هل ستبقى طرق تايوان "الجحيم الحي للمشاة".. وإلى مدى يؤثر ذلك على السياحة في الجزيرة؟

سياحة
نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مرّ شهران تقريبًا على رفع تايوان القيود التي فرضتها على الوافدين إلى البلاد، وألغت الحجر الصحي الإلزامي، ما سمح لمعظم السيّاح الدوليين بزيارة الجزيرة.

وكانت الحكومة تعهّدت منذ ذلك الحين، بتعزيز عروضها السياحية وجذب 10 ملايين زائر دولي بحلول عام 2025، بعد خسارتها عائدات السياحة خلال جائحة "كوفيد-19".

لكن، بغية جذب السيّاح الدوليين وإبقائهم، يرى النقاد إنه يتعيّن على تايوان أولاً، تحسين سلامة الطرق، للسائقين والمشاة على حد سواء.

وربما تعود شهرة الجزيرة لمطبخها الشهي، ومناظرها الطبيعية الخلابة، وحسن ضيافتها، لكنها تشتهر أيضًا بطرقها الخطرة. وقد دعت دولٌ عدّة، بينها أستراليا، وكندا، واليابان، والولايات المتحدة، تايوان لتحسين ظروف الطرق لديها.

وحذّرت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها كالتالي: "كونوا متيقظًين من العديد من الدراجات البخارية والأخرى النارية، التي تتنقل داخل وخارج مسارات الطرق.. توخوا الحذر لدى عبور الشوارع لأنّ العديد من السائقين لا يحترمون حق المشاة بالمرور".

لكن الحكومة الكندية كانت أكثر حدّة ومباشرة: "الدراجات النارية وسائقو السكوتر لا يحترمون قوانين المرور. إنهم متهوّرون للغاية".

خطر الطرق

وفي الآونة الأخيرة، راجت في تايوان صفحة على تطبيق فايسبوك لا تهادن كما يشي اسمها: "تايوان جحيم حي للمشاة". تأسست في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وبات لديها بعد عام على إطلاقها، قرابة 13 ألف متابع. 

وقال راي يانغ أنّ ما دفعه إلى تأسيس هذه الصفحة إثر عودته إلى موطنه الأصلي تايوان بعدما عاش فترة في ملبورن الأسترالية، الصدمة الثقافية العكسية المتمثلة في "كاد أن يدهسه" سائقو السيارات. 

وشرح يانغ لـCNN أنّ ثمة ما هو مشترك بين المدن في تايوان، ألا وهو غياب الأرصفة والممرّات الدائمة للمشاة".

وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أنّ 42٪ من الطرق في المناطق الحضرية لديها أرصفة. لكن هذا لا يظهر حقيقة الصورة. إذ يمكن أن تكون الطرق ضيقة وتعجّ بالدراجات البخارية والسيارات المركونة، ومغلقة بأعمدة الإنارة وصناديق المحولات، وبالنباتات أمام واجهات المتاجر أو اللوحات الإرشادية. وأوضح يانغ إن المشاة عندها يصيرون "مجبرين" غالبًا على السير في مسارات السيارات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض أرصفة المشاة عبارة عن خليط من الباحات، التي يُطلق عليها في تايوان اسم "كيلو" qilou، والمبنية من أسطح ومرتفعات مختلفة، ما يؤثر سلبًا على القدرة على المشي.

هذا الواقع يضطر الأهل الذين يمشون برفقة أطفال أو يجرون صغارهم في عربات، إلى حمل الأخيرة خلال عبورهم، فيما يضطر مستخدمو الكراسي المتحركة إلى التعرًّج داخل وخارج ممرات السيارات والممرات التي يتم إعاقتها في بعض الأحيان.

وأضاف يانغ أن المشاة غالبًا ما يضطرون لخوض معارك من أجل تحصيل حقهم بالمرور مع راكبي الدراجات وسائقي السيارات أثناء عبورهم الطريق، أو السير على الأرصفة.

وقال البروفيسور تشنغ تسو جوي من جامعة تشينغ كونغ الوطنية إنّه "في تايوان، ثمة قول شائع مفاده أن الصداقة المميزة للشعب التايواني تنتفي ما أن يجلسوا خلف عجلة القيادة".

