دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- للوهلة الأولى، يبدو سوق "إيما كيثيل" (Ima Keithel) كأي مكان آخر.
وتمتدّ صفوف البائعات هنا من الغسق حتّى الفجر بين منتجات تتراوح من الفاكهة الطّازجة، إلى الأسماك، والأقمشة.
ولكن بعد المشي عبر متاهة السّوق الضخمة التي تضم أكثر من 5 آلاف من الأكشاك التي تتوزع عبر ثلاثة مبانٍ متعدّدة الطّوابق، وبحر من الأكواخ المصنوعة من القصدير، يُصبح من الصّعب تجاهل أحد الجوانب الفريدة، والتي تتمثل بوقوف امرأة عند كل كشك.
وقالت ميلاني تشينغانغبام البالغة من العمر 65 عامًا، والتي باعت منتجات مُستخدمة في الطّقوس الدينيّة بالسوق منذ عام 2002: "نحن مثل عائلة تمامًا، وأشبه بالشقيقات".
ويُعتبر سوق "إيما كيثيل" الواقع في إمفال، وهي عاصمة ولاية مانيبور شمال شرق الهند، أكبر سوق للنّساء فقط بالعالم.
ويعني اسمه "سوق الأم" باللغة المِيتيّة المحليّة.
ويمكن للرّجال الدّخول، ولكن لشراء البضائع فقط، أو حملها، أو حراسة المكان، أو تزويد النّساء بأكوابٍ من الشاي بالحليب.
وخلال فترة الذّروة صباحًا، تنبعث رائحة طبق "إيرومبا" المحلّي المصنوع من البطاطا المهروسة، وبراعم الخيزران، وصلصة الأسماك المجففة في الهواء.
وفي الوقت ذاته، تتوقّف النّساء لترك القرابين في ضريح إلهة الثّروة، والتّجارة، والحامية الرئيسيّة للسوق، "إيما إيموينو".
وقالت لينا مويرانغثيم، وهي مرشدة سياحيّة محليّة: "يمكنك الحصول على أي شيء تحلم به"، مضيفة: "السوق يتمتّع بأسعار رخيصة، كما أنّه يقع في قلب المدينة. ويعمل اقتصاد الولاية بأكمله بفضل هؤلاء النّساء بالفعل".
وبناءً على التّقاليد، يمكن للنّساء المتزوّجات فقط التّجارة في السوق رسميًا.
ولاكتساب بقعة في المنطقة الرسميّة، يجب أن تُرشّح المرأة من قبل بائعة متقاعدة غالبًا ما تختار أختًا، أو ابنة، أو قريبة كوريثة لها.
وتُعتبر بريا خرايبام على سبيل المثال تاجرة فخار من الجيل الثالث.
وقالت خرايبام البالغة من العمر 34 عامًا: "أنا فخورة بإدارة تجارة العائلة".
ويعود إنشاء سوق "إيما كيثيل" إلى مملكة "كانغليباك" في القرن الـ16، مع انطلاقه عندئذٍ كسوقٍ خارجي مؤقّت لتبادل المحاصيل.
ولتعزيز جهود البلاد في الحرب ضد بورما والصين، أصبح التّجنيد الإجباري إلزاميًا بمانيبور في عام 1533.
وتم تدريب جميع الذّكور منذ الصغر لحماية المملكة.
وحينها، تُركت النساء لإدارة المدينة.
وأوضحت الباحثة السّابقة في فترة ما قبل الاستعمار في المنطقة بجامعة "مانيبور"، لوكندرا أرامبام، أنّ السوق "بدأ كنشاط نسائي لبيع الأسماك، والخضار، ومنتجات اقتصاديّة أخرى".
وبفضل موقع إمفال الاستراتيجي الذي يسهل الوصول إليه وسط مانيبور، نمت المدينة تدريجيًا لتصبح المركز الاقتصادي للمنطقة، وأصبحت نساء "إيما كيثيل" أكثر نفوذًا.
ولكن لعبت النساء الجريئات في السوق أيضًا دورًا مهمًّا في مجال النّشاط الاجتماعي والسّياسي بمانيبور طوال تاريخ السوق البالغ من العمر 500 عام، وحتّى يومنا هذا.
وفي عام 1891 على سبيل المثال، أجبرت احتجاجات النساء المستعمرين البريطانيين على التّراجع عن الإصلاحات التي قدّموها، والتي فضّلت التّجارة الخارجيّة عليهنّ.
وفي عام 1939، شعرت النساء بالغضب من السّياسة البريطانيّة لتصدير الأرز المحلّي إلى أجزاء أخرى من الهند.
وواجهت النساء الجيش في ما كان يُدعى "أنيشوبا نوبيلان"، أو "حرب النساء الثانية"، وانتصرن.
وعندما أعلنت حكومة الولاية عن خططها لبناء مركز تسوّق في موقع السّوق بعام 2003، نظّمت النساء إضرابات جماعيّة استمرّت لأسابيع، ما أدّى لتعليق الاقتصاد، وعكس القرار.
وفي هذه الأيام، يُعد سوق "إيما كيثيل" نموذجًا مصغّرًا لمجتمعٍ يتّسم بالمساواة في مانيبور.
وتتمتّع الولاية بواحدة من أعلى معدّلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين الإناث في الهند، ويُنظر إليها كوجهة رائدة في مجال تحقيق المساواة بين الجنسين بجميع أنحاء البلاد.
ولكن لم يكن الطريق خاليًا من التحديات.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2016، ألحق زلزال بقوّة 6.7 درجة أضرارًا جسيمة بمباني السوق، واستغرقت عمليّة إعادة البناء عامين تقريبًا.
كما أثّرت عمليّات الإغلاق التي استمرّت أكثر من عام بظل جائحة "كوفيد-19" على سبل رزق التّاجرات.
ولكن عادت النّشاطات الآن لكامل طاقتها الاستيعابيّة في هذا السوق الرّائد الذي يعود إلى قرون من الزمن.