رأي: مصر أكبر من أن تدخل في متاهات سياسية ومكايدات.. ولا مخرج للعالم العربي إلا بها

الشرق الأوسط
نشر
10 دقائق قراءة
رأي: مصر أكبر من أن تدخل في متاهات سياسية ومكايدات.. ولا مخرج للعالم العربي إلا بها
Credit: STR/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم طارق فهمي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

القاهرة، مصر (CNN)-- تنبري من آن لآخر بعض الأقلام للهجوم غير المباشر على مصر، وإظهار مصر وكأنها تسعي لقيادة وريادة المنطقة وهي غير أهل لهذا في وقت يربط البعض هدف التوجه المصري نحو القيادة العربية، وبين الهروب من الواقع الراهن في ظل تحليلات وتفسيرات وتقييمات خاطئة تكشف عن عقدة مصر لدي الكثيرين من الذين تعلموا واختبروا الحياة على أيدي المصريين الذي لم يمنوا علي أحد ومع ذلك يذكرنا البعض بما آلت إليه الأوضاع في مصر..

أحدد بعض النقاط على الحروف...

1. مصر ليست دولة عابرة في الإقليم أو في العالم بل هي لمن يعلم دولة محورية وتحتل مساحة كبيرة في الاستراتيجيات الدولية وليست مجرد نقطة على الخريطة أو مجرد دولة تابعة أو مريضة أو مغشي عليها لكي يتصارع على دورها من يظنون أن الدور والتوجه يمكن أن يعبر عنه مصرف دولي أو قناة فضائية. والواقع  أن مصر أكبر من أن تدخل في متاهات سياسية ومكايدات من أي نوع  برغم أن البعض يريد جر مصر والمصريين إلي معارك وهمية لا طائل من ورائها سواء بعرض فيلم تافه أو الانفتاح علي دولة تناكف مصر أمنها القومي وتخطط للسطو على حقوقها الوطنية، برغم أن مصر وحتي الوقت الراهن  تلتزم بالمعايير والاتفاقيات فإن البعض تصور أن ملف الأمن المائي لمصر وجيرانها من دول الحوض بات في يد الآخرين وأن مصر دولة ضعيفة وهذا غير صحيح وغدا سيعلم المكايدون أن مصر أكبر من أن تخنق من سد أو يسطو علي حقها دولة وما زال القرار المصري يخطط له في هدوء ولدي مصر بدائلها. وبرجاء ألا يتحدث البعض عن الخيارات الصعبة والواقعية لمن ظن أن مصر ستقف تتفرج عن الذين يناصبون مصر العداء ويتجاوزن كل خطوط الطيف، وغدا سيعلمون.

2. لم تطلب مصر القيادة ولا الريادة وفي المقابل طلبها وسعى إليها من ظن أن الدور يمكن أن تحدده أي وحدة سياسية من منطق اشتباكها مع العالم فدبلوماسية الدولار لا يمكن أن ترسم سياسة أو تقيم توجها أو تضع للدولة مكانتها بين الأمم ومصر التي لم تتوقف أمام من أحبط فكرة القوة العربية المشتركة هي نفسها التي قبلت أن تدخل ضمن التحالف العربي لاستعادة الشرعية لأول مرة في تاريخنا العسكري وتحت قيادة جيش لم يحارب ولم يختبر من قبل ومع جيش دخل عشرات الحروب ومصنف دوليا بأنه ضمن أفضل جيوش العالم وفقا لتقسيم جلوبال فاير الأخير وتقرير راند الاستراتيجي وسيبري، وبالتالي فإن مصر لم تطلب زعامة ولم تبحث عن قيادة لأنه ببساطة حقائق التاريخ ومعطيات السياسة تؤكد أن الأمم الكبيرة مثل مصر لا تتوقف عند من حاول ويحاول خطف الدور المصري.

3. إن عقدة مصر من قبل بعض النخبويين العرب يجب أن تُراجع ويعاد النظر في ما يكتبون ويرون ويتوقفون أمام قدرات مصر وإمكانيات مصر والتي هي ليست فقط قدرات المال والاقتصاد والاستثمار فقط بل هي قدرات حضارية بمعني الكلمة والتي تضع مصر -ومصر وحدها- في مصاف الأمم العظمي تاريخياً، ودعوا ما يردده البعض من الكتاب العرب من مسلسل الانتكاسات، والواقع الذي يعيشه المصريون، في الوقت الراهن برغم التأكيدات الدولية الصادرة عن بيوت الخبرة الدولية أن مصر بلد واعد وأنها تمتلك كل المقومات للانطلاق، وأن الأمر في حاجة لإرادة سياسية مباشرة ليس أكثر لكي تبدأ مسارها الاقتصادي الواضح والمتماسك.

4. لم يكن مطلوباً من مصر أن تدخل الحرب بديلاً عن أحد أو دعما لجيش في أي مسرح عمليات، ولكن كان مطلوباً من مصر أن تدرب جيوشاً عربية، وهو ما جرى ويجري في بعض الدول العربية الشقيقة كما كان مطلوباً من مصر ولاعتبارات أمنية وسياسية واستراتيجية، أن تقوم بمناورات مشتركة مع بعض الدول العربية ولم يقتصر الأمر علي دول الأشقاء في السعودية والإمارات وقطر والبحرين بل وامتد إلي الأردن مؤخراً والرسالة أن مصر ليس لديها أي حساسيات تجاه أي دولة عربية بالاسم وأن مصر لا تبيع الأمن والاستراتيجية مقابل الاقتصاد والمساعدات، وهو ما لم يتفهمه البعض وظنوا أن رسائل الدعم الاقتصادي ستلغي القرار الوطني أو تحول مصر إلي كيان هش ليس فيه قضاء عريق ونخبة قوية ومجتمع متماسك يمكن أن يتنازل أو يقدم شيكا علي بياض لأحد.

