ميونخ، ألمانيا (CNN) -- يصدح صوت الأذان من متجر كان حانة في السابق إلى الشارع، بينم يصطفّ الرجال والنساء على سجادات فردت منذ قليل بعناية فائقة.
وبينما يقف رجل يهودي عند المدخل، تطعم سيدة طفلها في الزاوية. بعدها بقليل، تبدأ الخطبة، التي يلقيها الخطيب باللغة الألمانية.
هذا ليس تجمّعاً عادياً، وليس مكان صلاة عادي. إذ منذ شهر مايو/أيار الماضي، لم يعد للمسلمين في ميونخ مكان ليصلوا فيه صلاة الجمعة. ولهذا، تبرّعت لهم مؤسسة خيرية بمكان كي يصلوا فيه، كان في السابق حانة.
قد يهمك أيضاً: شاهد في 60 ثانية.. 5 أرقام عن أقوى اقتصاد في أوروبا
لكن، لا أحد من هؤلاء المصلين يعلم المكان الذي سيصلي فيه الجمعة القادمة.
المفارقة الغريبة هي أنه في البناء المجاور، يوجد مسجد فارغ تابع لمؤسسة ميونخ للإسلام، والتي أُسست في العام 2014 للترويج للإسلام "الأوروبي" الحديث.
وأجبر المسجد على الإغلاق بسبب التزاحم فيه. وبحسب المتحدث باسم البلدية، ستيفان هوف، السبب هو خرق قواعد السلامة المتعلقة بالحرائق بسبب التزاحم وتدافع المصلين للدخول.
يقول الإمام أحمد بوبال إن الناس كانت لا تتوقف عن التدافع للدخول حتى بعد إغلاق الأبواب، حتى أنهم كانوا يحاولون الدخول عبر النوافذ.
قد يهمك أيضاً: عنف متصاعد ضد اللاجئين بألمانيا.. وسوري يرفض الصمت
"كانت هناك تهديدات شخصية"
واليوم، لم يبقَ أي جوامع في ميونخ، بعد أن أغلقت مساجد أخرى في الأشهر السابقة بسبب التزاحم، أو رفض المؤجرين تجديد عقد الإيجار للمساجد.
وهذا النقص في عدد المساجد يسبب معاناة لسكان المدينة من المسلمين، الذين لا يستطيعون السفر إلى الضواحي للصلاة في المساجد الأخرى.
وفي الأشهر القليلة الماضية، لم يحالف بوبال الحظ في إيجاد مكان لتأسيس جامع جديد، مؤكداً أن طلبه كان يواجه الرفض "ما أن يسمع أحد كلمة "جامع." كما واجه المجتمع الإسلامي في ميونخ أفعال معادية، بحسب أحد أعضاء مؤسسة ميونخ للإسلام، إركان إنان، مثل رمي البيض على مبنى الجامع، ووضع لحم الخنزير في صندوق البريد.
قد يهمك أيضاً: كيف هي حياة اللاجئين في ألمانيا حقاً؟
وبعد أسبوع من إغلاق المسجد، قرر أعضاء المؤسسة الصلاة في الساحة المركزية بجانب مبنى البلدية، لكنهم ألغوا الخطة بعد أن تلقوا تهديدات من قِبَل الجماعات اليمينية المتطرّفة، التي هددت برمي لحم الخنزير والبول وحتى الدم على المصليين.
وعندما علم القسيس كارل كيرن بمعاناة هذه الجماعة من المسلمين، عرض عليهم غرفة للصلاة. يقول كيرن: "عندما توجد مجموعة ترغب بالصلاة، يجب أن يقف إلى جانبهم الأشخاص الذين يخافون الله."
بعد هذه البادرة، بدأت الكنائس والمسارح والمؤسسات الثقافية حول ميونخ بالمبادرة لاحتضان المصلين المسلمين.
