دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عندما صعدت مراسلة CNN صوفي جونغ، على متن طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة من مدينة هونغ كونغ، بهدف زيارة عائلتها وقضاء فترة الأعياد، كانت تدرك أن رحلة عودتها لن تكون سهلة. لكنها لم تتوقّع ظهور متحوّر جديد من فيروس كورونا، وإرسالها إلى معسكر حجر صحي حكومي في المدينة نتيجة ذلك.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، كانت جونغ مستعدّة للخضوع لحجر صحي إلزامي مدّته 21 يومًا في غرفة فندق، عند عودتها إلى هونغ كونغ، وهي إحدى الأماكن القليلة في العالم التي لا تزال تتبنّى نهج "صفر كوفيد".
ولتحقيق هذه الغاية، فرضت المدينة إجراءات مراقبة الحدود والحجر الصحي التي تُعد الأكثر صرامةً في العالم، حتّى قبل ظهور "أوميكرون".
في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، وقبل 5 أسابيع من رحلة العودة، أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) أنها صنّفت سلالة فيروس كورونا الجديدة المُكتشفة حديثًا في جنوب أفريقيا، "أوميكرون"، بأنّه متحوّر مثير للقلق.
وأدّت المخاوف بشأن "أوميكرون" إلى إثارة موجة جديدة من قيود السفر في جميع أنحاء العالم، ضمنها هونغ كونغ.
وقبل 3 أسابيع من الموعد المقرّر لعودة جونغ من الولايات المتحدة، أعلنت حكومة هونغ كونغ أنها ستفرض إجراءات الحجر الصحي "الأكثر صرامة" على المسافرين الآتين من الولايات المتحدة، بعد ثبوت إصابة مسافر واحد فقط بـ"أوميكرون".
وعليه، اضطرّت جونغ قضاء أول 4 أيام من الحجر في مركز الحجر الصحي الحكومي بدلاً من الفندق الذي حجزته بالفعل.
ويقع معسكر الحجر الصحي التابع لحكومة هونغ كونغ في خليج "بينيس"، بعيدًا عن وسط المدينة، ويستضيف الأشخاص الذين كانوا على اتصال وثيق بحالات "كوفيد-19" المؤكدّة، وأولئك الذين يصلون من الدول المصنّفة "عالية الخطورة"، حيث تم اكتشاف حالات "أوميكرون" منها في هونغ كونغ.
لا يمكنها توقّع ما ينتظرها، فلجأت جونغ إلى HK Quarantine Support Group على موقع "فيسبوك"، وهي منصّة ضخمة يشارك فيها الجمهور مع موارد لهونغ كونغيين يسافرون إلى الخارج أثناء الجائحة.
ونشر العديد من الأشخاص على المجموعة عن تجربة حجرهم سابقًا في خليج "بينيس".
واقترحوا نصائح مثل تنزيل برامج Netflix المفضلة، وإحضار أدوات مثل محوّل لاسلكي لشبكة الـ"واي فاي"، وسلك تمديد، إلى كميّات من الطعام، وغيرها.
أول يوم
وهبطت طائرة جونغ في مطار هونغ كونغ الدولي في 2 يناير/كانون الثاني.
وبعد مغادرة الطائرة، اضطرّت جونغ إلى تقديم رمز الاستجابة السريعة الذي حصلت عليه بعد ملء نموذج بيان صحّي، والتحقق من رقم هاتفها، والحصول على أمر بالحجر الصحي، وإجراء مسحة من الأنف والحنجرة.
ثم طلب منها انتظار نتيجة الاختبار الخاصة بها في مكان محدّد قبل التّمكّن من استلام أمتعتها، والصعود إلى مركبة نقلتها مع 5 ركاب آخرين إلى خليج "بينيس". فانتظرت 3 ساعات ونصف الساعة.
وبعد عبور العديد من البوابات الخضراء، مرّت المركبة أمام صفوف من المباني الملوّنة المكوّنة من طابقين بدت أشبه بحاويات شحن مكدّسة، قبل توجيههم إلى مكتب الاستقبال.
وقام الموظفون الذين ارتدوا أغطية رأس وأردية زرقاء، ودروع واقية للوجه، وكمامات، وقفازات بتعيين جونغ في إحدى الوحدات.
ويطلق بعض النزلاء على الموظفين لقب "اللؤماء الزرق"، لكن جونغ أشارت إلى أنهم كانوا ودودين ولطفاء جداً، لكنهم ذكّروها أنه في حال خرقها لأمر الحجر الصحي، فستخضع للسّجن لمدّة أقصاها 6 أشهر، وتغرّم بمبلغ قدره 3,200 دولار تقريبًا.
الحياة في معسكر حجر صحي حكومي
وذكّرت الغرفة الصغيرة في المعسكر جونغ بغرفتها الجامعية القديمة.
