دراسة: الألزهايمر والتصلب العصبي تركة من الإنسان القديم.. كيف؟

علوم وصحة
نشر
8 دقائق قراءة
240111073119-03-ancient-dna-ms.jpg
جمع الباحثون الحمض النووي من عظام البشر القدماء وأسنانهم لفهم الجذور الوراثية للأمراض المعاصرة بشكل أفضل.Credit: Sayo Studio

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قام علماء بتجميع أكبر قاعدة بيانات للحمض النووي القديم استنادًا إلى عظام وأسنان نحو 5000 إنسان عاشوا في جميع أنحاء أوروبا الغربية وأجزاء من آسيا الوسطى، منذ 34 ألف عام حتى العصور الوسطى.

يشير تحليل هذه المجموعة من المعلومات الوراثية القديمة المفصّلة على نحو فريد إلى أن الجينات التي ربما كانت تحمي الصيادين وجامعي الثمار في عصور ما قبل التاريخ، أو رعاة العصر البرونزي من مسبّبات الأمراض الضارة، قد تزيد اليوم من خطر الإصابة بالأمراض التنكسية العصبية مثل التصلّب المتعدد، ومرض الزهايمر لدى الأوروبيين.

وجمع المشروع الطموح الممتد على خمس سنوات، ويضم فريقًا مكونًا من 175 خبيرًا دوليًا، الجينومات القديمة المعروفة سابقًا، مع الحمض النووي المتسلسل حديثًا من مئات العينات الهيكلية التي تم الحصول عليها من المتاحف والمؤسسات الأخرى في جميع أنحاء أوروبا. وتشكّل هذه البيانات معًا أكبر بنك للجينات القديمة في العالم، بحسب العلماء المشاركين في المشروع.

تمكن الباحثون من استخدام قاعدة البيانات لرسم خريطة لانتشار الجينات، والأمراض، تبعًا للتقدم الزمني مع هجرة السكان وتكاثرهم، وكشفوا عن كيف أثرت التغيرات المحددة والدراماتيكية في البيئة، كالتحول من نمط حياة الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة، في بعض متغيرات الجينات الوراثية.

ومن خلال مقارنة الحمض النووي القديم بعينات العصر الحديث، اكتسب الباحثون فهمًا بيولوجيًا جديدًا للاضطرابات المنهكة، والمشاكل الجسدية في يومنا هذا. ونشرت النتائج الأولية للمشروع بأربع أوراق بحثية في مجلة الطبيعة العلمية، الأربعاء.

وقال راسموس نيلسن، أستاذ علم الأحياء التكاملي وعلم الوراثة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، الذي ساعد بالإشراف على المشروع، خلال مؤتمر صحفي عُقد هذا الأسبوع:"الأمر اللافت للنظر في مجموعة البيانات، يتمثّل بأنه في وسعنا الآن أن نرى فعليًا ما حدث في الماضي، يمكننا أن نرى في الواقع ما هي المتحورات الجينية التي تغيرت بالتواتر في الماضي، بسبب الانتقاء الطبيعي.  إن هذا (المشروع) يمنحنا هذه الصورة الدقيقة للغاية".

أمراض الإنسان القديم
جمع الباحثون تسلسل الحمض النووي من البقايا البشرية في مجموعات المتاحف في جميع أنحاء أوروبا.Credit: The Danish National Museum

ما الرابط بين رعاة العصر البرونزي ومرض التصلّب العصبي المتعدّد؟

كانت إحدى النتائج الرئيسية للدفعة الأولى من الأبحاث، المستندة إلى أكثر من 1600 جينوم في قاعدة البيانات، مرتبطة بمرض التصلب العصبي المتعدد، وهو مرض مناعي ذاتي لمدى الحياة، يصيب الجهاز العصبي ويؤثر على نحو 2.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. إنها حالة معقدة تتشكل بسبب عوامل بيئية ووراثية متعددة، وتترافق مع العديد من الأعراض المحتملة، ضمنًا مشاكل في الرؤية، وحركة الذراع أو الساق، والإحساس، والتوازن.

وأشارت الدراسة إلى أنّ الأوروبيين الشماليين، بين الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، لكن الأسباب ما زالت مبهمة.

استخدم الباحثون قاعدة البيانات لاستكشاف الأصول الوراثية لمرض التصلب العصبي المتعدد. ووجدوا أن الخطر الوراثي للإصابة بهذه الحالة يرتبط بنسبة النسب لمجموعة من الرعاة القدماء الذين أدخلوا الحيوانات الأليفة إلى أوروبا، قبل حوالي 5000 عام.

هؤلاء الرعاة الرحّل للماشية والأغنام، المعروفين باسم يامنايا، نشأوا في سهوب بونتيك الممتدة من جنوب شرق أوروبا إلى كازاخستان. ويُعتقد أنهم كانوا أول راكبي الخيول، ممّا جعلهم كثيري الحركة.

ووجدت الدراسة أنه عندما انتقلوا غربًا إلى أوروبا، جلبوا متغيرات جينية محددة، يعتقد الباحثون أنها تطورت لحماية البدو من مسببات الأمراض التي تحملها الحيوانات الأليفة.

