دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تزخر تركيا بالعجائب القديمة، فالبلاد، التي تمتد عبر أوروبا وآسيا، كانت في قلب العديد من الإمبراطوريات التي تركت وراءها مناطق جذب أثرية تنافس عجائبها الطبيعية العديدة.
مع ذلك، ليس جميعها تجلس فوق سطح الأرض، إذ تكمن تحت الأرض الكنوز التاريخية الأقل وضوحًا والمثيرة للإعجاب بالقدر ذاته، والتي يزيد عمرها عن 12 ألف عام.
وبينما يُعتبر بعضها معروفا، فإن البعض الآخر قد لا يكون كذلك.
وعلى سبيل المثال، كان صهريج البازيليك في إسطنبول، وهو خزان بأعمدة يعود تاريخه إلى العصر الروماني، مفتوحًا أمام السياح منذ عقود، كما أنّه ظهر بالعديد من الأفلام من بينها فيلم جيمس بوند الكلاسيكي "من روسيا مع الحب".
فيما يلي بعض من أفضل العجائب الجوفية التي تقدمها البلاد:
صهريج ثيودوسيوس، اسطنبول
شيّد هذا الصهريج الأنيق في أواخر العصر الروماني لضمان إمداد القسطنطينية بالمياه، كما كانت إسطنبول تُعرف سابقًا.
وظلت هذه الغرفة الموجودة تحت الأرض منسية تمامًا حتى أقل من 15 عامًا مضت.
وتحديدا شُيّد الصهريج في عهد ثيودوسيوس الثاني، حاكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية - أو البيزنطية - خلال الفترة من 402 إلى 450 ميلادي، في ما يُعرف الآن بمنطقة الفاتح في إسطنبول.
وكان الهدف من تشييده تخزين المياه العذبة التي جلبت من غابة بلغراد، وهي منطقة برية بالقرب من البحر الأسود شمال المدينة، عبر شبكة قنوات يبلغ طولها 155 ميلاً والتي تشمل قناة فالنس المائية القديمة، التي لا تزال قائمة بمنطقة الفاتح. ومن ثم كانت المياه توزّع على المواطنين.
ومع ذلك، في وقت ما في أواخر القرن الثامن عشر أو أوائل القرن التاسع عشر، تم نسيان وجودها تمامًا بعد بناء عقار خاص كبير في الموقع، وظل مخفيًا لسنوات عديدة.
ورغم استحواذ بلدية إسطنبول على المباني في أوائل القرن العشرين، إلا أنه في عام 2010 أعيد اكتشاف مدخل الصهريج تحت الأرض.
وافتُتح مستودع المياه الذي يبلغ عمره 1600 عام للجمهور في عام 2018.
وفي الداخل، تتلألأ الأعمدة التي تعلوها تيجان كورنثية ببريق لامع، وتعكس الحلقات النحاسية المصقولة لون وحركة المنشآت، والأحداث الثقافية.
صهريج دارا، ماردين
عندما بدأت الحفريات الأثرية في دارا عام 1986، كانت مستوطنة صغيرة تقع على سهل أخضر تعصف به الرياح، على بعد حوالي30 كيلومترًا خارج مدينة ماردين التاريخية في جنوب شرق تركيا.
وبخلاف السكان المحليين الذين كانوا يرعون الماشية عبر أنقاض مدينة حامية يعود تاريخها إلى القرن السادس، لم يذهب إلى هناك سوى عدد قليل من الناس.
والآن، كشف الموقع عن العديد من الكنوز بما في ذلك المقابر المنحوتة في الصخر، وورشة معالجة الزيتون، وسلسلة من الصهاريج تحت الأرض، وإحداها يتمتع بمساحة ضخمة لدرجة أن السكان المحليين اعتقدوا أنها زنزانة، وقد تناقلوا حكايات خيالية عن سجناء مقيدين بالسلاسل لسنوات، معتمدين على أعمدة ضعيفة من ضوء الشمس لحساب مرور الوقت.
وفي الواقع، كانت الصهاريج تخزن المياه المتدفقة من الجبال لاستخدامها من قبل السكان المحليين والجنود الرومان المتمركزين في دارا.
مدينة ديرنكويو تحت الأرض، كبادوكيا
في عام 1963، لاحظ مزارع تركي أن دجاجاته ظلت مفقودة، ثم عادت للظهور فجأة.
وحرصًا منه على حل اللغز، تتبع آثارها حتى وجد صدعا في الصخرة البركانية التي تشكل أيضًا مداخن بيريباكا الخيالية في كابادوكيا، ووجد فتحة لنظام كهف عميق يتكونّ من 18 طابقًا.
وقد أُدرجت ديرينكويو، وتعني "البئر العميقة"، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1985، وكانت ذات يوم بمثابة ملاذ آمن لما يصل إلى 20 ألف شخص.
ويدخل الهواء النقي عبر فتحات هوائية عميقة، ولكن رغم ذلك، فإن الجو في ديرينكويو يصبح أكثر رطوبة عند انحدار الطريق مسافة 100 متر.
وفي بعض الأماكن، ينحني المسار تحت الصخور المنخفضة، ويلتف مرة أخرى حول ذاته.
ومن خلال الطوابق الثمانية المفتوحة للجمهور، المليئة بأطلال الكنائس، والإسطبلات، ومعاصر النبيذ ومواقع المقابر الفارغة، يندمج التاريخ مع الحاضر.
