تحليل: مقتل شكري جمعة مسؤول عمليات الغرب مؤشر لأفول نجم التنظيم.. عندما تتقزم القاعدة لتصبح ميليشيا باكستانية

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تحليل: مقتل شكري جمعة مسؤول عمليات الغرب مؤشر لأفول نجم التنظيم.. عندما تتقزم القاعدة لتصبح ميليشيا باكستانية
Credit: afp/getty images

مقال لبيتر بيرغن محلل شؤون الأمن القومي الأمريكي لدى CNN، وهو نائب رئيس "مؤسسة أمريكا الجديدة" للأبحاث وأستاذ في جامعة أريزونا، ومؤلف كتاب "المطاردة: عشر سنوات من البحث عن بن لادن من 9/11 إلى أبوت أباد.

في أغسطس/آب من العام 2008، سافر نجيب الله زازي، وهو أفغاني يحمل الجنسية الأمريكية، برفقة اثنين من زملائه في المدرسة، من نيوجيرسي الأمريكي إلى مدينة بيشاور الباكستانية، على أمل الانضمام إلى حركة طالبان.

في بيشاور، اجتمع الثلاثة مع ناشط من تنظيم القاعدة يدعى "أحمد"، قام بدوره بلعب دور حلقة الوصل بينهم وبين اثنين من قادة التنظيم اللذين طلبا من الشبان الثلاثة المشاركة في هجمات ضد الولايات المتحدة. رفض زازي الفكرة، فقد كان يرغب بمقاتلة الجيش الأمريكي في ميدان المعركة بجبال وسهول بلاده الأم، أفغانستان، وليس قتل المدنيين في شوارع بلده الثاني، أمريكا.

وإزاء تعنت زازي، قام القياديان في تنظيم القاعدة بالاستعانة بشخص يتحدث لغة الشاب الأفغاني الأصل ويمكنه التأثير عليه، شخص نشأ في شوارع نيويورك بالعقد التاسع من القرن الماضي وحقق تقدما صاروخيا في سلم قيادات القاعدة سمح له بالتحول من عنصر متدرب في معسكرات بيشاور إلى مسؤول للعمليات في الغرب، واسم هذا الرجل هو عدنان شكري جمعة.

ومع مرور الوقت تزايدت أهمية شكري جمعة في التنظيم إلى حد دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI إلى إدراج اسمه على قائمة أخطر المطلوبين الإرهابيين، مخصصا مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يتقدم بمعلومات حوله. وظل الغموض يلف هذا القيادي إلى أن أعلن الجيش الباكستاني مقتله في عملية شنها السبت.

شكري جمعة من مواليد السعودية عام 1975، ولكن عائلته رحلت في العقد الثامن من القرن الماضي إلى ترينيداد الكاريبية، ومن ثم سافرت منها إلى بروكلين الأمريكية. وسكنت العائلة أول الأمر في نيويورك قبل أن تنتقل إلى فلوريدا حيث عمل شكري جمعة في مهن مثل بيع السيارات المستعملة من أجل تمويل دراسته التي كانت في العلوم الكيماوية والكمبيوتر.

وتعرف عدد من المسلمين على شكري جمعة في فلوريدا، وقاموا بتسليمه مواد مصورة ومطبوعة حول "الجهاد" في كشمير وأفغانستان، وقد أثرت تلك المواد عليه إلى درجة دفعته للسفير عام 1999 إلى أفغانستان من أجل الالتحاق بمعسكر تدريبي للقاعدة، كما تبدلت تصرفاته ومواقفه، فعبر لوالدته عن رفضه لـ"تجاوزات" الغرب، مثل الكحول والمخدرات والملابس غير المحتشمة للنساء في فلوريدا.

في مايو/أيار 2001، غادر شكري جمعة فلوريدا مجددا عائدا إلى أفغانستان، ووصلها في يونيو/حزيران من العام نفسه، وبعد فترة قصيرة على هجمات 11 سبتمبر اتصل شكري جمعة بوالدته في فلوريدا قائلا: "هل سمعتي بالذي جرى؟ هم يريدون إلقاء اللوم على المسلمين" وقد حاولت والدته إقناعه بالعودة لأمريكا لكنها فشلت، لتنقطع الاتصالات تماما بينهما عام 2010.

شكري جمعة هو الشخص الذي كان يحاول عام 2008 إقناع الشبان الثلاثة، وهم – إلى جانب زازي – كل من زارين أحمدزي وأديس ميدوجانين، والأخير بوسني الأصل كان يعمل سائقا، بالانضمام إلى الجهاد على طريقته، قائلا إن طالبان لا تحتاج لمقاتلين، إذ لديها عشرات آلاف الرجال، ولكن يمكن لهم القيام بأمر أكثر أهمية إذا تدربوا على صنع قنابل وعادوا إلى أمريكا لشن هجمات على أراضيها.

محاولة شكري جمعة تزامنت مع قيام أمريكا بتعزيز برنامجها العسكري ضد طالبان وتنظيم القاعدة من خلال مضاعفة الضربات التي تشنها الطائرات العاملة بدون طيار، وقد أغضب ذلك زازي كثيرا، ووافق على العودة إلى أمريكا لشن هجمات من داخلها، بل إنه تطوع مع رفاقه لتنفيذ تفجيرات انتحارية.

وناقش المتطوعون الثلاثة مع شكري جمعة قائمة الأهداف التي يمكن لهم ضربها، وبينها بورصة نيويورك وساحة تايمز سكوير ومتاجر "وول مارت"، وعاد زازي إلى نيويورك منتصف يناير/كانون الثاني 2009 بعد خمسة أشهر أمضاها بالمنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان حيث أجرى اتصالات مكثفة مع قادة تنظيم القاعدة الذين كانوا يأملون أن يقوم الشاب ورفاقه بتوجيه ضربة قاسية لأمريكا.

لحسن الحظ، فشلت خطة زازي بتنفيذ تفجيرات في قطارات مانهاتن، بعدما كان يخطط لها بالتزامن مع الذكرى الثامنة لهجمات سبتمبر، وذلك بفضل مرافقة أجهزة الأمن الأمريكية للبريد الإلكتروني لأحد قادة القاعدة الذين كانوا على تواصل مع زازي ورفاقه، وسقط الشبان الثلاثة في قبضة الشرطة.

في الحقيقة، كان شكري جمعة هو المشرف على العملية، فمن أفضل من شخص عاش في بروكلين وفلوريدا لوضع خطة من أجل هجوم مماثل؟

الجيش الباكستاني قال السبت إن شكري جمعة قتل في وزيرستان، وهذا الأمر يعني أن أمريكا باتت أكثر أمنا – نوعا ما – من السابق، كما أنه يعني أن الجيش الباكستاني بدأ بتوسيع عملياته ضد المتطرفين عند المناطق الحدودية بشكل مجد، وهو أمر لطالما طالبت به السلطات الأمريكية.

مقتل شكري جمعة مؤشر إضافي على الضربات التي تلقتها النواة الصلبة الأساسية لتنظيم القاعدة، والتي كانت مسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر، والتي تتعرض لخسائر متواصلة بالأرواح والقدرات، إذ جرى قتل أو اعتقال جميع أفرادها تقريبا.

إن التصفية المتواصلة لمعظم قادة تنظيم القاعدة في باكستان يعني أن الجماعة التي كانت ذات يوم منظمة إرهابية دولية مرهوبة الجانب يمكن أن تتقزم لتصبح مجرد جماعة جهادية محلية في باكستان ليس لديها القدرة على العمل خارج جنوب آسيا.