دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قد يبدو التوقف عن اتباع الحميات الغذائية، وتعلّم كيفية قبول جسدك كما هو، بمثابة أمر رائع، لكنّه ربما أشبه بقصة خيالية.
لذا، كيف يمكنك التحكم بطريقة تناولك للطعام من دون احتساب السعرات الحرارية؟ وكيف تتوقّف عن التخطيط لليوم الذي تكون فيه أنحف؟ وكيف تستيقظ يومًا ما من دون أن تلاحقك أفكار الخجل التي تسكنك بسبب شكلك؟
وترى بري كامبوس، مدربة صورة الجسد التي تأخذ من مدينة باراموس، في ولاية نيو جيرسي الأمريكية، مقرًا لها، أنّه أمر صعب. وأشارت إلى أنّ الهدف قد لا يكون الاحتفال الكامل بجسمك أو تحرير نفسك من كل الأفكار السلبية حول الوزن المترافق مع ثقافة النظام الغذائي. وقد يعني ذلك مجرد إحراز تقدم نحو الشعور بقدر أقل من الخجل أو النقد الذاتي.
وأفادت الجمعية الوطنية لاضطرابات الأكل أنّ ثقافة الحمية الغذائية تعززها الرسائل المُجْتَمَعيّة واسعة النطاق القائلة بإنّ الأجسام النحيفة أفضل، والأجسام الضخمة مخزية، وأنّ تقييد الأكل يُعد مفتاح الجسم "المقبول". وهذه الرسائل تضر بالأشخاص ذات أنواع الأجسام المختلفة، لا سيما إذا نُظر إليها على أنها قد تشجع على اضطرابات الأكل وتجعل التعافي من تلك الاضطرابات أكثر صعوبة.
ويُعتبر الوعد بالحصول على الجسم المثالي والحفاظ عليه، أشبه بالدوران في حلقة مفرغة، ذلك أنّ هذا الأمر يتبعه فقدان الوزن بشكل كبير خلال فترة قصيرة، لكن يستعيده الشخص مجددًا. وبحسب دراسة أجريت في عام 2017، فإن التغييرات البطيئة والمستدامة أكثر نجاحًا.
وأشارت كامبوس إلى أنّ هناك عدة طرق للتخلّص من ثقافة النظام الغذائي. وأضافت أنّ الآلية تختلف من شخص لآخر، لكنها قد تساعد على إيجاد مجتمع يحتضن أشخاصًا آخرين لديهم أهدافًا مماثلة.
وفي ما يلي قصص سيدات حاولن رفض ثقافة النظام الغذائي، وما اكتشفنه خلال مسارهنّ.
الخلط بين الشخصي والمهني
وبدأت شانيا بالّونيه بالتشكيك في تجربتها مع ثقافة النظام الغذائي بعدما سخر طبيبها من جسدها خلال أحد المواعيد. وكان يصعب عليها أن تكون مريضة ضمن نظام طبي تسبّب لها بضرر كبير. وقالت بالّونيه: "أتعرّض للأذى بشكل متكرّر من قبل مقدمي الخدمة الذين لا يرون في شخصي أكثر من الوزن الذي يقيسه الميزان".
لكنّ بالّونيه، التي تعيش في مدينة هيوستن، بولاية تكساس الأمريكية، تعمل كممرضة أيضًا. وقالت إن وظيفتها تطلبت منها تقييم وزن المرضى لديها، وتحديد ما إذا كانوا يعانون من السمنة المفرطة في سجلاتهم الطبية وتعليمهم أساليب اتباع النظام الغذائي عينها التي كانت تحاول التخلص منها شخصيًا.
وتُشير بالّونيه إلى أنها تسأل نفسها باستمرار: "كيف أتجاوز مركز الرعاية، وأقدم رعاية جيدة، وما زلت أعمل على تفكيك بعض الطرق التي ما برحت ثقافة النظام الغذائي منغمسة فيها؟".
وللحصول على إجابة قامت ببحث أظهر لها أن اتباع نظام غذائي هو أمر غير فعال، وأكدت أنها تستطيع العيش بصحة جيدة وتقديم الرعاية من دون خجل.
وساعدها التعرّف على الأكل الحدسي، أي فلسفة الأكل التي تعتمد على الجوع الطبيعي للجسم وإشارات الشبع، في مساراتها الشخصية والمهنية.
وتعمل بالّونيه الآن على مساعدة مرضاها لتحقيق أهدافهم الصحية بطريقة لا تمنعهم من تناول الأطعمة التي يحبونها أو تجعلهم يشعرون بالفشل. وتدرك أنها رغم تأثيرها الكبير على مرضاها، إلا أنّ عليها تقبّل أنها لا تستطيع إنقاذ الجميع من ثقافة النظام الغذائي.