الأرقام تتكلّم

خلال العام الماضي، فارق الحياة 2962 شخصًا جراء حوادث مرور في تايوان، وهو ما يُترجم إلى 12.67 حالة وفاة لكل 100 ألف فرد.

ويفوق هذا المعدّل ذلك المسجل في اليابان بست مرات تقريبًا، وأعلى بـ5 مرات من المملكة المتحدة.

وابتكرت وسائل الإعلام التايوانية المحلية مصطلح "الحرب المرورية" لوصف واقع السلامة المرورية في الجزيرة "الأشبه بساحة المعركة"، وعدد الوفيات المرتفع الناجم عن حوادث الطرقات.

ورأى تشارلز لين، نائب الرئيس التنفيذي لجمعية سلامة المرور التايوانية، وهي مجموعة مناصرة تقوم بحملات من أجل طرق أكثر أمانًا، أنّ طرق تايوان غير صديقة للمشاة، وهي نتيجة ثانوية لمشكلة أكبر.

واعتبر لين أن جوهر قضايا سلامة الطرق في تايوان، يكمن بالافتقار إلى الخبرة المحدثة في هندسة الطرق والتصميم، وإرشادات تصميم الطرق "غير الواضحة" و"موجودة فقط على الورق"، حيث يتم "تنفيذها بشكل انتقائي"، فضلًا عن "التخطيط المتمحور حول السيارة، ما يعطي الأولوية للمركبات الخاصة على وسائل النقل العام وراكبي الدراجات والمشاة".

فعندما بدأت تايوان بتحديث طرقها في الستينيات، استندت إلى إرشادات تصميم الطرق في الولايات المتحدة، التي أعطت الأولوية للسيارات على المارة. ورغم ذلك، عندما بدأت الدول الأخرى بدمج احتياجات المستخدمين العرضة للخطر، أي المشاة وراكبي الدراجات، بتصاميم الطرق الخاصة بها، لم تلحق تايوان بالركب.

كما أن عدد الوكالات الحكومية الهائل في تايوان، التي تتمتع بسلطة قضائية على إنشاء وإدارة الطرق، يعقّد توزيع المسؤوليات، ويعيق الجهود المبذولة للدفع من أجل التغيير.

وإلى مخاوف السلامة، وغياب الممرات الصديقة للمشاة، فإن افتقار تايوان إلى وسائل النقل العام يمكن أن يحد أيضًا من تطوير السياحة خارج المحاور الرئيسية في الجزيرة.

في هذا الصدد قال تشينغ أنه "قد تكون وسائل النقل العام مروعة خارج منطقة تايبيه الكبرى، حتى أنها غير موجودة في بعض المناطق الريفية". وتابع "إنها ليست على مستوى الجهوزية للانطلاق".

كيف يمكن إصلاح هذا الواقع؟

لسنوات، تدري الحكومة التايوانية بقضايا سلامة الطرق في الجزيرة، وحاولت معالجتها في المقام الأول من خلال الحملات العامة لربط أحزمة الأمان وارتداء الخوذ، ثم فرض إجراءات صارمة على القيادة تحت تأثير الكحول.

كما أصدرت أيضًا كتيبات حول أحدث ممارسات تصميم الطرق وأنشأت أرصفة مؤقتة، فضلاً عن تحسين تصاميم الطرق في بعض المناطق.

لكن الخبراء رأوا أنّ استجابة الحكومة "النموذجية" كانت من خلال فرض المزيد من الإجراءات الشرطية، وإضافة المزيد من إشارات المرور وكاميرات السرعة، التي طالت المواقع حيث  من غير المنطقي "تثبيتها" فيها، ما يشي باعتمادها استراتيجيات "مجزأة" ليست فعالة بالضرورة، وفق لين.

وقال لين: "نحن نعتمد على الإنفاذ كثيرًا. يجب أن يكون التركيز على تصميم بنية تحتية أفضل للطرق وتعزيز التوعية لدى السائقين".

وصرح هوانغ يون جوي، السكرتير التنفيذي للجنة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق في تايوان، لـCNN، أنّ "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتحسين سلامة الطرق في تايوان، وتعمل الحكومة من أجل تحقيق الهدف النهائي المتمثل بالحد من عدد وفيات حوادث الطرق".