دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في سبتمبر/ أيلول عام 2018، انتقلت الكاتبة ريبيكا سوندرز إلى اليابان، في عمق الريف الياباني بشبه جزيرة كي، ولم تعتقد أبدًا أن العيش في مكان جميل سيكون منعزلًا للغاية، ولكن هذه كانت الحياة في "إينا".
وتحيط بقرية الصيد الصغيرة هذه الجبال من جميع الجهات، باستثناء البحر، وتطل على جزيرة واحدة وحيدة، ويوجد بها متجر واحد فقط يبيع معدات الصيد والوجبات الخفيفة والمشروبات. يفتح مقهى إينا الفردي فقط في الأيام المشمسة ويغلق عند غروب الشمس.
ويقوم المزارعون بزراعة البرتقال في التلال أو يميلون إلى المحاصيل في حقول المدرجات.
ولأنها تعد غريبة أجنبية، برزت سوندرز دون أن تشعر، إذ كانت السيارات تتباطأ ليتمكن ركابها من إلقاء نظرًة عليها وهي تسير إلى المتجر، وكان السكان المحليون يتساءلون عما تفعله هناك.
وقد سافرت سوندرز بالطائرة من لندن إلى طوكيو وأمضت أسبوعين في استيعاب أجواء العاصمة اليابانية قبل أن تتواصل مع صديقتها مانامي، التي التقت بها أثناء تجولها في اليابان قبل بضع سنوات، وتخبرها أنها تبحث عن مكان للعيش فيه.
وردت مانامي قائلة: "يمكنك البقاء في كوخي".
وكان ذلك مصدر ارتياح لسوندرز، إذ كانت تنفق كثيرًا على إقامة الفنادق في المدينة وكانت بحاجة إلى مكان تبدأ منه حياتها في اليابان.
وبعد ثلاثة أيام، وجدت سوندرز نفسها على متن القطار السريع المتجه إلى أوساكا.
ولم تخف سوندرز شعور الرهبة والحماس، إذ كانت رحلتها إلى طوكيو بعيدة جدًا عن موطنها في المملكة المتحدة، لذا من المؤكد أن قرية صيد صغيرة ستجعلها تشعر وكأنها انتقلت إلى بُعٍد مختلف تمامًا.
ومن أوساكا، استقلت سوندرز قطارًا محليًا خارج المدينة ثم قطار آخر محلي.
البحر والجزيرة
وكانت مانامي في انتظار سوندرز عندما غادرت القطار، وكان من المريح بالنسبة للأخيرة رؤية وجٍه مألوف.
ولا تعد قرية إينا وجهًة يذهب إليه الزوار الأجانب، إذ لا يزورها الكثير من اليابانيين حتى.
وأصبحت قرى الصيد ببطء من بقايا الماضي، وأصبح الشباب المحلي أكثر اهتمامًا بحياة المدينة الكبيرة بدلاً من اتباع خطى الآباء والأجداد.
وكان المنزل الذي تنتقل إليه سوندرز مكونًا من مبنيين، إذ تملك صديقتها مانامي منزلاً يابانيًا تقليديًا، ثم قامت ببناء كوخ حديث بجواره، ويقع مكان الإقامة على منحدر جبل، كما يوفر إطلالات ساحرة على البحر.
وكانت سوندرز تجلس وتحدق عبر الأبواب المنزلقة للمنزل في الشكل المظلم لجزيرة كوروشيما قبالة الشاطئ والقوارب التي تتقدم ببطء من بعيد، وكان لديها إطلالة على الحياة في القرية بأكملها.
ولكن بطريقة ما، وجدت سوندرز نفسها أكثر عزلة هنا.
الضروريات
وفي اليوم التالي، ذهبت سوندرز برفقة مانامي إلى مكتب بريد القرية لإنشاء حساب مصرفي وتسجيل عنوانها الجديد.
بعد ذلك، ذهبت سوندرز في جولة وحدها على التل وكانت الشمس قد بدأت في الغروب، لمدة 10 دقائق أو نحو ذلك، إلى متجر القرية الصغير لشراء مشروب.
وتفاجأت صاحبة المتجر برؤية سوندرز ولكن دون أن يبدو عليها الارتباك، وقالت باليابانية: "مرحباً"، ولكن لهجتها الثقيلة كانت تختلف عن تلك التي اعتادت سوندرز سماعها في طوكيو.
وبينما كانت سوندرز تحاول دفع ثمن شرابها، كانت صاحبة المتجر تتحدث إليها عندها أدركت بسرعة أنها لا تعرف ما يكفي من اليابانية ولم يكن لديها أي فكرة عما كانت تقوله صاحبة المتجر، لذلك ابتسمت سوندرز واعتذرت عن افتقارها الشديد للغة عندما غادرت.
وكانت المشكلة التالية هي الطعام. ولحسن الحظ، شقت التكنولوجيا طريقها إلى قرية الصيد اليابانية هذه، وكان بإمكان سوندرز طلب توصيل البقالة عبر الإنترنت.
وكانت سوندرز تقف في الشرفة عندما رأت شاحنة توصيل الطعام متوقفة في الأسفل، وبدا السائق مرتبكًا من الاتجاهات، حينها خرجت جارة مسنة من منزلها وصرخت "إنها للآنسة أجنبية ، أعلى التل!".
