دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أدى الغزو الروسي لأوكرانيا وحظر الطيران إلى إنشاء مناطق محظورة ضخمة في الأجواء، مع تداعيات كبيرة على الشركات الناقلة لمسافات طويلة التي تتقاطع مساراتها عادًة مع سماء أوروبا الشرقية خلال اتجاهها إلى آسيا.
ويؤدي كل ذلك إلى عواقب وخيمة على الركاب وشركات الطيران وتكلفة الطيران، إذا أحيت أوروبا وروسيا حقبة الحرب الباردة، حين شكل الستار الحديدي مسار الطائرات في الأجواء.
وحتى الآن، حظرت المملكة المتحدة وروسيا طائرات بعضهما البعض من التحليق أو الهبوط على أراضيهما. وبدأت إجراءات حظر أخرى في أعقاب ذلك، حيث قامت كل من بولندا وجمهورية التشيك بتقييد وصول الطائرات الروسية يوم الجمعة.
وبصرف النظر عن إحداث فجوة كبيرة في خريطة حركة الطيران في أوروبا الشرقية، فإن تعطيل حركة الطيران لمسافات طويلة، يُعتبر ضئيلًا للغاية حتى الآن.
وحتى الطائرات الروسية التي تستخدم المجال الجوي الدولي فوق المحيط الأطلسي لم تتأثر، على الرغم من أن المنطقة تُدار من قبل خدمات الحركة الجوية المتمركزة في المملكة المتحدة.
لكن ماذا عن الرحلات الجوية إلى شرق آسيا؟
وخلال أيام الحرب الباردة، كان تجنب الكتلة السوفيتية يعني الطيران شمالًا حول غرينلاند إلى ألاسكا، للتزود بالوقود في مدينة أنكوريج، ثم حول مضيق بيرنغ للوصول إلى اليابان. وتجاوزت الرحلات الجوية المتجهة إلى الصين البحر الأسود والقوقاز، مع تجنب أفغانستان ودخول الصين عبر آسيا الوسطى.
ولم يصل الوضع إلى تلك المرحلة بعد، وربما بفضل مجموعة الطائرات الحديثة، لن تكون هناك حاجة لمثل هذه الخطوات.
وستكون التأثيرات على شركات الطيران التجارية وركابها محدودة نسبيًا في هذه المرحلة، إذا استمر الحظر بين روسيا من جهة والمملكة المتحدة وبولندا وجمهورية التشيك من جهة أخرى.
وبالمثل، يمكن للوضع أن يتصاعد بسهولة.
سحابة "كوفيد-19"
وبسبب النطاق الجغرافي لروسيا، تمر الرحلات الجوية لشركات الطيران في جميع أنحاء العالم عبر المجال الجوي الروسي كل يوم، حسبما ذكره ميكائيل روبرتسون، المؤسس المشارك لخدمة تتبع الطائرات "Flightradar24"، لـCNN.
وتابع روبرتسون: "من المملكة المتحدة، تمر عادة حوالي 12 رحلة جوية كل يوم عبر روسيا في طريقها إلى وجهات مثل هونغ كونغ والهند".
وأضاف: "من الاتحاد الأوروبي، تمر مئات الرحلات الجوية عبر روسيا في طريقها إلى وجهات في آسيا. ومن الولايات المتحدة، تمر معظم حركة الشحن بين الولايات المتحدة وآسيا عبر جزء صغير على الأقل من المجال الجوي الروسي. وقبل عصر فيروس كورونا، كانت الأرقام أكبر، خاصة من المملكة المتحدة، لكن رحلات الركاب طويلة المدى لم تتعاف بعد".
وفيما يتعلق بخدمات الطيران، فإن شركة الطيران الروسية الوحيدة التي تخدم المملكة المتحدة هي "إيروفلوت"، بينما خدمت أكبر شركة طيران بريطانية، الخطوط الجوية البريطانية، في موسكو قبل الحرب.
وأعلنت الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية، مجموعة الخطوط الجوية الدولية، أن شركات الطيران التابعة لها لن تحلق فوق المجال الجوي الروسي.
وفي بداية الأزمة، أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية تعليمات لشركات الطيران الأمريكية تنص على تجنب العمليات في المناطق التي تشمل كل من أوكرانيا، وبيلاروسيا، والأجزاء الغربية من روسيا.
ويحلق عدد قليل من شركات الطيران الأمريكية فوق روسيا، مع خفض الرحلات الجوية إلى الهند بدون توقف بعد الإغلاق المعني بمكافحة "كوفيد-19".
وتعني الحدود المغلقة نسبيًا لليابان والصين ودول أخرى أمام الوافدين الدوليين لأسباب تتعلق بالصحة العامة أن خدمات الركاب من قبل شركات الطيران البريطانية لا تزال محدودة.
أما شركات الشحن الجوي، فإنها قصة مختلفة.