قد يهمك أيضاً: لقطات نادرة من داخل برلين "المهجورة" منذ الحقبة السوفيتية
"قد يكون بناء محطة طاقة نووية أمراً أسهل"
وبين العامين 2011 و2015، وصل 1.2 مليون مسلم إلى ألمانيا، غالبيتهم لاجئون من سوريا وأفغانستان والعراق. ويشكّل المسلمون اليوم 5.5 في المائة من البلاد، ما يهدد بانتشار ظاهرة التزاحم في المساجد حول البلاد.
ورغم أن 96 في المائة من مسلمي ألمانيا يشعرون بارتباط وثيق ببلادهم بحسب تقرير مستقل أخير، إلا أنهم غير مقبولين في المجتمع بشكل كامل.
كما تنص الدراسة ذاتها أن 19 من الألمانيين لا يرغبون بأن يكون شخص مسلم جاراً لهم.
قد يهمك أيضاً: لاجئ سوري يخسر قضية رفعها بألمانيا ضد فيسبوك
وحسب رئيس إدارة المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، أيمن مازيك، مشكلة نقص المساجد ليست في ميونخ حصراً، لكنها الأقسى هناك. وتعتبر ميونخ مدينة مسيحية محافظة فيها 13 كنيسة في مركز المدينة فقط. ومنذ العام 2015، بلغ العدد طالبي الجوء الذين وصلوا إليها 160 ألف شخصاً، غالبيتهم من المسلمين.
ويقول مازيك، "لا يرغب كثيرون ببيع أو تأجير العقارات للمسلمين، لأنهم يخافون من انخفاض قيمتها. كما أنهم قد يعتقدون بأنهم إذا دعموا المسلمين، فهم يدعمون التطرّف أيضاً،" ويضيف: "حتى منذ 20 عاماً، كان بناء محطة طاقة نووية أسهل من بناء مسجد."
"متى سنستيقظ؟"
يقول بوبال إنه يعتبر أن الإسلام بالطريقة التي يروّج إليه بها هو حاجة أوروبية، حيث تصلّ النساء بجانب الرجال، وحيّث تُلقى الخطبة باللغة الألمانية، بدلاً عن العربية أو الفارسية أو التركية، وحيث تتواجد المبادئ الأوروبية الليبرالية.
وفي المقابل، يقول هوف، المتحدّث باسم بلدية ميونخ: "نحن بالطبع نؤيّد فكرة الإسلام الأوروبي، والذي يشارك القيم الأوروبية، ونحن ندرك أننا في حالة طوارئ." لكنه يضيف أن مؤسسات الدولة مجبرة على الاتزام بالحيادية في الشؤون الإسلامية، مضيفاً: "لا يمكننا أن نبني مسجداً بهذه البساطة."
وفي المقابل، يقول إنان أن المسلمين لا يطالبون من أحد أن يبني مسداً لهم، وجلّ ما يريدونه هو "بوادر تعاطف." ويعتبر أن سبب تجنّب الجهات الحكومية التعاطف مع المسلمين يعود بشكل كبير إلى الانتخابات القريبة، لأن أي تعاطف مع المسلمين قد يؤثر سلباً على من يبدر منه.
في المقابل، يسعى أحد عضو مجلس البلدية اليهودي ماريان أوفمان إلى مساعدة المسلمين لإيجاد مكان دائم للصلاة، لدوافع سياسية وشخصية، إذ يقول إنه يحترم أسلوب الديانة التي يعلمها بوبال، ويؤمن أن بناء مسجد في قلب المدينة سيساعد في محاربة الإسلام المتطرّف.
ويقول: "عندما تساعد المسلمين الشباب على ممارسة ديانتهم، يقل خطر تطرفهم."
ولا يزال بوبال وإنان في طور البحث عن مكان دائم يستأجرونه للصلاة فيه، لكنهما لا يزالان خائفين من أن يسبب الازدحام إغلاق المكان الجديد أيضاً.