تحليل: بين الكبرياء الهش والاتهامات بالميول النازية.. ما هي خطورة خلاف أردوغان مع أوروبا؟

العالم
نشر
7 دقائق قراءة

مقال تحليلي بقلم، نيك روبيرتسون، كبير مراسلي الشؤون الدبلوماسية في CNN.

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- وسط كل ما هو على المحك إثر خلاف تركيا مع أوروبا، ولكن ربما ليس هناك ما  هو أكثر هشاشة من كبرياء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

إنه يلعب دوراً عالمياً ضخماً خلال هذه الأيام، وأي تلميح بالإهانة حول عدم تنفيذ الأمور بطريقته فيما يتعلق بهولندا لن يُقبل بشكل جيد في تركيا، حيث عادة ينفذ رغباته.

عندما زجرته ألمانيا منذ أسبوع ونصف تقريباً، وزجرته هولندا هذه الأسبوع، اتهم كليهما بالميول النازية.

واستقطبت كلماته الحارقة توبيخاً حاداً من كلا البلدين، وذكرته هولندا بأن 200 ألفاً من مواطنيها قُتلوا على يد القوات النازية.

أيضاً.. وسط أزمة تركيا وهولندا.. أنقرة: تحذير الاتحاد الأوروبي لنا لا قيمة له

وكان من المقرر لبعض وزرائه، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن يلتقوا مع الأتراك في هولندا، للحصول على دعمهم للاستفتاء التركي الذي سيعزز سلطة أردوغان في تركيا.

ولكن في محاولة لتعتيم ضوء الديمقراطية في بلاده، يبدو أن أردوغان غفل عن الانتخابات الوشيكة في هولندا حيث الهجرة هي القضية الرئيسية. هولندا - حيث حُرم وزير الخراجية التركية ووزيرة شؤون الأسرة التركية من لقاء الأتراك - ستفتح أبواب قاعات صناديق الاقتراع، الأربعاء المقبل.

00:42
وزير خارجية هولندا لـCNN: آمل أن تركيا لم تقصد مقارنتنا بالنازية

وقال رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، إنه لا يعتقد أن أردوغان كان عازماً على الإخلال بالانتخابات الهولندية ولكن وزراءه حاولوا شق طريقهم في دولته ضد رغبات صريحة من الحكومة الهولندية.

ووفقاً لروت، فإن حكومته كانت تتفاوض مع وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لإلقاء الأخير كلمة في تجمع صغير للأتراك في روتردام. وخلال المفاوضات هدد جاويش أوغلو باتخاذ إجراءات لم يحددها إذا لم يحصل على ما أراد.

وبالنسبة لروت، فإن ذلك كان خطاً أحمر، قائلاً: "أوقفنا المحادثات.. عندما بدأ وزير الخارجية التركي يهددنا بالعقوبات." وعندها رُفض هبوط طائرة جاويش أوغلو في مطار روتردام.

وبعد ساعات، حاول شخص آخر من وزراء أردوغان الوصول إلى روتردام لإلقاء كلمة. وزيرة شؤون الأسرة التركية، فاطمة بتول صيان قايا، وصلت إلى هولندا بالسيارة من ألمانيا، ولكن في وقت لاحق اصطحبت إلى الحدود من قبل الشرطة الهولندية.

المرشح القومي الشعبوي الهولندي، غيرت فيلدرز، الذي تروج حملات ترشيحه لأجندة معادية للإسلام كان متعادلاً مع حزب روت الذي يُدعى "حزب الشعب للحرية والديمقراطية". وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قال إنه يسعى لتحقيق مكاسب من الخلاف، مرسلاً تغريدة على تويتر إلى وزيرة شؤون الأسرة التركية، قائلاً فيها: "إذهبي ولا تعودي أبداً،" و"خذي معك كل معجبيك الأتراك من هولندا من مفضلك."

إذا كان في وسعه، سيُخرج فيلدرز هولندا من الاتحاد الأوروبي ويُغلق الحدود المفتوحة، التي سمحت لوزراء أردوغان بالقيادة دون عوائق لدخول هولندا من ألمانيا.

في أي وقت آخر قد يكون هذا مناوشة دبلوماسية صغيرة، ولكن هذا ليس وقتاً طبيعياً.

و.. أنقرة تمنع عودة سفير هولندا من إجازته وتهاجم صحيفة سويسرية انتقدت أردوغان بالتركي

ما بعد "Brexit"، استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما بعد (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، تواجه أوروبا جولة من الانتخابات حيث يزدهر المرشحون الشعبوين مثل فيلدرز، فيما يتعلق بقضايا الهجرة ويشكلون تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي.

برز أردوغان بدور الزعيم المؤثر على نحو متزايد، وبدور الشريك العالمي الرئيسي في مجال مكافحة الإرهاب، والحليف الضروري للولايات المتحدة في سوريا فضلاً عن دور الشريك الجديد لروسيا في النزاع نفسه، ناهيك عن اعتبار دولته سداً فعالاً يُحجّم تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

إضافة إلى كل هذا، يزداد القلق الأوروبي من الإصلاحات السياسية التي يدفعها أردوغان في تركيا، والتي يرى العديد من الدبلوماسيين الأوربيين أنها ستفيده هو وأتباعه فحسب، ما يُبعد أردوغان عن تحقيق هدفه المعلن بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو/ تموز الماضي، أغلقت تركيا ما يصل إلى 140 منظمة إعلامية، واعتقلت قرابة 41 ألف شخص، وطردت ما يصل إلى 100 ألف من وظائفهم.

الآن، بعدما مُهّد الطريق ببطئ، يحمل أردوغان في يديه المقابض التي من شأنها أن تتسبب في زلزلة في جميع أنحاء القارة، وهو أمر لا يعجب أو يُريح الحكومات الأوروبية.

فاز أنصار مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي في استفتاء "Brexit" بسبب قضية الهجرة، التي تغذيها صور تدفق اللاجئين إلى أوروبا وتضاعفها المخاوف من الهجمات الإرهابية التي ينفذها "المتطرفون الإسلاميون".

أيضاً.. ما هو الاستفتاء الذي أراد أوغلو الترويج له بهولندا وأشعل الأزمة؟

اليوم، نفس تلك المخاوف تغذي النهج الشعبوي في جميع أنحاء شمال أوروبا. ليس فقط من قبل فيلدرز في هولندا ولكن أيضاً من قبل المرشحة للرئاسة الفرنسية، مارين لوبان، التي ستفتح دولتها أبواب قاعات صناديق الاقتراع الشهر المقبل، والتي هي أيضا تتعهد لقيادة الدولة للخروج من الاتحاد الأوروبي في حال فازت.

في جميع أنحاء أوروبا خلال الأشهر المقبلة، ستُفتح أبواب قاعات صناديق الاقتراع، وأغلب الأحزاب العريقة تواجه تآكل الدعم لها مقابل ما يلقاه الشعبويون من دعم.

إلى حد ما، يحمل أردوغان مفتاح الوضع الراهن في أوروبا: وقف اللاجئين الذين يعبرون إلى أوروبا عبرتركيا (وإن كان ذلك نتيجة لصفقة بـ6 مليارات يورو مع الاتحاد الأوروبي) والتعاون حول مكافحة الإرهاب لوقف توغل تنظيم داعش في أوروبا، لإظهار قوته.

ولكن عبر أسلوب تعامله مع النزاع الدبلوماسي الأخير، أظهر أردوغان جانباً هشاً لشخصيته. أفعاله تعزز المخاوف الأوروبية بأنه أصبح استبدادياً بشكل متزايد.