ربما أثبتت هذه المتغيرات الجينية لاحقًا فائدتها للسكان الأوروبيين في التحول من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة.

ولأن شعب اليمنايا انتقل في المقام الأول إلى شمال أوروبا، فقد خلص الفريق إلى أن النسبة المتزايدة من أصول الرعاة في شمال أوروبا الحالية، قد تكون مسؤولة جزئيًا عن ارتفاع معدل انتشار المرض هناك.

وعلّق ويليام باري، باحث ما بعد الدكتوراه بقسم علم الحيوان في جامعة كامبريدج، والمؤلف المشارك في إحدى الأوراق البحثية، ببيان له، أنّ "هذه النتائج أذهلتنا جميعا.  فهي تشكل قفزة كبيرة إلى الأمام لجهة فهمنا لتطور مرض التصلب العصبي المتعدد، وأمراض المناعة الذاتية الأخرى". وتابع: "إن تبيان كيف أثرت أنماط حياة أسلافنا على مخاطر الأمراض الحديثة يسلط الضوء على مدى كوننا متلقين لأجهزة المناعة القديمة في العالم الحديث". 

ومن جهته رأى أستريد إيفرسن، المؤلف المشارك، وأستاذ علم الفيروسات والمناعة في جامعة أكسفورد، أن اليوم، لم تعد الفوائد الوقائية لهذه المتغيرات الجينية مفيدة. 

وأفاد في بيان "بأنّنا نعيش الآن حياة مختلفة تمامًا عن تلك التي عاشها أسلافنا من حيث النظافة والنظام الغذائي وخيارات العلاج الطبي، هذا بالإضافة إلى تاريخنا التطوري، ما يعني أننا قد نكون أكثر عرضة للإصابة بأمراض معينة مقارنة بأسلافنا، ضمنًا أمراض المناعة الذاتية مثل مرض التصلّب العصبي المتعدد. 

الرابط مع الزهايمر

كما رسم الباحثون أيضًا خريطة لأصول المتغير الجيني، APOE ε4، المعروف بزيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر. ووجدت إحدى الدراسات الأربع أن هذا الجين مرتبط بالمجموعات السكانية المبكرة التي كانت تسكن أوروبا ما قبل التاريخ.

وقال باري: "الحمض النووي المأخوذ من الصيادين موجود بمستويات أعلى في شمال شرق أوروبا، ما يعني أن المنطقة لديها خطر وراثي مرتفع للإصابة بمرض الزهايمر".

وبالمثل، تسلط المعلومات الوراثية القديمة الضوء على التاريخ التطوري لصفات مثل الطول، وتحمل اللاكتوز.

وفي تعليق مصاحب للبحث، قالت سميرة أصغري، الأستاذة المساعدة في علم الوراثة وعلوم الجينوم بكلية إيكان للطب فيماونت سيناي في نيويورك، إنه من الضروري توسيع هذه الأنواع من الدراسات خارج أوروبا إلى مناطق أخرى، من أجل "فهم أفضل" لكيف يمكن أن تكون ساهمت الاختلافات بتاريخ السكان في خطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية مثل التصلب العصبي المتعدد.

وكتبت أصغري، غير المشاركة في الدراسات الأربع: "رغم أن البيولوجيا البشرية مشتركة، إلا أن كل مجموعة سكانية لها تاريخ فريد، والتركيز على مجموعة سكانية واحدة يحد من فرص الاكتشافات التي يمكن أن تعطي معلومات تساهم بتقدم الطب".

وقال توني كابرا، الأستاذ المساعد في علم الأوبئة والإحصاء الحيوي بمعهد باكار لعلوم الصحة الحاسوبية في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، إن قاعدة البيانات الجديدة توفر "الآراء الأكثر شمولاً للتاريخ الجيني لمنطقة ما حتى الآن".

وأضاف: "لقد مكّن ذلك المؤلفين من ملء التفاصيل المفقودة في فهمنا لكل من عاش، وأين، ومتى، وكذلك كيف شكل الانتقاء الطبيعي سمات الأفراد المعاصرين".

ومع ذلك، حذر كابرا من أنه "نادرًا ما تكون هناك إجابة بسيطة عن سبب امتلاك مجموعة سكانية لمتغير جيني فيما لا تمتلك مجموعة أخرى ذلك".

وقال كابرا، غير المشارك في البحث، لـCNN: "إن التاريخ التطوري لجنسنا البشري يقدم العديد من المساهمات لصحتنا وسماتنا اليوم".

وخلص إلى أنه "في ذلك الوقت والآن، يتم تعديل كل هذه التأثيرات الجينية بواسطة البيئة. وبالنسبة لمعظم السمات، ضمنًا مرض التصلب العصبي المتعدد، فإن التأثيرات الجينية هي نتيجة للمتغيرات الجينية المتعددة". 

وأضاف "في النهاية، لا يمكننا القول إنّ مرض التصلب العصبي المتعدد جاء من سكان العصر البرونزي، ولكن تحركات هؤلاء السكان وبيئاتهم ساهمت بالتباينات لجهة خطر مرض التصلب العصبي المتعدد اليوم".