شيف فرنسي يسرد تحديات الطبخ في أنتاركتيكا ولكن من هم زبائنه؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لا يُوجد أي مكان على الأرض أبرد من شرق القارّة القطبيّة الجنوبيّة.
وتواجه "الأميرة إليزابيث"، وهي محطّة أبحاث قطبيّة في منطقة "كوين مود لاند"، رياحًا عاتية تصل سرعتها إلى 249 كيلومترًا في السّاعة، ودرجات حرارة منخفضة تصل إلى 50 درجة تحت الصّفر.
ولذلك، يكون التمتّع بموهبة تحضير المأكولات التي تبعث على الرّاحة أمرًا ضروريًا لأي طاهٍ يعمل في هذه البيئة.
وقال الشّيف الفرنسي الذي يدير هذه القاعدة النّائية في أنتاركتيكا لعدّة أشهر كل عام، توماس دوكونسي: "بما أنّ الأشخاص يتواجدون في الخارج وسط درجات حرارة شديدة البرودة، وظروف قاسية، أحب تحضير شيء جيّد ودسم للجسم".
ويأتي الطّهي بظل هذه الظّروف مع تحدّيات فريدة من نوعها.
سبعة مواسم في أنتاركتيكا
وخلال أشهر الصيف من نوفمبر/تشرين الثاني إلى فبراير/شباط ، يغمر الضّوء المناطق الجبليّة الجليديّة، وتختفي الشّمس وراء المرتفعات لثلاث ساعات فقط في اليوم.
وخلال هذا الوقت، يستخدم باحثون من بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وتركيا، والهند، والولايات المتحدة المساحة المُحيطة بهم لإجراء أبحاث علميَة، ووضع استراتيجيّات لمعالجة تغّير المناخ.
ويبقى بعضهم لبضعة أسابيع، بينما يبقى آخرون للموسم بأكمله.
ويبقى دوكونسي، وهو الشّيف المقيم في قاعدة "الأميرة إليزابيث" لـ4 أشهر، وهذا العام هو الموسم السّابع له في القارّة القطبيّة الجنوبيّة.
وقال دوكونسي: "نحضّر خبزنا بأنفسنا، ونخبزه هنا. والخبز الطّازج مهم. وأحبّ تحضير البريوش الذي يُحشى بالشوكولاتة لوجبة الفطور".
ونتيجةً لوقوع أقرب مدينة من القاعدة، وهي كيب تاون في جنوب أفريقيا، على بُعد رحلة جويّة مدّتها 6 ساعات، يحرص الشّيف على تجميد اللحوم، والأسماك، والخضار لتدوم طوال الموسم.
كما أنّه يُخزّن البيض في عبوات سعتها 5 لترات مع فصل البياض والصّفار.
وبالنّسبة للمكوّنات الطّازجة، تصل مجموعة من هذه السّلع الثّمينة كل شهر من كيب تاون في حال استقرار الطّقس.
تحدّي تناول الطّعام الطّازج في قاعدة نائية
ورُغم تواجدها على ارتفاع 4،475 قدمًا فوق مستوى سطح البحر، إلا أنّ قاعدة "الأميرة إليزابيث" تظل دافئة ومحميّة من أحوال الطقس بفضل مزيج قوي من الصّوف، وأوراق "كرافت" شديدة التّحمل، والألمنيوم، والألواح الخشبيّة، والبوليسترين، والأغشية العازلة للماء، ورغوة البولي إيثيلين، والفولاذ المقاوم للصّدأ.
وتُنقل الأطعمة الطّازجة، بما في ذلك الخضار، والحليب، باستخدام تلك الطّائرات، وتتكرّر هذه العملية كل شهر اعتمادًا على الأحوال الجويّة.
وقال دوكونسي: "اعتدت أكثر فأكثر على الانتظار لشهر بين عمليات توصيل الأطعمة الطّازجة. وعندما بدأت هذه الوظيفة قبل أعوام، كان الأمر صعبًا لأنّ المأكولات الطّازجة تفسد بسرعة".
ولكنّه أضاف: "مع الخبرة، أعلم ما سيُفسد أولاً، ولذلك نحن نحضّر الكثير من السّلطات الطازجة في الأسبوع الأوّل. وأعمل بشكلٍ يُمَكِّنني من جعل هذه المكوّنات تدوم لأطول فترة ممكنة. وخلال هذه الأسابيع الأربعة، يمكنني تدبير الأمور، ولا يزال بإمكاني تقديم أمرٍ شهي لتناوله حتّى خلال الأسبوع الرّابع".
جهد جماعي
وتتنوّع وجبات الطعام التي يحضّرها دوكونسي في قاعدة "الأميرة إليزابيث"، وهي تشمل الحساء، واللحوم، والبيتزا، والسّلطات، وفطائر "الكيش"، والحلويّات، ويتوفّر خَيَار نباتي دائمًا.
وخلال المناسبات الخاصّة مثل عيد الميلاد، وعيد الشّكر، يُعد الشيف أطباقًا مثل الـ"فوا جرا" (كبد الإوز)، والدّيك الرّومي، وحلوى "النوغا" المثلّجة.
وتستقبل المحطّة ما بين 20 إلى 30 من أفراد الطّاقم في آنٍ واحد، ولكن على مرّ الأعوام، توسّعت المرافق لاستقبال 45 إلى 50 شخصًا.
ويتناوب أعضاء الطّاقم على مساعدة دوكونسي في المطبخ عبر تجهيز المائدة، وتجفيف الأطباق، وتخزينها، أو تقشير كميّات كبيرة من البطاطس.
العلاقة بين الطّعام ومعنويّات الطّاقم
وساعدت خبرة دوكونسي في إدارة هذه المآوي الجبليّة المنعزلة، بإنشاء منزل بعيدًا عن المنزل.
وتُعتبر أنتاركتيكا أكثر من مجرّد قارّة معزولة في العالم، إذ يمكنها أن تبدو مثل أي كوكبٍ آخر تمامًا.
ورغم أنّ المحطّة مريحة ومجهّزة بشكلٍ مناسب، إلا أن العزلة الشّديدة، والطّقس القطبي غير المتوقّع، والأشهر التي تقضيها بعيدًا عن منزلك وأحبتك قد تؤثّر على الأشخاص الأكثر شجاعة.
وأكّد دوكونسي: "في أنتاركتيكا، يُعد الطّعام مهمًا لمعنويّات الفريق، ومن المهم التّأكد من أنّ الأشخاص يشعرون بالسعادة حول المائدة، وأنّهم يتجمعون معًا بعد يومٍ عمل طويل"