دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أهرامات الجيزة قد تكون الموروث الأكثر شعبية الذي تركه المصريون القدماء في العاصمة القاهرة، ولكن يتجلّى موروث الفراعنة أيضًا في زاوية صغيرة، ربما لم تسمع عنها من قبل في إحدى أقدم مناطق القاهرة التاريخيّة.
ولعدة عصور، اشتهرت مصر بصناعة المنسوجات الكتانيّة، حيث اعتُبرت الملابس ضمن الهدايا المتبادلة بين فراعنة مصر وملوك العالم القديم، وفقًا لما ذكره الموقع الرّسمي الإلكتروني لمحافظة القاهرة.
وبرع القدماء في غزل، ونسج، وصباغة ألياف الكتان. ويمكنك رؤية ميراثهم في زاوية لم تمسها التكنولوجيا الحديثة تقريبًا، وهي مصبغة سلامة محمود في حي الدرّب الأحمر.
وتمكّن المصوّر الأمريكي، جانيك جيلبين، من توثيق ورشة العمل الزّاهية، التي تعود إلى أكثر من قرن من الزمن، في عام 2020.
من أيام الفراعنة
وعَلِم جيلبين بشأن المصبغة بفضل مصوّرة محليّة قامت بإرشاده إليها، وذلك بعد تعبيره عن رغبته في توثيق جانب أصيل غير سياحي في البلاد، وغير معروف على نطاق واسع خارج مصر.
وفي مقابلة مع موقع CNN بالعربية، أوضح جيلبين، وأصله من جامايكا أنه "قبيل هذه الرّحلة، لم أزر مصبغة مطلقًا، ولذلك شعرت بالفضول لمعرفة كيف تبدو".
وانبهر المصور بما رآه، مشيرًا إلى أنّ المشاهد ذكّرته بمشهدٍ سينمائي من مصر القديمة، وشرح قائلاً: "جعلتها الألوان، والأصوات، والدّخان، والرّوائح كلها بمثابة تجربة ساحرة".
وقضى الأمريكي ذلك اليوم في مراقبة عملية صناعة الأصباغ مع المالك والحرفيين وتوثيقها من دون مقاطعة سير العمل.
وذكر المصور أن ورشة العمل تُطبّق تقنيّات صباغة تعود إلى العصر الفرعوني.
وترسم صوره لوحة لخطوات هذه الحرفة، والتي تشمل وضع خيوط النسيج على أعمدة، وغمرها في حوضٍ من الماء السّاخن والمواد الكيميائيّة لتلوينها، ثم حشوها في عصّارة حتّى تجف جزئيًا.
وتُعلّق الأنسجة على سطح المصبغة حتّى تجف تمامًا قبل وضعها داخل أكياس لتوزيعها على العملاء، وهم تجّار الجملة الذين يبيعون المنسوجات في مصر، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة.
عمل مضني
وتواجه المصبغة منافسة من مصانع المنسوجات الكبيرة، فضلًا عن زيادة تكاليف إنجاز العمل، وانخفاض الطلب بظل جائحة "كوفيد-19".
ورُغم ذلك، إلا أنّ العملاء يستمرون في تقدير جودة المنسوجات فيها.
وأكّد المصور: "أكثر ما أثار إعجابي هو مدى صعوبة العمل، ولكن ذلك لم يثن الحرفيون على الضحك ورسم الابتسامة على وجوههم طوال اليوم".
وتستكشف أعمال جيلبين المُقيم في مدنية نيويورك الأمريكية حاليًا مختلف القضايا الاجتماعيّة، ومواضيع مثل الهجرة، والحقوق المدنيّة، والاحتفالات، والتّقاليد، والعادات، والدّين.
وأخذته رحلاته إلى 45 دولة حول العالم، ومنها تركيا، والأراضي الفلسطينيّة، وتنزانيا، والسنغال.
وظهرت أعماله في العديد من المنصات مثل "نيويورك تايمز"، و"فانيتي فير"، وغيرها.