هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بعد السقوط المدوي لتنظيم الإخوان المسلمين في مهده، مصر، والتصاق اسمه بحرف الربيع العربي عن مساره واختطاف ثورة المصريين، ومن بعد الحركات الاحتجاجية السلمية في دول "الربيع العربي" كافة، ها هي واشنطن تصحح الخطأ التاريخي للندن التي يُعتقد أنها خلف إنشاء أو رعاية التنظيم عام 1928.
لعله "قرار القرن" إذا اعتبرنا القرار الأميركي الوشيك بإدراج الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب قرارا أمنيا أولا وسياسيا ثانيا. لم يخف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنذ بدايات حملته الانتخابية اشمئزازه من أولئك الذين "يضمرون الكراهية والشر" لأميركا والعالم الحر والقيم الإنسانية والحضارية. لم يتردد في ذكرهم بالإسم في أكثر من مناسبة قبل وبعد توليه الرئاسة. موقف ترامب تؤيده الأغلبية الساحقة في الأوساط الشعبية قبل الرسمية لكن الخلاف المزمن كان في التعاطي مع هذا الشر: سواء في عنوانه الإخواني أو لافتته العريضة المسماة خطأ "الإسلام السياسي" أو "المعتدلين" أو "الوسطيين" الإسلاميين. إن الدارس لأدبيات لا بل وممارسات أساتذة وتلاميذ هذا التنظيم وليس الجماعة، يعلم يقينا أنه تنظيم سياسي عسكري قتالي بكل ما هو متاح من أسلحة. ويعي تماما أن الاختلاف أو الخلاف بين تلك الدكاكين السياسية أو "الدشم" العسكرية ما هي إلا "تقية" و"براجماتية" و"انتهازية" فاقت الميكايافيلية في كل شيء.
إن السجال الأميركي العلني والخفي حول الإخوان والإسلاميين عموما، لا يملك مواصلة تجاهل الخطأين التاريخيين لاثنين من أكثر رؤساء أميركا شعبية: الجمهوري رونالد ريغان والديمقراطي باراك حسين أوباما. الأول استقبل تلاميذ حسن البنا وسيد قطب – صاحب نظرية "الحاكمية" وتكفير الدولة واستباحة أعراض وأرواح وأموال من هم ليسوا على "ملته"- استقبلهم في البيت الأبيض وكان سببا لدخول مصطلح "مجاهدين" إلى قاموس اللغة الإنجليزية بالإشارة إلى المقاتلين الأفغان ضد "الغزو" السوفيتي. والثاني لن ينسى له التاريخ محاولته البائسة الفاشلة تمكين الإخوان من رقاب شعوب ومقدرات العرب.
ترامب الذي ما زال يثير جدلا في كل قرار يتخذه إلى حد كبير سواء خارجيا أم داخليا، سيحدث في قراره هذا تسونامي أراه أكثر أهمية من أي قرار اتخذه حتى الآن على الصعيد الأمني البحت.
إن وضع الإخوان كتنظيم إرهابي لا كحزب سياسي أو جمعية خيرية، قرار في الصميم يأخذ الأمور مواجهة بلا مواربة. الأمر الذي سيؤدي إلى عملية فرز أمنية -عربيا وأوروبيا- ومن ثم تتوالى دوائر التأثير لتشمل الكثير من الأمور الحساسة قانونيا وسياسيا وفكريا وثقافيا وإعلاميا.
القرار فيه رد اعتبار للدول التي لم تتردد منذ سنوات لا بل وعقود، في اتخاذ هذه الخطوة الشجاعة والخطرة في آن واحد، وفيه أيضا تلويح بعصا غليظة لكل الأفاعي والحرابيّ (جمع حرباء) التي ستتباكى على الاعتدال المزعوم من خلال الإشارة الانتقائية إلى شخصيات يحبها الناس ويجلها لشخصها لا لكونها "إخوانية أو إخونجية".
القرار في المقابل، يحمل بذار ضرب تلك العصا لعش دبابير إن لم يحسن خبراء الأمن محاصرته والقضاء عليه قبل الضرب ستكون النتائج مؤلمة مرحليا لكنها حتما ستفضي إلى الشفاء والتعافي التام والعاجل بإذن رب العالمين.