هل يجب أن تكون الروحانية جزءاً من عيادة الطبيب؟

علوم وصحة
نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قادت أسئلة الحياة الكبيرة الأستاذة السريرية المشاركة في الطب بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، الدكتورة فيكتوريا سويت، إلى مهنة في مجال الطب.

وقالت سويت، وهي الآن مؤلفة الكتب الأكثر مبيعاً: "جذبني الطب لأنني شعرت أنه يتعلق بأهم شيء يمكنك القيام به".

وكطبيبة، اعتنت سويت بالأشخاص خلال أصعب لحظات حياتهم، أو أكثرها بهجةً.

ولكن خلال مسيرتها المهنية في الطب، قالت سويت إنها شاهدت المجال يتآكل بسبب التركيز المتزايد على الكفاءة والربح.

ووجدت دراسة أُجريت عام 2017 أن الأطباء يقضون الآن أكثر من نصف وقتهم في مهام ليست وجهًا لوجه مع المرضى.

وشهدت سويت تحولًا من الطب الأكثر شمولاً، والمتجذّر في العناية، إلى صناعة تتعامل مع الرعاية الصحية كسلعة.

ورأت سويت أن الأمر الأساسي يتعلق بخلق مساحة لعلاقة حقيقية بين شخص وآخر في الطب، وقالت: "جوهر ما يدور بين الطبيب والمريض عميق جدًا"، مؤكدة: "تلك المساحة بالنسبة لي تبدو مقدّسة".

وفي المؤتمر السنوي العاشر للدين والطب هذا الشهر، ستُلقي سويت محاضرةً بعنوان "مساحة لما هو مُقدّس في رعاية المرضى".

ويسلّط المؤتمر الضوء على الدراسات التي تركّز على تقاطع الرعاية الصحية والدين، بما في ذلك بعض المنظمات التي تجادل بأنه يجب علينا إفساح المجال لما هو مُقدّس، وروحاني أيضًا، في مكاتب الأطباء.

عندما كانت الرعاية الصحية عبارة عن رعاية روحية

وقال الأستاذ الفخري للتاريخ في جامعة "ولاية أوريغون"، غاري فيرنغرين، الذي يدرس تاريخ الطب والدين: "الطب الحديث علماني"، وشرح قائلاً: "منذ أواخر القرن الـ 19، تطوّر (الطب) بسرعة كبيرة من ناحية عزل نفسه عن أي قيم دينية أو روحية".

وكتب فيرنغرين أنه خلال غالبية مراحل تاريخ البشرية، استخدمت المجتمعات الأُطُر الدينية لفهم معنى المرض والألم.

ويمكن أن يُعزى المرض لأسباب مثل لعنة سحرية، أو عقاب إلهي، واستبدل الفهم الأكثر حداثة للمرض تلك الآراء تدريجيًا.

ولكن كَتَب فيرنغرين أن الوجود التاريخي للدين في غرف المرضى يوفّر أيضًا للمرضى أدوات للتعامل مع أسئلة لا تزال ذات صلة في القرن الـ21.

وفي وقتٍ كانت فيه الرعاية الصحية والدين أكثر توافقًا، لم يكن المريض يتلقى الدواء فقط عند استشارة الطبيب، بل المواساة الدينية، والراحة، والمعنى أيضًا.

دعوة الرعاية الروحية إلى غرف الإستشارات

وفي الواقع، يرغب العديد من المرضى في مناقشة الأمور الروحية مع مقدمي الرعاية الصحية، ووجدت إحدى الدراسات أن 83% من المرضى يرغبون من الأطباء أن يسألوا عن معتقداتهم الروحية، وخصوصًا عند مواجهتهم أمراضًا تهدد حياتهم، وحالات طبية خطيرة، ومُفجعة.

ويُعرّف الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد الروحانيات والصحة في "مركز تكساس الطبي"، وهو من رعاة مؤتمر هذا الشهر، الدكتور جون جراهام، الروحانية على أنها "قدرتنا الفطرية على الاتصال، والتواصل مع الآخرين، وبيئتنا، واللغز المتسامي، ونفسنا الحقيقية، والعميقة".

ومثل سويت، يرى جراهام أن تركيز الطب الحديث على الكفاءة يتجاهل تلك النظرة الأوسع لرفاهية المرضى، واحتياجاتهم الروحية، والدينية أثناء المرض.

وتُعرف تلبية هذه الاحتياجات بالرعاية الروحية، وهي أمر لا يمتلك غالبية الأطباء التدريب الكافي للقيام به، وفقًا لما ذكره جراهام.

وعند العمل مع طلبة الطب اليوم، يشارك جراهام أسئلة قد تفتح الباب لمحادثة أعمق مع المرضى، إذ قال: "يمكنهم أن يسألوا:" في الماضي، عند خوضك مشكلة صعبة، أين وجدت القوة للتغلب عليها؟".

يمكن للملحدين حتّى مواجهة "ضائقة روحية"

وثبت أن الضائقات الروحية مرتفعة بشكل خاص عند المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة، ومعالجتها أمر بالغ الأهمية في حالة الرعاية التلطيفية، بحسب ما ذكرته الطبيبة كريستينا بوتشالسكي، وهي مؤسسة معهد "جورج واشنطن" للروحانية والصحة.

وترتبط التدخّلات الروحية لمرضى السرطان، المعرضين بشكل خاص للضائقات الروحية، بانخفاض الاكتئاب، والقلق، واليأس، وفقًا لتحليلٍ تلوي من عام 2018.

ولكن عندما يتعلّق الأمر بقياس التأثيرات، تعتقد بوتشالسكي أن الأبحاث السريرية في الرعاية الروحية تتمتّع بمجال كبير للنمو، فهي عبارة عن "مجال جديد وقادم نسبيًا"، بحسب ما ذكرته.

كما أنها أضافت: "عندما يتعلق الأمر بالنظر إلى الضائقات الروحية كمؤشّر سريري، نحن نشارك الآن في محاولة بناء هذا المجال من البحث".

هل يواجه العالم أزمة من الضائقات الروحية؟

وعلى مدى العامين الماضيين، أشارت بوتشالسكي إلى أن جائحة "كوفيد -19" أدّت إلى زيادة الاهتمام بمجال الرعاية الروحية.

وفقد الملايين من الأشخاص أحباءهم، وشاهد مقدمو الرعاية الصحية وفاة المرضى في وحدات العناية المركزة بالمستشفيات دون تواجد أفراد أسرهم، كما تعامل الناس في جميع أنحاء العالم مع أسئلة حول الموت.

ورغم أن الأبحاث المتعلّقة بتداعيات "كوفيد-19" لا تزال جديدة، إلا أن إحدى الدراسات في كرواتيا وجدت أن الجودة الروحية للحياة ارتبطت بتحسين نتائج الصحة العقلية والاستقرار العاطفي في ظل الجائحة.

وبالنسبة لمقدمي الرعاية الصحية، يمكن أن يُحدِث قضاء بعض الوقت في النظر إلى الداخل فرقًا أيضًا، بحسب ما ذكرته بوتشالسكي، والتي أطلقت برنامج تطوير مهني يسمى "Reflection Rounds" صُمم لمساعدتهم في القيام بذلك.

ولكن لا يتعلق تأثير "كوفيد-19" على الرفاهية الروحية بالضيق والوهن فقط. وقالت بوتشالسكي إنها ترى أيضًا مجالًا للتغيير الإيجابي مع بحث الناس في جميع أنحاء العالم عن حلول للمشاكل التي أبرزتها الجائحة، وهي تأمل أن يحفّز هذا النمو مع تطلّع العالم إلى المستقبل.

نشر