دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- نادرًا ما شوهدت الملكة إليزابيث الثانية بشعر مكشوف، إذ أنه خلال المناسبات الرسمية، كانت تتزين بالتاج الموضوع بشكل مثالي على رأسها.
وفي إسطبلات بالمورال، حيث كانت تعتني بالمهور، ظهرت وهي تنتعل حذاء المطر "ويلينغتون" وسترة مبطنة، وكانت تكمل إطلالتها بوشاح رأس منقوش ومربوط دائمًا تحت ذقنها.
ولكن في غالبية الأحيان، كانت ترتدي قبعة.
وقالت بياتريس بيهلين، كبيرة أمناء الأزياء والفنون الزخرفية في متحف لندن، في عام 2019: "لا يمكن رؤيتها من دون زينة تقريبًا. هناك دائمًا بروش، وعادة ما يكون هناك جواهر من اللؤلؤ، وعادة ما ترتدي قفازات بيضاء، ثم هناك القبعة المطابقة".
وكانت القبعات جزءًا من حياة الملكة منذ الطفولة، حيث ظهرت في الصور، وهي تضع القلنسوات وقبعات "البيريه" الفرنسية.
واستمرت في ارتدائها خلال فترة المراهقة والشباب، وغالبًا ما تنسق إطلالتها مع أختها الصغرى، الأميرة مارغريت، والملكة الأم.
ومنذ نعومة أظافرها، اعتُبر أسلوبها في الأزياء جريئًا.
ومن خلال تكليف مصممي القبعات الذين تحدوا قواعد الموضة مثل الفرنسية سيمون ميرمان، والبريطاني فريدي فوكس، ومؤخرًا البريطانية راشيل تريفور مورغان، احتضنت الملكة أشكالًا غير تقليدية من القبعات، بزخارف من الزهور والريش، وبمجموعة كاملة من الألوان.
وكأميرة وخلال الأيام الأولى من حكمها، كانت إليزابيث رائدة في مجال الموضة.
وفي فبراير/ شباط عام 1944، عندما ارتدت قبعة مستوحاة من قبعة ضباط الخدمة العسكرية" خلال حفل زفاف الملازم آنذاك كريستوفر ويك ووكر والليدي آن سبنسر، عمة الأميرة ديانا، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أنّ النسخ من القبعة بيعت بسرعة في جميع أنحاء لندن؛ وفي عام 1946، قيل أن أسعار طيور النعام في جنوب أفريقيا قد ارتفعت بشكل كبير، بعد أن ارتدت هي ووالدتها قبعات مزينة بريش النعام خلال مسيرة احتفالية بلندن.
وعندما لم تكن الملكة تحدد اتجاهات الموضة، كانت تحتضنها، متبعًة رواج القبعات الصغيرة بالخمسينيات وانضمت إلى كل من الممثلة الأمريكة باربرا سترايسند، والممثلة والناشطة من نيكاراغوا بيانكا جاغر، في احتضان موضة العمامة في السبعينيات.
وصرحت دوروثي شيفر، التي كانت آنذاك رئيسة سلسلة متاجر لورد وتايلور، لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في عام 1957، قبل أول زيارة رسمية للملكة إلى أمريكا: "ليس من الضروري أن تكون الملكة على الموضة؛ فهي تعد موضة بحد ذاتها - وقد ألهمت جيلها للعودة إلى الأناقة، وتقدير الجودة وارتداء الأزياء بشكل مناسب".
وبحلول الستينيات، كانت القبعات خارج الموضة، بسبب تغير الأوضاع والاتجاهات، لكن الملكة لم تهتم لذلك.
وأوضحت بيهلين: "عندما كبرت، كان من الطبيعي تمامًا ارتداء القبعات، وقتها كان الجميع، بما فيهم النساء، يرتدون القبعات".
وأضافت: "الأمر يصبح علامة تجارية عندما تستمر في ارتدائها (القبعات) رغم توقف الجميع عن ذلك".
وكما هو الحال دائمًا مع النساء في عالم السياسة، لطالما كانت ملابس إليزابيث موضعًا للنقاش والتدقيق.
