القاهرة، مصر (CNN)-- يبدو أن البيان الذي أصدره الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، عن تصريحاته حول "ثلاجة السيسي"، لم يكن كافيا لتهدئة الغضب الشعبي والرسمي إزاء ما وصف بـ"التجاوز الجسيم" في حق مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي.
فبعد بيان مدني، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن "مصر أُحيطت علماً باعتذار أمين عام منظمة التعاون الإسلامي عن موقفة، وسوف تتابع مع المنظمة تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لتصحيح هذا الامر". ثم قال وزير الخارجية سامح شكري، في بيان، إن تصريحات مدني "تجاوز جسيم في حق دولة مؤسسة للمنظمة وقيادتها السياسية، ولا تتسق مع مسؤوليات ومهام منصب الأمين العام للمنظمة، وتؤثر بشكل جوهري على نطاق عمله وقدرته على الاضطلاع بمهام منصبه، وهو الأمر الذي يدعو مصر لمراجعة موقفها إزاء التعامل مع سكرتارية المنظمة وأمينها العام".
قد يهمك.. المعركة الكلامية تتجدد بين إعلاميين مصريين وسعوديين بعد "ثلاجة السيسي"
وأكد شكري مجددا، الأحد، في جلسة بالبرلمان ردا على بيانات عاجلة من أعضاء مجلس النواب حول رد وزارة الخارجية على مدني أن "التصريحات تؤكد أن القائم بها موظف دولي أصبح غير مؤهل للقيام بعمله الدبلوماسي والسياسي، والحكومة المصرية ستولي اهتماما بتطورات هذا الموضوع بما يلبي الإرادة الشعبية".
وكان مدني يوجه كلمته للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، خلال حفل افتتاح مؤتمر وزراء التربية للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو"، الخميس الماضي، ولكنه أخطأ وقال الباجي قايد السيسي، مستدركا: "السبسي آسف. هذا خطأ فاحش، أنا متأكد أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء فخامة الرئيس".
وفي وسط الجدل الذي أثاره مقطع فيديو لتصريحات مدني، الذي سبق أن تولى عدة مسؤوليات إعلامية بالسعودية وشغل منصب رئيس تحرير وصولا إلى وزير الثقافة والإعلام بالمملكة، أصدر الأمين العام للتعاون الإسلامي بيانا بعنوان "توضيح واعتذار".
وحمل الجزء الأول من البيان توضيحا لتصريحات مدني الذي قال إنها جاءت "على سبيل المزاح والدعابة" ولم يقصد توجيه "أي شكل من أشكال الإساءة" للسيسي. فيما جاء في الجزء الثاني من بيانه أنه يتقدم باعتذاره "لكل من رأى في حديثه غير ذلك".
بالفيديو: الوقائع المعلنة في 90 ثانية.. ماذا حدث بين مصر والسعودية؟
ولكن وجد الكثير من المصريين، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الاعتذار ليس كافيا، فيما رأى آخرون أنه لم يعتذر للسيسي مباشرة أو يعتذر عما قاله بل اكتفى بتوضيح ما قاله والاعتذار لمن "رأى في حديثه غير ذلك"، مشيرين إلى أنه يفترض أن يكون على دراية جيدة بصياغة الكلمات بحكم عمله السابق في الإعلام.
وتعليقا على ذلك، قال صفوت على صلاح أستاذ علم اللغة في جامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، إن بيان مدني "يشمل التوضيح والاعتذار، ولكنه ليس صريحا فهو أقرب للاعتذار البروتوكولي".
وأضاف صلاح أن "الدعابة والمزاح مع شخص آخر يكون في وجوده، ولكن في غيابه يكون الأمر أقرب إلى التهكم من المزاح"، وتابع أن السيسي "رمز والتهكم منه يعتبر تهكم من دولة كاملة وشعب كامل".
وعن قول مدني، في البيان، إنه لم يقصد أي شكل من أشكال الإساءة للقيادة المصرية ممثلة في الرئيس السيسي، الذي يكن له احتراما وتقديرا كبيرا كقائد عربي محنك، اعتبر صلاح أنها "شهادة وإبراز للصورة المستقرة في العقلية العربية عن مصر وقائدها".
وقال صلاح: "الكلمات تضيق وتتسع لمعاني كثيرة ولكن يبقى الأثر"، وأضاف أن بيان الأمين العام للتعاون الإسلامي "لا يعادل صدى عبارة التهكم التي أطلقها كونه مسؤول من المفترض أنه تحدث على مستوى مؤسسي وعالمي وليس لقاء وديا لدرجة المزاح".
من جانبه، قال الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب بجامعة القاهرة، إن البيان "يشير إلى اعتذار إياد مدني ولكن من حق الرئيس السيسي أن يقبل أو لا يقبل مثل هذا الاعتذار"، مضيفا أن "هذا الاعتذار يمكن أن يكون مقبولا على المستوى الشخصي ولكن يصعب أن يكون مقبولا من مسؤول يشغل منصبا حساسا لذا كان عليه أن يتصرف كمسؤول".
وأشار حمودة، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، إلى أنه في مصر "نطرح بعض النكات أحيانا، ونسخر من أنفسنا أحيانا، ولكن يتم ذلك في سياق آخر بعيدا عن السياقات الرسمية"، وقال: "أتصور أن المسؤولين الذين يسخر منهم بعض الناس يتفهمون هذا، فتاريخ التنكيت المصري قديم جدا منذ عصر الأسرات الفرعونية الذى عرف فن الكاريكاتير قبل أن تعرفه شعوب أخرى ولكن هذا كله شيء مختلف وله سياقه الخاص به".
وأضاف: "أما خارج هذا السياق فإنه أمر أخر قد لا يمكن الخوض فيه بسهولة ثم الاعتذار عنه بسهولة"، ورأى حمودة أن "السلطات السعودية من ناحية وهذه المنظمة من ناحية أخرى مسؤولان عن إصدار قرارات تناسب مثل هذا السلوك".