دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يُعتقد أن شجيرات الرمان (Punica granatum) نشأت في المنطقة الممتدة من إيران إلى شمال الهند، وسرعان ما انتشرت غربًا إلى البحر الأبيض المتوسط ، وشرقًا إلى الصين.
وتظل هذه الفاكهة مهمة ومحبوبة في العديد من مطابخ الشرق الأوسط، وتحظى بتقديرٍ كبير في دول مثل تركيا، وأرمينيا، وإيران.
ومع ذلك، سيكون من الصعب العثور على مكان يشيد بفاكهة الرمان أكثر من أذربيجان، وهي دولة تقع في جنوب القوقاز، حيث يحظى الـ"نار"، أي الرمان باللغة الأذربيجانية، بمكانة شبه مقدسة باعتباره رمزًا وطنيًا.
الرمان في المطبخ الأذربيجاني
وهنا، يؤدي "ملك الفاكهة"، كما هو معروف محليًا (ويرجع ذلك جزئيًا إلى سبلاته التي تبدو كتاج)، دورًا كبيرًا في كل من مطبخ وثقافة البلاد.
ومن سحقها وتحويلها إلى عصائر طبيعية، ومُرَبيات، وصلصات، إلى تزيين الأطباق الوطنية كالبيلاف ببذورها، يبدو أنّ استخدامات فاكهة الرمان لا حصر لها.
وكشفت فريدة بوياران، مؤلفة كتاب الطبخ "الرمان والزعفران: رحلة طهي إلى أذربيجان"، عن بعض من استخدامات الرمان الأكثر تخصصًا، وقالت: "أحد أساليب الطبخ هي إضافة الرمان الحامض إلى أطباق اللحوم لموازنة ثراء اللحوم، والمساعدة في عملية الهضم، مثل طبق نارجوفورما".
وتُصنع الشربات وهي عبارة عن مشروب منعش من هذه الفاكهة، إذ تُطهى حبوب الرمان في منطقة جويتشاي لتحويلها إلى مربيات سكرية تُسمى "ناردانشا".
وقالت بوياران: "بشكلٍ مثير للفضول، تُستخدم هذه المُرَبيات كعنصر حلو يرافق الشاي، وتُرَش حبوب الرمان فوق بيلاف الأرز.. هناك أيضًا شراب منعش يشبه دبس السكر، أي نارشارب، يُحضّر من بذور الرمان، وهو تابل لا غنى عنه مع أطباق السمك المشوي أو المقلي".
كما تُستَخدم القشور والبذور في المنتجات الطبية والتجميلية أيضًا.
ويجب أيضًا الإشارة إلى نبيذ الرمان الذي يُصنع تقليديًا في المنازل الريفية.
وفي الآونة الأخيرة، حظي هذا النوع من النبيذ باهتمام مصانع النبيذ الحديثة، حيث تم تحويله إلى منتج مميز للبلاد، ويمكنك تجربته في حانات النبيذ العصرية بالعاصمة باكو.
مهرجان الرمان
ورُغم زراعة الرمان في جميع أنحاء أذربيجان، إلا أنّه يُعتبَر أكثر لذّة في بلدة جويتشاي الواقعة تحت سفوح جبال القوقاز شمال وسط أذربيجان.
وهنا، يُقام مهرجان الرمان السنوي كل عام عادةً، ولكنه أُقيم لأول مرة منذ 4 أعوام في نوفمبر/تشرين الثاني بسبب أزمة فيروس كورونا.
وانطلق المهرجان في عام 2006، وسرعان ما تطور ليصبح أكثر احتفال ريفي محبوب في البلاد.
وخلال الحدث الذي يستمر يومين، بالتزامن مع موسم حصاد الرمان في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، أو بداية نوفمبر/تشرين الثاني، يحتشد آلاف الأشخاص في الشوارع المركزية بالبلدة (التي تكون هادئة غالبًا)، والتي تزدخر بأكشاك تبيع الرمان الطازج المزروع في جميع أنحاء قرى منطقة جويتشاي البالغ عددها 32 قرية.
ويتيح التنوع المناخي في البلاد زراعة أكثر من 60 نوعًا من فاكهة الرمان التي تختلف في الشكل، والحجم، واللون.
ويُعد هذا الحدث فريدًا من نوعه لدرجة أنّه أُدرِج ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي التابع لمنظمة اليونسكو في عام 2020.
قطاع الرمان
خلال مهرجان الرمان، يأخذ المرء فكرة عن النطاق الواسع لقطاع الرمان في أذربيجان، والذي يلعب دورًا بارزًا في القطاع الزراعي بالبلاد.
وبحسب ما ذكرته الجمعية الأذربيجانية لمنتجي ومصدري الرمان، تم إنتاج 187 ألف طن من الرمان في أذربيجان في عام 2022، مع تصدير 15% إلى الخارج.
وذهبت غالبية الكمية المُصدَّرة إلى روسيا، وأوكرانيا، ولكن المفاوضات جارية لجلب "ملك الفاكهة" في أذربيجان إلى أسواق جديدة في أوروبا، والصين.
وتُعتبر إمكانات أذربيجان التصديرية عالية جدًا بفضل الظروف المناخية المؤاتية، وتربتها، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في سوق الرمان العالمي.
ورغم أنّ المستقبل يبدو مشرقًا، إلا أنّ أحد التحديات المحتملة للقطاع هو تغير المناخ، فمن المحتمل أن تؤثر التغيرات في درجات الحرارة، وأنماط تساقط الأمطار، والأحداث الجوية القاسية سلبًا على الزراعة المحلية لفاكهة الرمان.
ولمكافحة ذلك، يُشجَّع المزارعين المحليين على زراعة أصناف مقاوِمة للمناخ، وإدارة المياه بشكلٍ أكثر استدامة.
ولكن بغض النظر عن التقلبات داخل الصناعة، من المؤكد أنّ عشق أذربيجان لفاكهة الرمان منذ قرون سيبقى كما هو من دون تغيير.