دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- داخل استوديو في مدينة كولفير سيتي بولاية كاليفورنيا الأمريكية، يستعد "T-Pain" لتقديم حفلته، ولكنها ليست كأي حفلة عادية أخرى.
واعتاد مغني الراب وكاتب الأغاني الأمريكي، المعروف بترويجه لتقنية "الأوتوتيون" من خلال أغانيه الناجحة مثل "Buy U a Drank"، على الأداء أمام الآلاف من المعجبين الصاخبين. أما اليوم، فلا يوجد أمامه حشد من الناس، وبدلاً من ذلك، أمامه فريق تصوير وشاشة خضراء في الخلفية، وهو أمر يُعد بمثابة إشارة إلى المستقبل.
ويؤدي "T-Pain" أغانٍ ستُشغل خلال حفل موسيقي في الواقع الافتراضي، يتلقّاها المعجبون مباشرة عبر سماعات رأس الواقع الافتراضي.
وأوضح "T-Pain"، واسمه الحقيقي فهيم رشيد نجم، لـCNN، خلال مقابلة أجريت معه في موقع التصوير: "أنا معتاد بالتأكيد على المسارح الكبرى"، مضيفًا أنه عادةً ما يستخدم ردود أفعال الجمهور "لاكتساب الطاقة ... (لذا) إنه أمر محرج كثيرا".
ولا يعني ذلك أنه غير متحمس لهذه الفرصة، إذ قال إنه يستخدم ألعاب الواقع الافتراضي والبرامج ثلاثية الأبعاد كهواية في المنزل.
وعندما تواصلت معه شركة "AmazeVR"، التي تقف وراء ما وُصف بأنه أول جولة موسيقية في العالم عبر الواقع الافتراضي مع مغنية الراب المعروفة باسم ميغان ذا ستاليون العام الماضي، لطلب التعاون، كان "T-Pain" مستعدًا لخوض هذه التجربة الجديدة.
وأضاف "T-Pain" أن "المعجبين سيكونوا أقرب بكثير. وسيتمكنون من رؤية زوايا مختلفة، ومشاهدة أنواع مختلفة من الأداء... AmazeVR سوف تضعني تقريبا داخل غرفة المعيشة الخاصة بهم".
التقاط الصورة "المثالية"
وتأسست شركة "AmazeVR" في عام 2015، وجمعت أكثر من 50 مليون دولار خلال السنوات الأربع الماضية، كما شهدت انتعاشا حديثا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعدما أعلنت شركة "أبل" عن سماعة رأس الواقع الهجين "فيجن برو" (Vision Pro)، وفقًا لما ذكرته الشركة.
ويقول كيونج كوك كيم، وهو نائب الرئيس ورئيس قسم الإنتاج لدى "AmazeVR": "(الواقع الافتراضي) يمثل تحولًا كبيرًا للغاية. إنه نوع جديد من الوسائط. لم يعتد الناس عليه، لكنه قوي للغاية. إنه حقا ينقلك مباشرة (إلى) منتصف أي مشهد أو أي موقف".
وتبدأ عملية الحفل الافتراضي باجتماعات مع المؤدي لاتخاذ قرار بشأن كل شيء بدءًا من اختيار الأغنية وحتى العناصر المرئية، والنصوص، وخزانة الملابس، وتصميم الرقصات. ويتم تسجيل الأداء خلال جلسة واحدة مدتها 12 ساعة باستخدام كاميرا استريو بدقة 8K، ورافعة محكومة الحركة.
ويشرح كيم أن الذكاء الاصطناعي المدمج يساعد في تحسين الفيديو ثلاثي الأبعاد في مرحلة ما بعد الإنتاج. ويستخدم مزيج من الذكاء الاصطناعي المدمج ومنصات أخرى مثل "Unreal Engine" لإنشاء المسرح الافتراضي، والإضاءة، والمؤثرات الخاصة.
وتستغرق مرحلة ما بعد الإنتاج عادًة بين 6 و8 أسابيع، رغم أن تواريخ الإصدار تتزامن أيضًا مع ما يناسب الفنانين. (تقول AmazeVR إنها تخطط لإطلاق حفل T-Pain هذا الخريف).
من جهته، يوضح لانس دريك، وهو المدير الإبداعي للشركة: "التحدي التقني الأكبر يتمثل في كون المشاهد هو نفسه الكاميرا، وبدلاً من اقتطاع أو إخفاء (أجزاء من) الأداء، يجب أن يكون الأداء مباشرا حقًا. ويُمنح المشاهد الإذن بالنظر أينما يريد - يمكنه أن ينظر ويستوعب ما حوله، يمكنه النظر إلى حذاء الفنان، ويمكنه النظر إلى وجه الفنان".