وتضمّنت الغرفة سريرين مفردين مع مراتب رقيقة، ووسادة إسفنجية صلبة، ولحافاً، وطاولتين صغيرتين، بالإضافة إلى تلفزيون صغير، وغلّاية كهربائية، ومجفّف شعر، وكرسيّين بلاستيكيّين قابلين للطي، فضلًا عن خزانة مصنوعة من القماش، وطاولة جانبيّة، ومُكيّف، وسخّان ماء.
سُمح لجونغ بفتح نافذتها لاستلام الطعام، والضروريات الأخرى التي تم توصيلها، أو لاستنشاق الهواء النقي.
وكانت تحصل على 3 وجبات يوميًا وضعت داخل أكياس بلاستيكية، توضع على صينية خارج نافذتها كي تأخذها.
ومن خلال تلك النافذة نفسها، قام الموظفون بمسحات الأنف والحنجرة كجزء من متطلبات اختبار "كوفيد-19" اليومية.
وكان من الممكن توصيل الأشياء من قبل العائلة أو الأصدقاء، لكن لم يكن ذلك بالأمر السهل.
وبغية الحصول على حزم الرعاية، يتوجب على المُوصل التقدم بطلب يحتوي على قائمة كاملة وصور للمحتويات، قبل 24 ساعة للحصول على الموافقة، أو عليهم ملء استمارة عند الوصول.
وكان محظورًا إدخال الكحول والسجائر.
وفي آخر يوم لجونغ، جاء العاملون الصحيّون في الصباح لفحصها.
وبعد أخذ العينة، اضطرّت جونغ الانتظار في الغرفة حتّى أبلغت إدارة الصحة المعسكر أنه تم تصريح نقلها إلى الفندق الذي حجزته.
ثم اضطرّت جونغ الانتظار مرّة أخرى حتّى أخبرها أحد الموظفين أنّه في وسعها مغادرة غرفتها، وتسجيل المغادرة، وركوب المركبة التي حُددت لها.
وساعدها الموظفون في تحميل أمتعتها في المركبة التي نقلتها إلى فندقها للخضوع لـ17 يوماً إضافياً من الحجر الصحي.
لكن بشكل عام، ورغم تناولها وجبات مشابهة للتك المقدمة على متن الطائرات، والنوم على سرير غير مريح، والقلق بشأن كون إحدى نتائج اختبارات "كوفيد-19" اليومية التي أجرتها إيجابية، لم تكن إقامتها في خليج "بينيس" سيئة كما توقّعت.
ومكثت جونغ هناك لـ4 أيام فقط، على عكس الذين كانوا على اتصال وثيق بحالات كورونا، الذين يضطرون إلى قضاء 14 يومًا (21 يومًا سابقًا) في المعسكر.
تأملات نهائية
وبدت مثل هذه الإجراءات الصارمة وكأنها كلفة مُجدية للعيش في مدينة خالية من "كوفيد-19"، مع عدم وجود حالات محلية لإصابات فيروس كورونا منذ 3 أشهر تقريبًا.
لكن هذا الأمر لم يستمر، وذلك عندما أكّدت السلطات تسجيل إصابتين محلّيتين بمتحوّر "أوميكرون"، أواخر ديسمبر/كانون الأول، متصلتين بأحد أفراد طاقم طيران "كاثي باسيفيك".
وكان أحد أفراد الطاقم الأربعة في "كاثي باسيفيك" انتهك قاعدة العزل المنزلي لمدة 3 أيام المفروضة على طاقم الطائرات العائدين من الرّحلات الخارجية، ما يدل على أنه حتى مع سياسات احتواء "كوفيد-19" الصارمة، يمكن لثغرة واحدة أن تؤدي إلى تفشّي المرض، خاصةً مع متحوّر "أوميكرون" السريع الانتشار.
وبقدر ما يبدو الأمر جنونيًّا، شعرت جونغ بأنها محظوظة لأسباب متعددة.
فبعد 3 أيام فقط من وصولها، حظرت هونغ كونغ رحلات الركاب الواردة من 8 دول لمدة أسبوعين، بينها الولايات المتحدة.
وكان سعر الدخول إلى البلاد باهظًا جدًا.
بدءًا من تكلفة فندق الحجر الصحي الخاص بها، وخسارة إيجار شقتها، إلى دفعها رسوم الأمتعة الزائدة بهدف إحضار العناصر الضرورية للحجر الصحي، ما أدّى إلى ارتفاع هذه النفقات بسرعة.
ولا يتعلق الأمر بالمال فقط، إذ أشارت جونغ إلى أنّ الوقت الذي أضاعته خلال مرحلة العزل، والأضرار التي لحقت بصحتها الجسدية، والعقلية، وحياتها الاجتماعية، لا تُحصى.
وعلاوةً على ذلك، لن تنخفض تلك التكلفة في أي وقت قريب، وهي ليست متأكدة من عدد المرات التي يمكنها فيها تحمّل هذا الأمر.