
***
اليوم، لا يستطيع مهادنو ومعارضو الليبرالية واليسار المحاججة الموضوعية بشأن تراجع دورهم وغياب فاعليتهم.
لن تذهب بالمهادنين بعيدا إعادة تدوير حديث "الضرورات الوطنية والمؤامرات المحيطة بمصر" والمقولات المتهافتة عن "مسار تحول ديمقراطي منذ ٢٠١٣" بغية تبرير السلطوية والمراوحة بين إنكار وتجاهل مظالمها وانتهاكاتها.
ويظل الفشل هو المآل المحتوم لمعارضين حاليين يرفضون المراجعة الجادة لخطيئة الخروج على الإجراءات الديمقراطية منذ ثلاثة سنوات ولجذورها التاريخية والمجتمعية الضاربة في عمق تجربة الليبراليين واليسار (مقال السبت الماضي عن النزوع السلطوي للنخب العلمانية في مصر) أو يصرون على مواصلة الترويج لخطاب "خطر الاستبداد الديني" دون إدانة صريحة لواقع الاستبداد الأمني الذي باتت البلاد به وأسفر عن إماتة السياسة بمعانيها التعددية وشاركوا هم في صناعته.
كذلك.. ليليان داود عن ترحيلها من مصر: أبلغوني أنها أوامر جهات سيادية.. وسأبذل كل ما في وسعي للعودة
يظل الفشل أيضا هو مصير معارضين بين صفوف الليبراليين واليسار يناورون بالانفتاح اللفظي على الأفكار القومية المغلقة وعلى أفكار الإصلاح الديني (أو الاعتدال الديني) لمقارعة السلطوية الجديدة في مساحات تستدعيها باستمرار لضمان شيء من التأييد الشعبي (إنقاذ الوطن، حماية الدولة وتماسك مؤسساتها، منع التحاقنا بمصائر الجوار المنهار، الحرب على الإرهاب، مواجهة التطرف الديني)، غير أنها مقارعة تخلو من المضمون الديمقراطي وتعجز عن إرساء مرتكزات مجتمعية وسياسية لمعارضة فعالة ولبديل حقيقي للسلطوية.
دون قراءة موضوعية لحصاد استراتيجيتي المهادنة والمعارضة بين ٢٠١٣ و٢٠١٦، لن يتجاوز ليبراليو مصر ويساريوها متلازمة تراجع الدور وغياب الفاعلية وهزال الوزن السياسي. دون إعادة النظر في خطايا وأخطاء السنوات الماضية، دون توقف عن التحايل بمقولات متهافتة لتبرير السلطوية الجديدة أو باستنساخ أفكار غير ديمقراطية لمنافستها، دون بحث جاد عن برنامج واقعي لصناعة "بديل" (ربما بدائل)؛ سيتواصل استتباع المهادنين وتهميش المعارضين وسيستمر الرفض الشعبي لهم جميعا والعزوف العام عن قواهم وأحزابهم.