دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) --الإصابة بمرض الزهايمر قد يرتبط بالوراثة بشكل كبير، وفق دراسة جديدة رسمت صورة أوضح للجين المعروف منذ زمن طويل بأنه مرتبط بشكل الخرف الشائع.
واعتبر مؤلفو الدراسة المنشورة في مجلة "Nature Medicine" الإثنين، أنّ هذا قد يُعتبر شكلًا متميزًا وموروثًا من المرض، وقد يكون ثمة حاجة إلى طرق مختلفة للاختبار والعلاج.
وتعرّف الباحثون إلى الأشكال العائلية للمرض وحالات متفرقة، بين الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض الزهايمر. ,يُعتقد أنّ غالبية الحالات متفرقة، وتتطور لاحقًا في الحياة. في حين تميل الأشكال العائلية الناجمة عن طفرات في أي من الجينات الثلاثة، للظهور في وقت باكر ومعلوم أنها نادرة، وتمثل حوالي 2٪ من مجمل عملية تشخيص مرض الزهايمر، أو حوالي 1 من كل 50 حالة.
وبموجب النموذج الجديد، تُعتبر حالة واحدة من كل 6 حالات من مرض الزهايمر وراثية أو عائلية.
يقول الباحثون إن هذا التقدير المتغير للمخاطر الموروثة مردّه إلى فهم أفضل لدور الجين الرابع الذي يحمل المخططات اللازمة لصنع بروتين يحمل الدهون يُطلق عليه صميم البروتين الشحمي E، المعروف باسم APOE.
ينقل APOE الكوليسترول إلى جميع أنحاء الجسم والدماغ ويُعتقد أنه يلعب دورًا في ترسيب أو إزالة لويحات بيتا أميلويد اللزجة التي تُعد إحدى السمات المميزة لمرض الزهايمر.
هناك ثلاثة أنواع من جين APOE يمكن أن يحملها الشخص:
- جين APOE2، يحمي من تطور مرض الزهايمر.
- جين APOE3 يمنح خطرًا محايدًا للإصابة بالمرض.
- جين APOE4 يعتبر خبرًا سيئًا، فمن لديهم نسخة واحدة من جين APOE4 بالحد الأدنى، خطر إصابتهم بمرض الزهايمر مرتفع، ومن لديهم أكثر يصبحون عرضة لخطر أكبر.
وأفاد الباحثون، أنه حاليًا لا يفترض التعامل مع جين APOE4 كعامل خطر فحسب، بل يمكن أن يُنظر إليه على أنه شكل موروث من المرض، ما يضمن عمليًا أن الشخص الذي لديه نسختين سيختبر التغيرات البيولوجية المرتبطة بمرض الزهايمر في دماغه.
الكشف عن دور الجينات في مرض الزهايمر
في الدراسة الجديدة، قارن باحثون من إسبانيا والولايات المتحدة الأشخاص في الدراسات السريرية الذين لديهم نسختين من جين APOE4 مع الأشخاص الذين لديهم أشكال أخرى من جين APOE.
وقارنوا أيضًا بين الأشخاص الذين لديهم نسختين من APOE4 بالأشخاص الذين يعانون من أشكال وراثية أخرى من المرض: مرض الزهايمر الجسدي السائد (ADAD) ومرض الزهايمر المرتبط بمتلازمة داون (DSAD).
وتضمنت الدراسة بيانات نحو 3300 من الأدمغة المخزنة في مركز التنسيق الوطني لمرض الزهايمر وبيانات لـ10000 شخص آخرين شاركوا في خمس تجارب سريرية.
كان الأشخاص الذين لديهم نسختين من جين APOE4 أكثر عرضة لتطوير التغيرات البيولوجية التي تؤدي إلى مرض الزهايمر، مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من الأشكال الجينية الأخرى للمرض. وكان تشخيص إصابتهم بالمرض مؤكدًا تقريبًا: 95٪ تقريبًا من الأشخاص في الدراسات التي أجريت على نسختين من جين APOE4 كان لديهم بيولوجيًا مرض الزهايمر عندما كان عمرهم 82 عامًا.
ولفت مؤلفو الدراسة إلى أنه في حين أن جين APOE4 يسبب بشكل موثوق التغيرات البيولوجية المرتبطة بالمرض، مثل إنشاء لويحات بيتا أميلويد في الدماغ، فإن وجود نسخة أو اثنتين من هذا الجين لا يسبب دومًا التدهور المعرفي. في حالات نادرة، يمكن أن يكون لدى الأشخاص جين APOE4 والكثير من بيتا أميلويد في أدمغتهم، لكن لا تظهر عليهم أعراض، ومردّ السبب على الأرجح إلى عوامل وراثية أو بيئية أخرى تحمي أدمغتهم في الوقت ذاته.
في مجموعة البيانات الكبيرة التي تضم بيانات قرابة 3300 من الأدمغة يحتفظ بها مركز التنسيق الوطني لمرض الزهايمر، على سبيل المثال، كان لدى 273 فردًا نسختان من جين APOE4، وكان 240 شخصًا، أو نسبة 88% منهم، لديهم إصابة بالخرف.
عندما يعاني الأشخاص الذين لديهم نسختين من جين APOE4 من الأعراض، فإنهم يميلون للإصابة بمرض الزهايمر أبكر من الآخرين، قبل حوالي 10 سنوات، أي عند بلوغهم من العمر 65 عامًا تقريبًا كمعدل وسطي، مقارنة بالأشخاص الذين لديهم أشكال أخرى من جين APOE. ووجد الباحثون أيضًا أن تراكم بيتا أميلويد وتاو في أدمغتهم اتبع تقريبًا المسار ذاته الذي لوحظ لدى الأشخاص الذين يعانون من أشكال وراثية أخرى من المرض. كان مرضهم أكثر خطورة في وقت سابق من حياتهم.