مجتمع خال من ذهنية النظام الغذائي
وبدأت أماندا ميتمان، اختصاصية تغذية مسجلة في أمهيرست بولاية ماساتشوستس الأمريكية، بالابتعاد عن ثقافة النظام الغذائي بعد ولادة ابنها. وقالت إنها لم تستطع الالتزام بطريقة مقيدة لتناول الطعام كأم جديدة، لكنها ما زالت تشعر بالخجل بسبب الوزن الذي لم تفقده بعد الولادة.
وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها ميتمان، تتمثل بالتعرف على ثقافة النظام الغذائي من حولها، عبر وسائل الترفيه في الإعلانات، وحتى من خلال الأحاديث مع الأصدقاء والعائلة.
لكنّ هذا لا يعني أنها مستعدة للتخلي عن اتباع نظام غذائي وتقبّل جسدها تمامًا. ولطالما قدمت لها الأنظمة الغذائية حلاً سحريًا: أنقص الوزن ويمكنك الحصول على كل ما تريده. لذا كان مخيفًأ التخلي عن هذا الحلم واحتمال زيادة وزنها بدلًا من خسارته، والعيش على نحو مختلف.
انعكاس الجسم على المرايا
وبعد سنوات بفريق التجديف الجامعي في الكلية، ومحاولة تشكيل جسدها بما يتناسب والتوقعات، وجدت ساندرا ثيز نفسها ضائعة قليلاً من دون اتباع نظام غذائي صارم وتمارين روتينية.
وقالت إنّ "الطريقة الأسهل تتمثّل باتباع نظام غذائي آخر لتقييد تناولك للطعام"، مضيفة أنها "الطريقة السهلة للشعور بأنك تتحكم بالأمر".
وأوضحت أنّ الكثير من الرغبة بالسيطرة على جسمها ستتبدّى على الأسطح العاكسة، أكانت نوافذ مرت بجوارها، أو مرايا الحمام في عملها أو منزلها، لمعرفة ما إذا كانت بحاجة إلى تمرين أو إذا كان يمكنها تناول كمية إضافية على العشاء. وهذا الأمر أدى إلى أن تُقضي الليالي وهي تحدّق في السقف، والتفكير في ما يمكنها القيام به على نحو أفضل للاقتراب من جسمها "المثالي".
وثيز، التي أصبحت مستشارة حدسية لتناول الطعام في كيلونا، كولومبيا البريطانية، حاليًا، اكتشفت بالكلية مفهوم أن يكون الشخص في سلام مع جسمه ومع ما يتناوله من طعام. وتذكرت ذلك بعد أربع سنوات، وشعرت أنها لا تزال تتعلم كيفية التحرك بطريقة تشعر فيها بالرضا، وكيف تأكل ما يحتاجه جسمها، وكيف تقف أمام انعكاس صورتها من دون أن تبتعد عنها. وعليه، أصبحت المرآة بمثابة جزء من حلها.
وأوضحت ثيز أنّها تمنح نفسها الإذن لبذل قصارى جهدها للحفاظ على حديثها الذاتي إيجابيًا.
وقالت: "أفكر في جسدي وطعامي كثيرًا، لكن الصوت الذي أستخدمه قد تغير حقًا. إنه يجعلني أشعر بالثقة والتمكين بدلاً من الانهيار".
الكتابة جزء من التعافي
اعتقدت داني براينت أن تجربتها مع جسدها ستهدّد أحلامها الإبداعية، لكن اتضح أنها وسيلة لتحقيقها.
وعندما كانت طفلة شغوفة بالمسرح، سمعت براينت رسائل مماثلة من مديريها ومعلمي الكورس ومصممي الأزياء: أنتِ موهوبة جدًا، لكن يجب أن يكون جسمك أنحف إذا كنت ترغبين بتحقيق أحلامك.
وكانت حينها تبلغ من العمر 9 سنوات فقط عندما ظهرت عليها علامات اضطراب الأكل لأول مرة. وأصيبت بفقدان الشهية بحلول السنة الثانية من دراستها الجامعية.
وأوضحت أن الكتابة كانت جزءًا من تعافيها، إذ طوّرت شركة مسرحية في مدينة شيكاغو الأمريكية، تتمحور حول تجارب مشاكل الجسم واضطراب الأكل. ووجدت أنّ الدعم الذي تلقته كان مفتاحًا لتطوير علاقتها بجسمها.
ولفتت إلى أنّ "رحلة التعافي كانت من خلال مشاركة التجربة الحية، وبناء المجتمع من حولها، والتخلص البطيء من هذه الثقافة".
لكنّ، تمثلت إحدى اللحظات الكبيرة في رحلة التعافي لبراينت عندما ذهبت مع والدتها إلى جزيرة إليس في مدينة نيويورك الأمريكية، ووجدت صورة صورة لجدتها، واكتشفت أن شكل جسمها كان مماثلًا لها ولوالدتها. فأدركت أنّ جسمها نتيجة الوراثة والعائلة.