وغالبًا ما كانت تستخدم هذه الحقيقة لصالحها، من خلال استخدام زينتها كوسيلة لإرسال رسائل دقيقة.
وفي عام 1946، كانت ترتدي قبعة البيريه كبيرة الحجم لتلتقي بمجموعة من المرشدات، وخلال زيارة إلى سلوفاكيا في عام 2008 ارتدت قبعة ذات شبك تشبه قبعة أوشانكا الروسية، حسبما ذكره الفنان والمحاضر، أوليفر واتس، عبر موقع "The Conversation".
وأضاف: "رغم أن القبعة كانت تليق بهذه المناسبة، إلا أنّها كانت أشبه بنهفة نوعًا ما، لتخلق جوًا هادئًا بحكمة وسماحة منها".
ويجب أنّ نفترض أنّ دافعًا مشابهًا كان وراء قرارها لارتداء قبعة باللونين الأزرق والأصفر، أي مطابقة لألوان علم الاتحاد الأوروبي، لافتتاح البرلمان البريطاني في عام 2017، تزامنًا مع بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقتها، تساءلت شبكة "بي بي سي" وعدد لا يحصى من المُخمّنين الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "هل الملكة ترتدي قبعة الاتحاد الأوروبي؟"، لكنّها بالطبع لم تفصح عن ذلك.
وربما يكون التأثير الأكثر بقاءً لارتدائها القبعات هو العلامة التي لا تُمحى التي تركتها على بريطانيا.
وخلال فترة حكمها التي امتدت 70 عامًا، ساعدت في ترسيخ القبعة كرمز لتطور المجتمع الراقي، ومفارقة تاريخية جذابة وعلامة للأصالة البريطانية.
ويُعد هذا بمثابة أمر رائع بشكل خاص بالنظر إلى أنّه في جميع أنحاء أوروبا، تلجأ الملكات، مثل ليتيسيا الإسبانية وماكسيما الهولندية، لارتداء القبعات خلال المناسبات الأكثر رسمية.
وقال مصمم القبعات الأيرلندي، فيليب تريسي، خلال برنامج إذاعي تبثه شبكة "بي بي سي" عام 2018" إنّ "رعاية العائلة الملكية تحافظ على بقاء القبعات. وأبقت جلالة الملكة القبعات على قيد الحياة في مخيلة الناس في جميع أنحاء العالم".
وأضاف: "إذا اختارت العائلة الملكية عدم ارتداء القبعات - مثلًا خلال الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي عندما تخلى بعض الناس عن ارتدائها - لما كنت جالسًا هنا لإجراء هذا اللقاء، إذ أن القبعات بمثابة جزء من الثقافة الانكليزية والبريطانية".
ومع ذلك، هناك مناسبات في التقويم البريطاني، حيث يظل ارتداء القبعات أمرًا ضروريًا - مثل حدث رويل أسكوت، وهو حدث لسباق الخيل كانت الملكة فيه ذات يوم حاضرة بشكل أساسي.
واشتهر جامعو المراهنات البريطانيون بقبول الرهانات على اللون الذي ستختار الملكة أن ترتديه خلال هذا الحدث السنوي، وأطلّت الملكة خلال السنوات الأخيرة باللونين الوردي والأزرق بشكل كبير، وفقًا لشركة المراهنات William Hill.
وحتى بعد ابتعادها عن الحياة العامة، بسبب تراجع حركتها بشكل واضح، استغلت الملكة كل فرصة لتكون مرئية، وغالبًا ما كانت تنسق معاطف الفساتين ذات الألوان الزاهية مع القبعات حتى يصعب عدم ملاحظتها من قبل الجمهور.
وخلال احتفالات اليوبيل البلاتيني في عام 2022، قدّمت إطلالتها باللون الأخضر الساطع لحظةً من الفرح لآلاف الأشخاص المجتمعين حول قصر باكنغهام. وأضاف دبوس أسود على قبعتها كتذكير بزوجها الراحل الأمير فيليب، والذي تُوفي قبل عام، لمسة لطيفة على مظهرها.