وقال الدكتور خوان فورتيا، مؤلف الدراسة الرئيسي، وطبيب أعصاب ومدير وحدة الذاكرة بقسم طب الأعصاب، في مستشفى دي لا سانتا كرو إي سانت باو في برشلونة، بمؤتمر صحفي، إنه "في جميع الأشكال الموروثة من المرض، هناك أوجه تشابه مذهلة في طريقة تطور المرض والأعراض التي ترافقه".
ورأى فورتيا وزملاؤه أنه لهذه الأسباب، ينبغي اعتبار وجود نسختين من جين APOE4 شكلاً وراثيًا للمرض، وليس مجرد خطر يعرض حامله للإصابة به.
وقال الدكتور تشارلز بيرنيك، المدير الطبي المساعد لمركز كليفلاند كلينيك لو روفو لصحة الدماغ، إن الدراسة أظهرت مدى قوة الحصول على نسختين من جين APOE4.
وعلّق بيرنيك غير المشارك في الدراسة أن "ذلك في الواقع يدفع عملية المرض".
التحوّل في فهم المخاطر الجينية
يعتقد الباحثون أن قوة دور APOE4 في تطور مرض الزهايمر لم يتم التعرف عليه سابقًا، لأن APOE4 يلعب أيضًا دورًا مهمًا في صحة القلب، ويرون أن العديد من الأشخاص الذين لديهم نسختين من الجين ربما ماتوا جراء أسباب قلبية وعائية قبل تطور مرض الزهايمر لديهم. وقد قدرت الدراسات السابقة أن بين 30% و35% من الأشخاص الذين لديهم نسختين من جين APOE4 قد يُصابون بضعف إدراكي خفيف أو خرف.
وأشار الباحثون إلى أنهم وجدوا أيضًا تأثير الجرعة الجينية. في حين أن وجود نسختين من APOE4 يؤكد تراكم مادتي بيتا أميلويد وتاو في دماغ الشخص. ووجود نسخة واحدة فقط من الجين يزيد أيضًا من خطر إصابة الشخص، لكن ليس بقدر نسختين من هذا الجين.
وقال فورتيا إن هذا يعني أن جين APOE4 شبه سائد.
أما تصنيف APOE4 كشكل وراثي من المرض فلديه انعكاسات كبيرة. أولا، قد يعني ذلك أن نسبة أكبر بكثير من حالات مرض الزهايمر ناجمة عن الجينات. وهذا لم يكن مفهومًا من قبل.
قبل APOE4، كانت التغيرات الجينية الوحيدة المعترف بها بأنها تسبب مرض الزهايمر مرتبطة بأشكال المرض المبكرة ومتلازمة داون. وكانت تمثل حوالي 2% من حالات الزهايمر، أي حوالي 1 من كل 50.
ويشكل الأشخاص الذين لديهم نسختين من جين APOE4 حوالي 15% من الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض الزهايمر، أو 1 من كل 7 حالات من المرض.
يحمل حوالي 2% من عامة السكان نسختين من جين APOE4، ما يجعله أحد أكثر الأمراض الوراثية انتشارًا.
وقال الدكتور قسطنطين ليكسوس، مدير مركز الذاكرة وعلاج الزهايمر في جامعة جونز هوبكنز، غير المشارك في الدراسة، إن النتيجة المهمة بالدراسة مفادها أن مرض الزهايمر لا ينبغي علاجه ككتلة واحدة، موضحًا أن هناك أشكالًا مختلفة من المرض تحتاج إلى علاج شخصي.
لا ينصح بإجراء اختبار الجينات
يُحتمل أيضًا أن تتغير آلية تشخيص وعلاج الأشخاص الذين يحملون جين APOE4.
هناك اختبارات متاحة لتحديد حالة APOE4 لدى الشخص، لكن لا يوصى بها كجزء روتيني من التشخيص. وقال مؤلفو الدراسة إن ذلك قد يحتاج إلى التغيير.
وأوضح فورتيا: "لا يوصي الإجماع والمبادئ التوجيهية الآن باختبار APOE4، ذلك لأنّ الإجماع كان على أنه لا يساعد في التشخيص".
يُوصى بإجراء اختبار APOE للمرضى الذين يتم تقييمهم لتناول أدوية جديدة لإزالة الأميلويد، مثل ليكانيماب.
وقالت مؤلفة الدراسة الدكتورة ريسا سبيرلينغ، مديرة مركز أبحاث وعلاج مرض الزهايمر في مستشفى بريغهام والنساء، إن مرضى الزهايمر الذين لديهم نسختين من جين APOE4 يتعرضون بشكل أكبر لخطر الآثار الجانبية الخطيرة، مثل تورم الدماغ بسبب هذه الأدوية التي تعمل على إزالة الأميلويد، وقد قررت بعض مراكز العلاج عدم تقديم الأدوية لهم.
وأشارت إلى أن هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة، في ضوء هذه البيانات، لافتة إلى أنه سيكون من المهم إجراء بحث لمعرفة ما إذا كان ممكنًا العثور على جرعات أكثر أمانًا أو علاجات أكثر أمانًا لهذه المجموعة من المرضى.
وخلصت سبيرلينغ قائلة: "بالنسبة لي، هذا يعني أننا بحاجة إلى علاجهم في وقت مبكر، بسن أصغر، لأننا نعلم أنه يحتمل جدًا أن يتدهور سريعًا".