5. نعم لا مخرج للعالم العربي إلا بمصر القوية القادرة على لم الشمل وإجراء توافقات في الإقليم وليس فقط إطفاء الحرائق كما يتصور البعض، ويرى أن القاهرة ستضع يدها في يد الإدارة الأمريكية القادمة، وسيكون ذلك على حساب بعض الدول العربية وهذا تصور خاطئ ولا تفكر فيه القاهرة وليس معنى الترحيب الأمريكي من قبل إدارة ترامب بالتعامل مع مصر والأردن باعتبارهما حليفين مركزيين أن تتوافق السياسات المصرية مع الولايات المتحدة في سائر الملفات، خاصة وأن أغلب الدول العربية تعاني من أزمات حقيقية لا داعي للخوض فيها ولكن من الواضح أن الإدارة الأمريكية ستتبع مبدأ النفقة والتكلفة والعائد في مجمل سياستها، وأن منطقة الخليج العربي لن تكون بمنأى عن توجهات أمريكية ستكون عاجلة وهو ما يدركه الجميع ويرتبون له عبر مؤسسات وشركات إعلامية في الدوائر النافذة في الولايات المتحدة والتي فشلت في مواجهة ما جرى قبل وبعد إقرار قانون "جاستا". أما إيران فإنها هي الأخرى لديها هواجسها من الرئيس ترامب وتزايد الضغوط الإسرائيلية لعرقلة تنفيذ الاتفاق النووي والضغط على الولايات المتحدة للخروج من الاتفاق أو تجميد دورها.

6. نعم لمصر خطابها السياسي والإعلامي الواضح الذي يسلم بأركانه ملايين المصريين الذين ما زالوا يروا في قيادتهم الأمل لبناء مصر الجديدة والتي لن تبنى إلا من خلال سواعد مصرية واعتماداً على قدرات وطن وأمة بحق وليست مجرد أمنيات وطموحات، لمن ظن أن عسكرة السياسة يمكن أن يكون حلاً والدخول في كل صراعات الإقليم مدخلاً مهماً ومطلوباً لبناء القيادة والريادة الجديدة، وهو وهم عاجز وفاشل ولا معنى له لأنه لا يرتكن على أسس أو بُني على استراتيجيات حقيقية، وإنما هي كلها اجتهادات صاغها مسئولون أجانب لا علاقة لهم بالداخل الوطني، ومن ثم فإن الحديث عن استراتيجيات لآجال بعيدة ليست حلاً في ظل صراعات وتراكمات يعلمها الجميع ولا يريد أن يتحدث عنها أحد اكتفاء بالصورة الراهنة، وفي مقابل قدرة مصر المنيعة ومناعتها الوطنية التي جعلتها تتماسك وتستمر وتؤدي دورها الحضاري والقيادي، وفي ظل نخبة وطنية تتفق وتختلف، ولكنها في النهاية تبني حوائط صد ضد كل من يتجاسر على مصر أو شعبها أو قيادتها وتؤكد في كل الملمات أن مصر كبيرة بحق، وحينما تختار سياستها وتوجهاتها فإنها تمارس السياسة جهاراً نهاراً وليس من خلف الكواليس أو من خلال لقاءات توصف بأنها غير رسمية مع دولة مفترض أنها العدو الصهيوني.

7. لا نريد أن نخلط الأمور ونضع إسرائيل في مصاف إيران ولكن لابد من الإشارة إلى أن الخطر واحد من هذه الدولة وتلك، ولكن مصر لم تستأنف علاقاتها مع إيران حتى الآن برغم مطالبة قطاع عريض من النخبة السياسية المصرية بذلك وظلت العلاقات في إطارها وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية المصري سامح شكري مؤخراً في حوار المنامة الاستراتيجي، والرسالة أن مصر ليست في دائرة الاختيار بين الأشقاء وبين غيرهم. وتبقى الدول العربية والخليجية في قلب دائرة صنع السياسات الوطنية المصرية وأن الأمن القومي المصري يتكامل مع متطلبات الأمن القومي الخليجي وأن مصر ستدافع عن أمن الخليج إذا تطلب الأمر تدخلاً مصرياً محسوباً ولن أضع الأشقاء جنباً إلى جنب مع إسرائيل في مناصبة إيران العداء والتوجس والمخاوف غير المعلنة برغم كل ما يجري ويشير لتقارب في هذا الإطار حيث تتحدث لغة المصالح وليست الأيديولوجيات التاريخية.

قول واحد: لا تزال مصر تمد يدها إلى كل الأشقاء ولا تبحث عن دور ولا تريد أن تكايد أحد ولا تناصب أحد العداء، فأخلاقيات هذا الشعب وتوجهات قيادته الوطنية تدفع بضرورة البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع لا أن تفرق توحد لا تقسم.