أهل القرية
وسرعان ما بدأت الحياة في إينا تتكشف لسوندرز.
وبالنسبة لها، بدأ صباحها بمشاهدة الإطلالة الجزيرة من شرفتها، كما تمكنت من رؤية مزارعي البرتقال يتنقلون في شاحنات صغيرة في طريقهم إلى أعلى الجبل.
ولوجبة الإفطار، كانت سوندرز تتناول البرتقال والشاي.
وفي الأيام ذات الطقس الجيد، كان البحر يتلألأ تحت أشعة الشمس، ولكن عندما يهطل المطر، كانت الغيوم تغطي الأرض ويختفي البحر.
وفي بعض الأحيان، عندما تكون سوندرز بالخارج لتعليق الغسيل أو عندما تعود من نزهة على الأقدام، فإن النساء اللواتي يحصدن البرتقال يوقفن شاحنتهن ويصررن على أن تأخذ بعضًا منه. وفي معظم الأيام، كانت ترى جارتها الودودة في أسفل التل جالسة على درجتها الأمامية، وبيدها سكين تنظف به السمك.
وكانت قرية إينا أيضًا موطنًا للحياة البرية، ورغم أنه نهاية الصيف، كانت درجة الحرارة لا تزال دافئة والحشرات لا تزال نشطة.
ويملأ صوت الضفادع الخضراء الصغيرة التي تعيش في حقول الأرز نسمات الليل، في حين أن حيوان أم أربعة وأربعين، التي تفرز السم من أرجلها، لا يجب العبث معها.
وهناك أيضًا الوحوش الأكبر، ولأن سوندرز تعيش عند سفح الجبل، اقتربت الخنازير البرية جدًا منها لدرجة أنها سمعت صوتها، كما قيل لسوندرز أن الدببة تعيش في المنطقة أيضًا.
تحذيرات الطقس
ذات مرة، علمت سوندرز أن إعصارًا سيضرب القرية، لذلك تواصلت مانامي معها لتقديم النصيحة وهي أنها بحاجة إلى إمدادات وجهاز راديو وكشاف في حالة انقطاع الكهرباء.
وجاء الإعصار ليلًا بعد يوم عاصف من البحار الهائجة والرياح العاتية. ولأنها تعيش فوق تل، كانت سوندرز قلقة بشكل خاص من الانهيار الأرضي، وفي تلك الليلة، تتذكر أن العاصفة هزت المنزل مثل سفينة في البحر.
واستيقظت سوندرز على الهدوء في اليوم التالي، وكانت شمس الصباح مشرقة والقرية ساكنة، ولكن الإعصار ترك بصمته، إذ بدا وكأن الشاطئ قد أعيد تشكيله بفعل الأمواج العاتية وأدت الصخور الكبيرة إلى ثني الحواجز المعدنية تمامًا حول الرمال، كما أن منشأت القرية قد تضررت.
ووبعد ذلك بأسبوعين، وقع زلزال، وتتذكر سوندرز أنها كنت تقف في المنزل حين بدأت الأرض تهتز تحتها، واخترق صوت إنذار الزلزال على هاتفها، محذرًا "زلزال! زلزال!" باللغة اليابانية، ورأت قوارب الصيد تندفع عائدة إلى الشاطئ، في حالة حدوث تسونامي.
ولم تكن متأكدًة مما تفعله، لذلك اختبأت في الحمام، بينما اهتزت الأرضية من جانب إلى آخر، حتى توقف الاهتزاز العميق، رغم أن قلبها ظل يخفق بسرعة.
مهرجان ماتسوري
وبعد وقوع الإعصار والزلزال، بدت الأمور وكأنها تستقر حتى مهرجان ماتسوري، وكان الشارع الرئيسي في القرية مزدحمًا، وكان الكبار والصغار قد خرجوا لمشاهدة فعاليات الحدث.
المضي قدمًا
وترى سوندرز أنه ليس من الصعب العيش في قرية مثل إينا، فهناك العديد من الأماكن مثلها.
ولكن في حين أن هناك عددًا قليلاً من الفنادق على الطراز الياباني في هذه القرى الصغيرة، فمن غير المحتمل أن تجدها عبر الإنترنت.
ويحب سكان المدن اليابانية أخذ قسط من الراحة في الريف، وغالبًا ما يشترون منازل العطلات لاستخدامها، مثل الكوخ الخاص بمانامي.
ومن السهل البحث في الإنترنت على مواقع مثل "Airbnb"، و تنصح سوندرز بالتحدث إلى المالكين، وقراءة المراجعات، والتعرّف على المكان قبل وصولك.
وتشير سوندرز إلى أن القرى في الريف الياباني بحاجة ماسة لمزيد من الناس للعيش فيها أو حتى زيارتها.
ورغم أن العيش في إينا لم يكن جزءًا من خطة سوندرز أبدًا، إلا أنها ممتنة لهذه التجربة.
وتنظر سوندرز إلى الشهرين اللذين قضيتهما هناك متفاجأًة بأنها تمكنت من العيش في مكان بعيد مثل هذا، معزول عن وسائل الراحة الحديثة.
وتقول سوندرز : "بعد العواصف والزلزال والحياة البرية أشعر بأنني مستعد لمواجهة تحديات أخرى ولكن القرية ستبقى محفورًة في ذاكرتي إلى الأبد".