في إيطاليا مشروب قديم له ماضٍ خطير.. ما هو؟

سياحة
نشر
4 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- إنه قوي للغاية، بنكهة الشمّر، وشفاف مثل الماء، ولا تزال العديد من المنازل في سردينيا تنتجه على نحو غير قانوني.. 

يعتبر "فيلو إي فيرو"، أو "السلك الحديدي"، مشروبًا قديمًا ذات ماضٍ خطير، وبتركيز كحولي يصل إلى 45٪، حيث يقضي حتى على أولئك الذين يتمتعون بدرجة عالية من التحمّل.

وكانت روزا ماريا سكروغلي بالكاد تبلغ من العمر 23 عامًا، عندما أرسلت بمهمة عمل إلى بلدة سانتو لوسورغيو، عام 1970.

تقع البلدة في منطقة أوريستانو البرية، غرب سردينيا، وسط التلال الصخرية والكهوف.

ومنذ 400 عام، كان يصنع هذا المكان مشروب "فيلو إي فيرو"، الذي يُعرف محليًا باسم "أباردينتي"، وهي كلمة مشتقة من اللاتينية التي تعني "المياه الحارقة".

استقبل العمدة حينها سكروجلي بكاسات صغيرة ترحيبية عدة. لكنها كادت أن تنهار بعدما شربت الكأس الثاني، وسقطت على العمدة الذي كان مخمورًا قليلاً.

وقالت لـCNN: "أتذكر أنّ شخصًا ما جرّني بعيدًا، واستيقظت في غرفتي بالفندق.. لم يكن العمدة أيضًا على ما يرام، لكنه اعتاد على شرب فيلو إي فيرو.. المرة الأولى، كانت بمثابة صدمة".

إيطاليا
يمتلك كارلو بسيشي معمل التقطير القانوني الوحيد في القرية. Credit: Distillerie Lussurgesi

رمز سري

أصبح مشروبًا "خارجًا عن القانون" في القرن التاسع عشر عندما فرضت العائلة الملكية في سافوي بإيطاليا، رسومًا على إنتاج الكحول، ما أدى إلى بدء تجارة غير مشروعة تستمر في سانتو لوسورغيو على نطاق واسع.

وحتى عقود قليلة خلت، كانت الشرطة تقوم بعمليات مداهمة متكررة.

وكان المزارعون يخفون زجاجات "فيلو إي فيرو" إما في مكان سري بالمنزل أو تحت الأرض في حديقتهم، ويستخدمون قطعة حديدية كعلامة.

ومن هنا جاء اسم "السلك الحديدي".

وفي الوقت الحاضر، أصبحت الأمور أقل خطورة مما كانت عليه الحال في الماضي.

يقوم العديد من الإيطاليين بتخمير النبيذ وجميع أنواع المشروبات الكحولية في المنزل، ولم تعد السلطات تطرق أبواب الناس إلّا إذا قاموا بتأسيس شركة على نطاق واسع.

وفي فترة الستينيات، يستذكر بسيش، مالك معمل التقطير القانوني الوحيد في القرية، عندما قامت شرطة الضرائب بدوريات بحثًا عن منتجين سريين.

كان يسارع الناس لإخفاء زجاجاتهم، وهم يصرخون لبعضهم البعض برمز الطوارئ "فيلو إي فيرو".

كانت مثل إشارة لحظر التجول.

إيطاليا
قام القرويون بتخمير "فيلو إي فيرو" لمدة 400 عام. Credit: Distillerie Lussurgesi

كان في القرية حوالي 40 معمل تقطير بحلول نهاية القرن التاسع عشر، عندما أصبح مشروب "فيلو إي فيرو" مشروبًا شائعًا وتم تصديره عبر إيطاليا.

ومع ذلك، أُغلقت معامل التقطير في مطلع القرن العشرين، وأصبح الإنتاج "محليًا" فقط.

يتميّز معمل تقطير بسيش الحرفي بأغراض تقطير قديمة وزجاجة أصلية تعود للعام 1860.

ويُذكر أنّ لديه العديد من العملاء الأمريكيين في أوهايو وشيكاغو، حيث هاجر العديد من القرويين.

وبينما كان يتوجه الرجال إلى الحقول، كان إنتاج "فيلو إي فيرو" في سردينيا من المهام النسائية.

أصبحت الزوجات والبنات والجدات خبيرات في التقطير. في البداية، تم استخدام أواني نحاسية كبيرة، مخصصة للحليب تقليديًا، وختمها بعجين الدقيق لتسخين النبيذ.

إيطاليا
تقع سانتو لوسورغيو بين التلال، في غرب سردينيا. Credit: Courtesy Michele Salaris

تجمع علاقة حب بين سكان سردينيا وهذا المشروب، تمامًا كما يفعل سكان نابولي مع القهوة.

وبحسب ما أوضحه بسيتش، من المعتاد شرب كأس من "فيلو إي فيرو" خلال فترة منتصف الليل لتكريم المتوفي.

وقالت امرأة من سانتو لوسورغيو، في حديث لها مع CNN، لم ترغب بالكشف عن هويتها خوفًا من أن تلقي السلطات القبض عليها، إن الأمر لا يقتصر فقط على المناسبات الخاصة.

وأوضحت: "أولئك الذين يحبونه يشربونه في أي وقت من النهار، حتى على وجبة الإفطار".

وتقول المرأة إنها أشركت ابنها حاليًا بالتحضير اليومي لمنتجهم المصنوع منزليًا. وربما تكون هذه علامة على تغير الأوقات التي يجب على الرجال مثل بسيتش أن يلعبوا فيها دورًا رئيسيًا للحفاظ على هذا التراث الكحولي.