نفق Rümeli Han، اسطنبول
كانت المباني الأنيقة التي تصطف على جانبي شارع الاستقلال الشهير في اسطنبول تضم في السابق صانعي المُخصِّرات وتجار السجاد، والنوادي الخاصة التي يرتادها المهاجرون الذين فروا من روسيا الثورية.
وفي المباني المزخرفة مثل Rümeli Han، كانت تأتي أبرز الشخصيات في اسطنبول لتناول الطعام. ويحتل الفنانون والممثلون والمغنون مركز الصدارة. ولا أحد يستطيع أن يخمن ما إذا كانوا قد استخدموا الأنفاق الغامضة، التي ظلت غير مكتشفة تحتها لسنوات، ولم تظهر إلى النور إلا في عام 2017.
وقد شُيّد نفق Rümeli Han في عام 1894 لصالح كبير مضيفي السلطان عبد الحميد الثاني. وبدأت أعمال التجديد في المبنى منذ ما يزيد قليلاً عن خمس سنوات، وعندها كُشف النقاب عن أسراره الجوفية.
والنفق مفتوح الآن للجمهور، وهناك لافتة مثبّتة على الواجهة الرخامية الأنيقة للمبنى تعلن عن وجوده.
في الأسفل، يوجد طوب طيني موضوع بإحكام يحجب ما فوقه.
وتقع الغرف الخالية من النوافذ على مسافات منتظمة على طول الجدران، وتؤدي إلى بعضها البعض، وتنتهي عند السلالم، المقفلة الآن، والتي تعود إلى مستوى الشارع.
مسجد سانجاقلر، اسطنبول
من مسافة بعيدة، يمكن فقط رؤية الجدران الحجرية الصلبة الرمادية الجافة والمئذنة من مسجد سانجاقلر، الواقع في ضاحية نائية على مشارف اسطنبول.
مع ذلك، ثمة شيء بالأسفل يبدو وكأنه من عالم آخر تمامًا.
وفي الخارج، يُعتبر المبنى متجذّرًا في الماضي مثل المستقبل.
ويشير الحجر الجاف إلى حدود مزرعة، في حين أن النمط السطحي من الخطوط المتوازية يذكّر بالمواقع الأثرية القديمة.
أما الجزء الداخلي فهو عبارة عن مساحة هادئة تشبه رّحم الأم، والزخرفة الوحيدة تتميز بالبناء الخشن وألواح الخرسانة المسلحة.
ويتمتع كل مقعد على مدرج المبنى بخط رؤية واضح للمحراب، وهو جزء من المسجد يشير إلى اتجاه القِبلة. وهنا، بدلاً من كوة الجدار التقليدية المنحوتة بشكل متقن، يتّخذ المحراب شكل شعاع من الضوء.
غوبكلي تبه، أورفة
على مسافة ليست بعيدة عن مدينة أورفة، التي تُعرف رسميا باسم شانلي أورفا، في جنوب شرق تركيا، توجد قبة تضرب نغمة متناقضة في النسيج الطبيعي الذي يزدهر على التلال المحيطة بها.
داخل القبة، ينظر الزوار إلى شاهد حجري ضخم، اي أعمدة على شكل حرف T يزن كل منها حوالي خمسة أطنان، مع منحوتات لحيوانات برية على الجوانب.
يعود تاريخ هذه الأعمدة إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخارن أي حوالي 9600 إلى 8200 قبل الميلاد. وفي عام 2018، اعترفت اليونسكو بموقع "غوبكلي تبه" كأول مظهر من مظاهر العمارة الأثرية التي صنعها الإنسان عبر التاريخ.
ويعتقد الخبراء أن الأعمدة على شكل حرف "T" قد أقامها الصيادون لاستخدامها كمكان للعبادة، وهي ممارسة كانت مرتبطة في السابق فقط بالمجتمعات الزراعية المستقرة.
مسجد ييرالتي، اسطنبول
يقع مسجد ييرالتي بين المباني القريبة من مصب القرن الذهبي، في شارع صغير في كاراكوي باسطنبول، ومن السهل التغاضي عنه.
ويفتح الباب المتواضع على تصميم داخلي بسيط يعتمد على التكرار والخطوط الواضحة.
ويتزين المسجد بـ42 سجادة في صفوف متوازية. وحتى خلال الأيام الأكثر دفئًا، يظل الجزء الداخلي باردًا بسبب الجدران التي تبلغ سماكتها سبعة أقدام وتسرب البرد عبر السجاد الأحمر.
وينبعث وهج أخضر غريب من النهاية البعيدة، ولكن بخلاف ذلك، للوهلة الأولى لا يبدو أن هذا المسجد يقدم الكثير من الاهتمام.
مع ذلك، يمكن للمظاهر أن تكون خداعة.
وكان مسجد ييرالتي ، واسمه حرفيًا يعني تحت الأرض، في الأصل زنزانة في الطابق السفلي لحصن بناه البيزنطيون في القرن الثامن الميلادي.
وفي القرون التالية، تعرض الحصن للأضرار وأعيد تشكيله، واستخدامه، وتحويله في النهاية إلى مسجد على يد الصدر الأعظم، وهو أعلى منصب تحت السلطان، باهر مصطفى باشا، في عام 1757.