دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تنبثق جذور سميكة من داخل منزل مهدم، وتحيط جذوع شجرة بانيان الشبيهة بالثعبان بالمكان الذي كان يقف فيه الباب الأمامي للمنزل ذات يوم.
وتجوّفت الجدران بسبب عقود من الأعاصير والرياح الموسمية والرطوبة الصيفية، واستحال الآن مجرّد حجارة مغطاة بالطحالب والغبار.
وتتدفق أشجار الكروم عبر الشقوق الموجودة في الأساسات، وتتناثر الأوراق المتساقطة على ألواح الأرضية المغطاة بالعفن.
ولن يبدو هذا المشهد غريبًا في أعماق الغابات المطيرة الماليزية أو سفوح الجبال الخضراء في الهند، لكن المصور ستيفان إيرفين التقط هذه الصور على مرمى حجر من واحدة من أكثر المدن اكتظاظا بالسكان في العالم، وهي مدينة عالمية مليئة بناطحات السحاب الفولاذية وحركة المرور المزدحمة.
إيرفين، الذي يعيش في هونغ كونغ منذ عام 2002، اكتشف لأول مرة القرى المهجورة في المدينة في عام 2012، أثناء زيارته لصديق في الأقاليم الجديدة، وهي منطقة شاسعة تقع شمال المدينة.
وتمثل المنطقة أكثر من 85% من أراضي هونغ كونغ، وتتميز بالجبال شديدة الانحدار، ومساحات طويلة من السواحل الوعرة، والمنتزهات الريفية المغطاة بالأشجار.
ويتذكر إيرفين: "لقد جعلني هذا أتساءل لماذا (كانت) الكثير من هذه الأماكن شاغرة في مكان مثل هونغ كونغ، حيث أسعار العقارات تعتبر الأعلى في العالم؟".
وعلى مدار الأعوام الـ12 التالية، استكشف المصوّر المولود في لندن المزيد من هذه القرى المهجورة، وقام بتوثيق ما سيصبح موضوع كتابه الجديد، بعنوان "قرى هونغ كونغ المهجورة".
وقال إيرفين: "لقد فتح ذلك عيناي على جانب مختلف من هونغ كونغ. وهذا ما آمل أن يفعله المشروع بالآخرين أيضًا".
تبديل الزراعة بالمصانع
ورغم أن إيرفين التقط الصورة الأولى للمشروع في عام 2012، التي كانت لمنزل مهجور تتناثر فيه النباتات عبر إطار باب أصفر اللون، إلا أنه لم يبدأ في البحث بنشاط عن المواقع لتصويرها حتى عام 2019.
وأوضح إيرفين أن "هذه القرى كانت موجودة في هونغ كونغ منذ مئات السنين، قبل فترة الاستعمار بكثير".
وفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مع نمو هونغ كونغ كمركز صناعي، هاجر العديد من السكان إلى المراكز الحضرية سريعة التوسع للحصول على فرص عمل أفضل.
وأضاف: "من الصعب الزراعة وصيد الأسماك في هذه المناطق النائية، لذلك انتقل الكثير من الناس إلى المدينة للعمل في المصانع".
ومن خلال البحث، وجد المصور البالغ من العمر 48 عامًا، أشخاصًا نشأوا في القرى أو كان لديهم أقارب يعيشون هناك. وفي الكتاب، أدرج مقالات لامرأتين مرتبطتين بالقرية، إحداهما نشأ والدها في قرية وونغ تشوك شان، التي أصبحت الآن مَكسوّة بالعشب بالكامل، والأخرى أمضت سنوات عدّة من طفولتها في قرية لاي تشي وو، على الساحل الشمالي الشرقي لهونغ كونغ في السبعينيات.
وفيما تم إخلاء العديد من القرى ببطء على مدى عقود، وجد إيرفين بعض المنازل التي يبدو أنها "هُجرت بسرعة كبيرة"، مع ترك الأشخاص أغراضهم الشخصية والأثاث وراءهم.
ولفت إيرفين إلى أنه وجد تقاويم على الحائط وشهادات مدرسية في الأدراج، وأضاف أنه "أمر مؤثر للغاية".
وقال: "أعتقد أن العديد من السكان غادروا بنيّة العودة يومًا ما، أو ربما التقاعد في القرية. لكن إذا لم يتم الحفاظ على هذه المساكن، فإنها ستستسلم للطبيعة بنهاية المطاف. وسيبدأ النمل الأبيض بشق طريقه إلى العوارض الخشبية".
وجعلت ألواح الأرضية المتعفنة والبناء غير المستقر من استكشاف بعض هذه المباني، مهمًة خطرة.
وبالنسبة لإيرفين، كان الخطر الأكبر يتمثل في كلاب القرى الإقليمية التي غالبًا ما أصبحت عدوانية أثناء سيره عبر المناطق النائية. وقال: "لقد بدأت عادة حمل بسكويت الكلاب في حقيبة الكاميرا الخاصة بي عندما أخرج إلى هذه الأماكن".
قيمة التراث
وفي حين أن معظم القرى التي صورها إيرفين مهجورة، فقد تفاجأ عندما اكتشف أنها ليست كلها كذلك.
ويتذكر:"كنت أسير ذات مرة لمدة ساعة تقريبًا في البرية للعثور على قرية قديمة جميلة، وافترضت أنه لن يكون هناك أحد هناك، وعند الزاوية وجدت شخصا هناك يجرّ عربة يد في طريقه لزراعة الخضار أو شيء من هذا القبيل. شكّل ذلك صدمة لي بعض الشيء".
أما المواقع المفضلة لديه للتصوير فتمثلت بموقعين، هما لوك كينغ، المنطقة الساحلية القريبة من الحدود مع شنتشن في البر الرئيسي للصين، ولاي تشي وو، القرية النائية التي يعود بناؤها إلى 400 عام، لا يمكن الوصول إليها إلا من طريق القوارب، أو المشي لمدة ساعتين عبر الغابة. وكلاهما ما برحتا موطنًا لمجتمعات صغيرة.
ويعتقد إيرفين أن هناك عاطفة وحنين متزايدين بين سكان هونغ كونغ "لإنقاذ تراثهم المبني والاستمتاع به". وقال إن هذه المواقع الريفية تعد جزءا أساسيا من ذلك، مضيفًا: "أعتقد أنها ذات قيمة كبيرة للناس وإحساسهم بهويتهم".
ويهدف كتاب المصور، الذي نُشر هذا الشهر إلى جانب تنظيم معرض مصاحب في هونغ كونغ، إلى "الحفاظ على هذا التراث المبني للأجيال التالية". وبينما تتحدث صور إيرفين عن فقدان المجتمعات، فإنه ينظر إليها على أنها "احتفال" بالطبيعة أيضًا.
وتعد هونغ كونغ واحدة من أكثر المدن تنوعًا بيولوجيًا في العالم، وتعد قراها التي غالبًا ما تم بناؤها حول المعالم الطبيعية ويعتمد قاطنوها على الأرض، نموذجًا مصغرًا لذلك.
وأضاف إيرفين: "ستتولى الطبيعة زمام الأمور في نهاية المطاف.إنه تذكير بعدم الثبات الذي نختبره جميعًا، فالأشياء تأتي وتذهب، لا شيء يدوم حقًا".