ويضيف دريك أن هذا يعني أنها يجب أن تكون اللقطة "مثالية"، موضحًا: "عندما يؤدي الفنان أمام الكاميرا، فهو يؤدي أمامك. وعندما ينظر الفنان إلى الكاميرا، فهو ينظر إلى عيون المشاهد".
دراسة تجربة المعجبين الافتراضية
ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لحفل موسيقي افتراضي أن يحاكي ما يحبه المعجبون بالموسيقى الحية؟
ويحاول الدكتور ميل سلاتر الإجابة على هذا السؤال، وهو باحث درس عالم الواقع الافتراضي وأدمغتنا منذ أوائل التسعينيات، وأجرى سلاتر وفريقه مؤخرًا دراسة تركز على حفل فرقة موسيقى الروك البريطانية "داير سترايتس" (Dire Straits) في عام 1983 الذي عثر سلاتر على تسجيل له على منصة "يوتيوب".
ويقول سلاتر، الباحث بقسم علم النفس السريري بجامعة برشلونة والمدير المشارك لمختبر البيئات الافتراضية التجريبية لعلم الأعصاب والتكنولوجيا (Event): "خطر لي أنه لطالما تمنيت الذهاب إلى ذلك الحفل الموسيقي... وهذا ما أعطاني فكرة إعادة إنتاج أداء داير سترايتس في الواقع الافتراضي".
وأراد سلاتر اختبار عدة عناصر، بما في ذلك الظروف التي قد يتوهم فيها الناس أنهم في حفل موسيقي، وكيفية التقاط مقطع فيديو قديم ثنائي الأبعاد وإنشاء عناصر ثلاثية الأبعاد جديدة، حسبما ذكره.
ويُوضح سلاتر: "اعتقدت أنها دراسة بريئة للغاية، حيث نحضر أشخاصًا إلى حفل موسيقي ونرى ما سيحدث... عليهم فقط الاستمتاع به. ولكن النتائج كانت مثيرة للاهتمام للغاية. ومن الجيد الحصول على نتائج لا تتوقعها، إذ حينها تتعلم شيئًا جديدا".
ووجد الفريق أن العديد من النساء في الجمهور الافتراضي شعرن بالفعل بعدم الارتياح.
ويشرح سلاتر أنه كانت هناك شكاوى مثل: "كان هناك رجال من حولي، وكنت قلقة من أنهم سيقتربون ويبدأون في التحدث معي. وكانوا يحدّقون بي".
ويتابع سلاتر أن ذلك "لم يكن صحيحًا في الواقع"، مضيفا: "نحن لم نبرمج هذه الشخصيات لتنظر إليهن، إلا أنهن توهمن بحدوث ذلك".
وبطريقة ما، كان ذلك علامة جيدة لمفهوم الحفلات الموسيقية الافتراضية بشكل عام، حسبما ذكره سلاتر ، لأن ذلك يعني أنه "كان هناك شعور قوي بما نسميه الحضور - أي وهم التواجد هناك، وأن هذه الأحداث كانت تحدث بالفعل".
ويضيف أن "الناس عند ذهابهم إلى حفل موسيقي، فإنهم لا يذهبون بمفردهم - بل برفقة الأصدقاء أو العائلة. لذلك، قمنا ببناء بيئة أخرى حيث يمكنك حضور الحفل، ولكن برفقة أشخاص آخرين تعرفهم"، باستخدام الصور الرمزية (الشخصيات الافتراضية) التي تشبههم.
ويؤكد سلاتر أن هذا النموذج ينتظر الدراسة، والهدف هو اختبار ما إذا كان ذلك يخفف من بعض مشكلات التجربة التي لاحظوها.
ويضيف: "حدسي يخبرني أن هذا سيغير بشكل جذري كيفية استجابة الناس للجمهور العام وللحفل الموسيقي ذاته".
ورغم أن فكرة الحفل الموسيقي الافتراضي مقابل الحفل الحقيقي قد تبدو صعبة المنال بالنسبة لعشاق الموسيقى، إلا أن هناك فوائد لتقليص الحجم في العالم المادي.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، "يمكن أن تساهم الحفلات الموسيقية والجولات الحية في أزمة المناخ، ما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات من خلال سفر المعجبين والفنانين، واستهلاك الطاقة، والإنتاج الضخم للبضائع".