دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- "أنت في الغرفة تسعة، وهي إحدى غرفنا العابرة للبلدين". هذا ما قاله مدير فندق "Arbez Franco-Suisse"، ألكسندر بيرون، بابتسامة أثناء تسليمه مفتاحًا معدنيًا لميغيل روس، الذي يساهم بمواضيع السياحة في CNN.
وبالنّسبة لروس، كان احتمال المكوث في فندق من دون معرفة البلد الذي سينام فيه تلك الليلة، أمرًا مثيرًا بالفعل، ولكن، ماذا عن النوم في بلدين بالوقت ذاته؟
وقطع روس مسافة طويلة بالسّيارة عبر طرق متعرّجة للوصول إلى "La Cure"، وهي قرية صغيرة فوق جبال "جورا" الفاصلة بين فرنسا وسويسرا.
وبفضل معاهدة دولية غير معروفة في منتصف القرن لـ19، كان روس على وشك الاستمتاع بواحدة من أكثر تجارب الفنادق الفريدة في العالم.
ويتميّز الفندق الصغير المُدار عائليًا، ويُشار إليه أيضًا باسم "L'Arbézie"، بموقعه مباشرةً فوق الحدود الدّوليّة.
ونتج موقعه الاستثنائي عن "معاهدة دابس" (Treaty of Dappes) في عام 1862، والتي اتّفقت فيها فرنسا وسويسرا على تبادل إقليمي صغير للسّماح بسيطرة فرنسيّة كاملة على طريق استراتيجي قريب.
ونصّت المعاهدة على بقاء أي مبانٍ موجودة على طول الحدود في مكانها، وهو أمر استغلّه رجل أعمال محلّي لفتح متجر وحانة للاستفادة من التجارة عبر الحدود.
وتبع ذلك افتتاح الفندق في عام 1921.
وكانت النّتيجة تواجد نصف الفندق تقريبًا في فرنسا، والنصف الآخر في سويسرا.
وكان من المقرّر لروس البقاء في إحدى الغرف المنقسمة بين الدولتين، مع تواجد خط دولي غير مرئي يمر عبر الحمّام، والسّرير.
وهذا يعني أن ينام الضّيوف ورؤوسهم في سويسرا، وأرجلهم في فرنسا.
الجانب القانوني المعقّد
ومن الحروب العالميّة إلى جائحة "كوفيد-19"، أصبح موقع الفندق الفريد مصدرًا لا نهائيًا للمواقف والقصص الغريبة.
وينعكس الأمر أيضًا عبر العديد من عناصر الزّينة الموجودة في جميع أنحاء الفندق، مثل الأعلام التي تزين بعض الجدران، وتفاصيل أخرى خفيّة.
وأثناء جولة داخل إحدى الأجنحة، قال مدير الفندق: "ليست المرايا والنّوافذ مجرّد عنصر زخرفي، بل أيضًا بمثابة رمز للارتباط بين العوالم والوقائع المتجاورة".
وتُطل نسخة طبق الأصل من لوحة "لاعبو الورق" الشهيرة للرسّام الفرنسي، بول سيزان، على المطعم، وهي معلّقة في نقطة تمر عبرها الحدود.
ويمكن العثور على هذا المشهد، الذي يُظهر رجلين يلعبان الورق، على لوحة جداريّة كبيرة تُزيّن إحدى الجدران الخارجيّة للفندق، وهي تلمح إلى حادثة وقعت في الفندق خلال عشرينيّات القرن الماضي.
وفرض ضابط جمارك سويسري غرامة على مجموعة من الزبائن لضبطهم وهم يلعبون الورق، ولكن لم تكن المقامرة جريمتهم، بل استخدامهم مجموعة بطاقات فرنسيّة الصنع على الجانب السويسري من الفندق دون دفع الرّسوم الجمركية أولاً، بحسب ما شرحه بيرون.
ملاذ خلال الحرب العالمية الثانيّة
وينعكس الإطار القانوني أيضًا عندما يتعلّق الأمر بخَيارات الطّعام المتاحة في الفندق.
وعند الجلوس على الجانب الفرنسي من المطعم، لن تتمكّن من طلب جبن "tomme Vaudoise".
ولا يمكن جلب هذا الجبن السويسري المحلّي إلى الجانب الفرنسي بسبب اللوائح الأوروبيّة الصّارمة التي تؤثّر على منتجات الألبان غير المبسترة.
وينطبق الأمر ذاته، في الاتجاه المعاكس، على بعض الوجبات الفرنسية، إذ لا يُسمح بتوزيع نقانق "saucisse de Morteau" في سويسرا.
ويتمتع الفندق برقمي هاتف لكل بلد، كما أنّه زوّد الغرف بنوعين من مقابس الكهرباء لاختلافها في البلدين.
وشكّل المكان ملاذًا خلال الحرب العالميّة الثّانية عندما تقاربت المناطق التي احتلّتها ألمانيا، والمناطق المتعاونة الخاضعة لحكومة فيشي في فرنسا مع سويسرا الحرّة في موقع الفندق.
واحتلّ الألمان النّصف الفرنسي من الفندق، ولكن كانت الطوابق العليا محظورة لأن الدّرج المؤدّي إلى الغرف كان فوق الأراضي السويسريّة جزئيًا، وجعلها ذلك ملاذًا آمنًا نسبيًا للاجئين والطيّارين الهاربين المتحالفين.
محادثات سريّة
وفي أوائل الستينيّات، كان فندق "Arbez" أيضًا موقع انعقاد مفاوضات سريّة أدّت إلى استقلال الجزائر من فرنسا في عام 1962.
ولم يرغب المفاوضون الجزائريّون أن تطأ أقدامهم الأراضي الفرنسيّة خوفًا من القبض عليهم، ولكن رغبت السّلطات الفرنسيّة إجراء المحادثات بسريّة ضمن حدودها، وشكّلت غرفة خاصّة في الفندق الحل المثالي لذلك.
ومن المُحتمل أن يستخدم الأشخاص من ذوي النوايا السّيئة الفندق أيضًا.
وفي أوائل عام 2002، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول بوقتٍ قصير، ذكر بيرون زيارة عملاء من جهاز أمني لم يكشف عنه الفندق، وذلك للتّحقيق بشأن احتمال استخدام أحد عناصر تنظيم القاعدة له لعبور الحدود خِفية.
ومع تفشّي جائحة "كوفيد-19"، وجد الفندق نفسه في الخطوط الأماميّة مرّة أخرى، وتمكنّ من البقاء مفتوحًا لبعض الوقت، من أجل توفير أماكن إقامة للعاملين الصحيين.