وقد امتدت بالفعل بسبب طفرة التسوق عبر الإنترنت منذ بدء الجائحة، فضلاً عن المتطلبات التي تحركها الاستجابة للجائحة، وقد تشهد شركات نقل البضائع مثل "فيديكس" وغيرها المزيد من التأثيرات.
وتقوم شركات الطيران الخاصة بالشحن تلك بالتحليق فوق روسيا بشكل منتظم، ولكن الطريقة التي يتم بها تنظيم شبكات مسارها تختلف عن شركات الطيران الخاصة بالركاب، وهناك رحلات أقصر لتوفير الوقود وتمكين استخدام الطائرات القديمة أو منخفضة المدى.
تحويل المسارات بين الشمال والجنوب
ومن المرجح أن تنبع المشاكل الرئيسية من حقوق التحليق، وتحلّق غالبية رحلات الركاب بين أوروبا وشرق أو جنوب شرق آسيا فوق روسيا كوظيفة جغرافية بسيطة.
ومن لندن إلى طوكيو، على سبيل المثال، تستغرق الرحلة حوالي 11 إلى 12 ساعة، وعادة ما تحلق فوق روسيا ودول الشمال. لذا فإن الخيار الأول لشركات الطيران التي تتجنب روسيا هو الطيران جنوبًا، حول البحر الأسود والقوقاز قبل التحليق فوق آسيا الوسطى.
وستكون هذه نسخة معدّلة لمسارات لندن، والهند، وهونغ كونغ المستخدمة خلال الحرب الباردة.
واعتمادًا على المسافة التي ستحتاجها الطائرة لتحليق على مدى جنوب البحر الأسود، سيضيف ذلك نحو ساعتين إلى ثلاث ساعات إلى رحلة لندن-طوكيو بدون توقف، ولكنه سيكون أقل بقليل من ساعة مقارنة بالخيار الثاني فوق ألاسكا.
أما الخيار الثاني فهو الطيران شمالًا، فوق غرينلاند وأقصى شمال كندا إلى ألاسكا ومضيق بيرنغ، وتجنب شرق روسيا.
وكان هذا هو الوضع الافتراضي لرحلات المملكة المتحدة واليابان في غالبية أوقات الحرب الباردة، عندما أضافت العديد من شركات الطيران محطة للتزود بالوقود في مدينة أنكوريج بولاية ألاسكا، للرحلات الجوية بين أوروبا وشرق آسيا.
المسافة مقابل الزمن
وبمصطلحات العصر الحديث، سيضيف طريق ألاسكا هذا نحو 1500 إلى 2000 ميل بحري إلى أقصر مسار بين لندن وطوكيو، أو نحو ثلاث إلى أربع ساعات إلى مدة الرحلة.
لكن الطائرات الحديثة قد لا تحتاج حتى إلى التوقف في أنكوريج.
ويعمل المسار السخي نسبيًا من لندن إلى طوكيو فوق شمال ألاسكا وجزر ألوشيان وحول جزر الكوريل على مسافة تتراوح بين 6500 و7000 ميل بحري.
ويُعد هذا ضمن نطاق الطائرات الحديثة، مع نحو 20 مسارًا جويًا أطول من ذلك، بما في ذلك دبي إلى هيوستن، وسان فرانسيسكو، ولوس أنجلوس وأوكلاند، أو هونغ كونغ إلى بوسطن ونيويورك.
وتتم هذه الرحلات، أو كانت تتم، بشكل منتظم بواسطة طائرات مثل "إيرباص إيه 380"، والتي يعود تاريخها إلى حوالي 20 عامًا من حيث التكنولوجيا.
أما الطائرات الأحدث منذ أكثر من عقد، مثل "بوينغ 787"، ستكون أكثر قدرة على الطيران في هذه المسارات.
التأثيرات المادية
وسيكون للحظر تأثيرًا ماليًا على شركات الطيران، ولكن أيضًا على روسيا، التي تفرض مئات الملايين من الدولارات على شركات الطيران الدولية كل عام مقابل حقوق التحليق.
ويُوضح أديسون شونلاند، الشريك في شركة "AirInsight Group" الاستشارية أن "هناك عشرات الرحلات الجوية من الاتحاد الاوروبي الى آسيا التي تعبر الأجواء الروسية يوميًا".
ويضيف: "كل هذه طائرات ركاب ذات ممرين أو طائرات شحن كبيرة، وهذا يعني أنها تدر عائدات يومية جيدة لروسيا على الرغم من أنها مسارات فعالة اقتصاديًا بين المنشأ والوجهات".
ويقول شونلاند إنه في حالة حدوث عمليات تحويل، "سيتكبد المشغّلون المزيد من التكاليف من خلال الطيران على طرق أقل كفاءة من الناحية الاقتصادية، وبالتالي، قد يدفعون أيضًا المزيد من رسوم التحليق. ويمكن للمسافرين ووكلاء الشحن توقع دفع رسومًا إضافية قريبًا".